حسب ما نشرته صحيفة سبق الإلكترونية، فإن أحد (المحكمين القضائيين المعتمدين) تحدث عن استعمال الضرب في التربية، فقال: «لا أحد من علماء الأمة قديما وحديثا يقول إن ضرب الآباء أبناءهم، والمعلمين طلابهم محرم بالإطلاق»، واستشهد على ذلك بما جاء في القرآن الكريم من إباحة ضرب الأزواج زوجاتهم حال النشوز، وبما روي عن الرسول عليه الصلاة والسلام بالأمر بضرب الأبناء عند تركهم الصلاة في سن العاشرة، وبما دلت عليه نصوص العلماء «وتواتر عليه عمل سلف الأمة». لكن القول بإباحة الضرب والاستشهاد على ذلك بمثل تلك الاستدلالات، فيه تعسف في الاستشهاد، فالأمر بضرب الزوجات كما يقول بعض المفسرين انحصر في حال النشوز، وفسر النشوز بأنه الامتناع عن فراش الزوج فقط لا يتعدى إلى غيره، فضلا عن أن الضرب في حال النشوز يكون مقيدا وليس مطلقا باستمرار النشوز، فالزوجة التي تصر على نشوزها ليس للزوج الاستمرار في ضربها، وإنما يحال أمرهما إلى التحكيم بينهما، وليس كذلك ضرب الأبناء والطلاب، الذي يكون أداة تأديب سارية المفعول في كل وقت وعلى كل خطأ. ويمكن القول بمثل ذلك حول حديث الأمر بضرب الصغار عند إهمال الصلاة، (رغم أن البعض يضعف الحديث)، إلا أنه يمكن القول إن الحديث جاء مقيدا بالتقاعس عن الصلاة، فهو أقرب إلى أن يكون عقوبة خاصة بترك الصلاة، وليس قاعدة مطلقة لتأديب الأولاد. من هنا فإن الاستدلال به أو بالآية السابقة على جواز الضرب في أمور غير ما نصت عليه تلك الأدلة، هو من الاجتهاد البشري القابل للاختلاف حوله. أما القول (بأن هذا ما تواتر عليه عمل سلف الأمة)، فإنه حجة بالغة الضعف، عمل سلف الأمة في الأمور الدنيوية ليس ملزما لأحد، وسلف الأمة، مهما بلغوا من سعة المعرفة الدينية، هم في مجال العلوم الدنيوية ليسوا مرجعا، وهذا يعني أننا لسنا ملزمين بأن نجعل ما تواتر عليه عمل سلف الأمة من ضرب الأولاد والتلاميذ نبراسا نتبعه، خصوصا بعد أن أنعم الله علينا بعلوم حديثة تبين لنا الضرر الذي يحدثه الضرب على شخصية المضروب، حتى وإن كان خفيفا لا يضر البدن. ولست أتفق مع من يقول: (ضربنا ولم يضرنا شيء)، فالمريض بأدواء النفس لا يشعر بدائه، وأبسط دليل على ذلك ما نراه من حماسة بالغة لدى المطالبين بالسماح بضرب الطلاب محتجين بأنهم ضربوا صغارا وما ضرهم، فهذه الحماسة تدل على غضب مكبوت داخلهم نتيجة تعرضهم للضرب في الصغر، كأنهم يرددون في اللاوعي (كما ضربنا علينا أن نضرب) انتقاما مما أصابهم. هناك أساليب كثيرة لضبط سلوك الأطفال والطلاب غير إهانتهم وإيذائهم بدنيا، خصوصا أن ليس كل (الضاربين) (يلتزمون بشروط الضرب التي نص عليها سلف الأمة)، وقد يتجاوزون ذلك إلى ما فيه إيقاع الضرر بالمضروب، ولا أظن أني في حاجة للتذكير بما يعرض علينا يوميا من حوادث العنف ضد الأطفال والطلاب التي تبلغ أحيانا حد القتل. فمع وجود أمثال هؤلاء يضحي تطبيق قاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، (على افتراض أن في الضرب مصلحة) هي طوق النجاة الذي يحمي الصغار من التعرض للأذى متى أبيح الضرب في المدارس.