يعتبر " النشوز " أحد القضايا الاجتماعية التي بدأت تطفو على سطح حياتنا الأسرية وبالتالي تسبب قلقا مجتمعيا كبيرا, والواقع أن النشوز يقع من الزوج كما يقع من الزوجة .. لكننا في هذه التحقيق سنتناول نشوز الزوجة .. أسبابه وتداعياته وما قد يفضي إلى الطلاق , وبالتالي إلى تفرق الأزواج , وتشتت الأسرة , وفقدان المحبة والألفة بين الزوجين , وضياع الابناء . (البلاد) ناقشت هذه القضية من جميع أطرافها , حيث استطلعنا آراء الازواج والزوجات وكذلك المختصين . وكان هذا التحقيق الذي يسلط الضوء على هذه القضية الاجتماعية. نفقة المرأة في البداية تحدث معنا إمام وخطيب جامع أبو بكر الصديق والمأذون الشرعي بجدة الشيخ (وليد محمد سعيد الطيب) .. فقال: نحن في واقع الامر نتمنى للحياة الزوجية أن تكون سعيدة دائماً لكل المتزوجين , ولكن هذا ربما يكون أمرا مستحيلاً , لأن الحياة الدنيا طبعت على كدر .. ومن هذه الأكدار: نشوز المرأة على زوجها. وحتى نعرف حكم النشوز لابد لنا أن نعرف مظاهره , فمن ذلك .. امتناع المرأة من حق معاشرة زوجها في الفراش.. وقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا دعا الرجل امرأته لفراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح) . وعليه فلا يجوز للمرأة أن تتثاقل أو تمتنع أو تتباطأ عن زوجها إذا دعاها للفراش , إلا إذا كان عندها عذر شرعي كمرض أو حيض أو نفاس. وأضاف الشيخ وليد قائلا : وكذلك من مظاهر نشوز الزوجة : مخالفة زوجها فيما نهى عنه , كالخروج بلا إذنه ,أو إدخال بيته من يكرهه, أو زيارة من منع من زيارته , أو السفر بلا إذنه, لما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه , فإن فعلت فاضربوهن ضرباً غير مبرح). ومن ذلك أيضا : ترك طاعة الزوج فيما أمر به من معروف , كخدمته والقيام على مصالحه , وسائر حقوقه كتربية الأبناء.. ومن ذلك سوء العشرة مع الزوج , والتسلط عليه بالألفاظ البذيئة , ويدخل في ذلك إيذاء أهل الزوج . ومضى الشيخ وليد قائلا : لذلك قرر العلماء: أن الناشز عاصية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم , لا تستحق النفقة حتى ترجع إلى الطاعة , إذا كان نشوزها بغير حق , وانتصر لهذا القول سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله. وأضاف الشيخ وليد بقوله : وهناك أسباب لهذا النشوز من قبل الزوجة , ومنها : سوء حلم المرأة , أو قلة وعيها بمكانة الزوج وقدره , أو وجود من يسلطها على زوجها , أو وجود فوارق نفسية أو جمالية كبيرة بين الزوجين , أو تأثر المرأة بالأصوات التحريرية التغريبية في الأوساط المعاصرة , أو وجود مشكلات بين المرأة وزوجها. وأضاف: أنا أرى أن من العلاج الناجح لظاهرة نشوز المرأة على زوجها - وبالذات في عصرنا هو: نفقه المرأة في أحكام الأسرة , والاطلاع على حقوق الزوج , ووجوب طاعته , ومن ذلك : تدرج الزوج مع زوجته في العلاج إذا وقع منها نشوز .. وذلك بوعظها أو هجرها أو ضربها , ولكن ضرباً غير مبرح إن احتاج الأمر إلى ذلك , كما هو منهج القرآن الكريم. وقال : لذا أرى لكلا الزوجين أن يقيما منزلهما على منهج الله ومنهج رسوله صلى الله عليه وسلم فيما بينهم ,وأن يكون أساسهما قائماً على الود والتآلف والعشرة بالمعروف , وإذا حصل من يحضضهما على سوء خلق تجاه الآخر فعليهما ألا يسترسلا في النظر إلى هذه المنغصات, بل عليهما أن يتذكرا جوانب الخير عند كليهما , وأن يبتعدا عن جميع الوساوس والظنون والأوهام. وختم الشيخ وليد حديثه لنا بالقول : أنا في واقع الأمر أذكر المرأة بحق الزوج , وأن تسعى جاهدة لتنال رضاه . ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على النار فوجد أكثر أهلها النساء. تقوى الله أما الشيخ (عصام عبدالعزيز العويد) فقال: ان الله عز وجل في كتابه الكريم ذكر المرأة الناشز وذكر أن النشوز يأتي كذلك من الرجل أي يأتي من المرأة ويأتي كذلك من الرجل. فقال تعالى:(واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) فلا يبدأ الإنسان بالضرب أو الهجر كما يفعل البعض , وهذا من الجهل ومن الخطأ. ومضي الشيخ عصام يقول : ولكن يعضها بأن يقول لها : اتق الله , ولا تنس حقي عليك , ويقول لها ان لك أنت حقوق , ولكن لا تقصري في حقي عليك . ومعلوم أن النشز هو في اللغة المرتفع من الأرض . وحتى لو تبرمت في وجهها يعتبر نشز . لكن يلاحظ الإنسان غيرتها بعض فطرتها , ويلاحظ الإنسان خلال دورتها الشهرية , أو النفاس قد تتغير نفسيتها وتتضايق . وقال : كذلك عندما كان عمر بن الخطاب في المدينة , وكان هذا بعد الإسلام فكانت زوجته تراجعه في الحديث فقال لها : أتراجعينني ؟ فقالت لما لا أراجعك وابنتك حفصة وزوجات النبي يراجعن رسول الله ؟. واضاف : فعلى الرجل أن يراعي هذه المسألة . فإذا ذكرها بالله عز وجل , وخوفها بالله , ولم تتعظ بذلك .. فيذهب للمذهب الثاني الإلهي وهو الهجر . بل أن كثير من الإخوة من يهجر في البيت لا يأتي إلا الساعة الثالثة , وهجران المضجع كأن ينام ويعطيها ظهره وهو على نفس الفراش , أو ينام في الأرض وهي على الفراش . وقال : والحل الثالث أن ينام في غرفة وهي في غرفة , ولكن لا يترك البيت أو ينام عند صديقه , وغير ذلك إلا إذا اشتد الأمر. وكما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته , إنهن ذات مرة وصل بهن الأمر إلى أنهن يتفقن عليه صلى الله عليه وسلم , فهجرهن جميعاً شهراً كاملاً . وهو بنفس المسجد وكانت البيوتات بنفس المسجد . واضاف : في هذه الحالة على الزوج أن يلاحظ انه إذا نفع الهجر ورجعت الزوجة فهو خير على خير . أما إذا لم ينفع , فينتقل إلى المرحلة الثالثة : وهي التوجيه الإلهي بالضرب . والضرب غير المبرح . لأن من النساء من لا ترجع ولا ترتدع إلى بالضرب .. والضرب منا يكون غير مبرح ,, بل لا يكون الضرب في الوجه , ولا يكون في مكان يضر المرأة . كأن يكون بمسواك أو يكون بلطف. واضاف : قالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : لا تضرِبوا إماءَ اللَّهِ . فجاءَ عمرُ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ : ذئرَ النِّساءُ علَى أزواجِهِنَّ . فرخَّصَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في ضربِهِنَّ ، فأطافَ بآلِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ نساءٌ كثيرٌ يشكونَ أزواجَهُنَّ ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : لقد أطافَ بآلِ محمَّدٍ نساءٌ كثيرٌ يشكونَ أزواجَهُنَّ ، ليسَ أولئِكَ بخيارِكُم وقال : ومع الإذن في الضرب إلا أنه من كمال الرجل أن يتورع ويبتعد عنه . والحديث دليل على خيرية النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يضرب امرأة قط . واضاف الشيخ عصام قائلا : كذلك قال الله تعالى في كتابه:(فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً) .أي أنه لا يجوز أن تتعالى عليها , بأن تقول لا لن أقبل اعتذارك , أولن أقبل رجوعك.. وكذلك يجب على كل من تولى للمسلمين أمراً أن ينتبه لهذه القضية , وأن لا يبت الحكم في الطلاق , وخاصة إذا كان الاختلاف ليس بجوهري , كأن يكون الاختلاف لأمر تافه كأمور مالية وغيرها. فلابد من الاستعانة بحكم من أهله وحكم من أهلها لطلب الصلح , ولا ينتقل إلى الطلاق. وقال : ونحن نعيب على كثير من الإخوة هداهم الله أنهم يذهبون مباشرة الى الطلاق . وهذا جهل مركب . ولابد أن ينظر أيضاً للرجل ما سبب نشوز زوجتك عليه ؟ ,, فقد يكون هو السبب في ذلك .. فإذا كان الرجل تسبب في نشوزها فليتق الله عز وجل , او قد يكون السبب كنقص نفقة أو مال . وختم الشيخ عصام قائلا : والخلاصة أنه إذا اتقى الله تعالى الزوج واتقت الله الزوجة فلن يكون هناك نشوز أو غيره. ولا بد من التنازل من الطرفين من الزوج والزوجة , لأن من حكمة الله عز وجل أن لاتصفوا هذه الدنيا , حتى نشتاق إلى الجنة الدار الحقيقية .أما هذه الدار فكما نرى لا تصفوا لي أحد. ولذلك قال جل وعز :( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير) وقال : المرأة التي خافت على زوجها نشوزاً أو إعراضاً أقول لها تنازلي , اعفي واصفحي وتسامحي, والرجل رقيق بطبعه فإنه يحب المرأة الحنونة المتصافحة اللينة. وهو لا يحب المرأة التي تفتخر بمالها أو جمالها أو شيء من هذا. فكل ما أصبحت الزوجة لينة واستخدمت أنوثتها , واستخدمت هدوئها استطاعت أن تمتلك قلب الرجل , واستطاعت أن تهدئ من روعه وتغير من حاله. آراء الأزواج والزوجات وتحدث معنا الاخ (أبو سليمان) فقال: نشوز الزوجة معصية عظيمة , فالواجب على الزوجة هو طاعة الزوج في المعروف . وطاعة الزوج مقدمة على طاعة الوالدين , كما هو مقرر في دين الإسلام , فعليها طاعته على كل حال مالم يأمر بمعصية لله تعالى . وأنا أعتبر أن النشوز يكون غالباً من أجل أمور تافهة وغير مهمة. وتشاركنا الاخت (أم سعيد) فتقول : الحياة الزوجية يجب أن تبنى على الحب والتفاهم . ويجب على المرأة أن تطيع زوجها , لكن في المقابل يقوم الزوج بإسعادها . فالزوج عندما يرى أن المرأة مطيعة له , فانه يقدرها ويكون حريصا على إسعادها. وأما (تركي اليامي) فقال: الحياة الزوجية يجب أن تبنى على الود والرحمة كما أمرنا ديننا الحنيف. والنشوز موجود وإن كان على مستوى ليس واسعا . وربما كان من أكبر أسبابه عدم التفاهم بين الزوجين على تسيير قارب الحياة الزوجية .. وأضاف قائلاً : من وجهة نظري فإن الصبر مهم جدا بين الازواج , ويجب التحلي به قدر الامكان , وانا واثق انه بالصبر يمكن تجاوز الكثير من عقبات الحياة , سواء على مستوى تذليل الصعوبات الحياتية المختلفة , وبالتالي تجاوزها والتفكير بالغد .. أيضا فالتسامح بين الزوجين مهم ومتى تواجد بينهما فلن يكون للنشوز ولا لغيره وجود في حياتهما . أما الاخت (أم تالة ) فقالت: ما يحصل في أغلب الأحيان أنه عندما تختلف الزوجة مع زوجها , لا يتم علاج المسألة بهدوء في مهدها , ولذلك يتفاقم الخلاف ويصل الى الاختلاف بينها إلى طريق مسدود .. وبالتالي تصبح الزوجة رافضة طاعة وخدمة , والمشكلة أنها ترى أن الصواب معها . رغم أن الإسلام أمر بطاعة الزوج. وأضافت قائلة: أنا من وجهة نظري أرى أنه من الأفضل تكون لدينا لجان إصلاح تطوعية كثيرة , أهلية أو رسمية , لحل المشاكل الموجودة بين الزوجين . وتشاركنا كذلك الاخت (أم معاذ) قائلة : نشوز الزوجة وعدم طاعتها الي زوجها أمر محزن . واظن ان سبب النشوز المهم هو عدم التوافق الفكري والاجتماعي بين الزوجين . ويتضح ذلك بعد الزواج عندما يتم التصادم بين الزوجين بسبب عدم توافق الآراء والافكار والثقافة فيما بينها, وتبعا لذلك يمكن ان تقوم الزوجة بالتمرد وعدم طاعة زوجها , والمشكلة انها تحسب أنها بفعلتها تلك سوف يخضع لها زوجها , وينفذ أوامرها ويلبي طلباتها , وهذا تصرف خاطئ حقيقة . أما الشاب (مصعب) طالب جامعي متزوج , فقد قال: إن لنشوز الزوجة صور متعددة , ومنها مخالفة الزوج وعصيانه فيما لا يريد , كالخروج من البيت بدون إذنه , أو إدخال بيته من يكرهه , أو زيارة من منع الزوج زيارته , وكذلك من الصور عن النشوز في الزوجة قصد الأماكن التي نهى زوجها عنها , والسفر بلا إذنه . واضاف : وقد نص الفقهاء على تحريم ذلك واعتبروه نشوزا واضحا . وأيضاً من مظاهر النشوز ترك طاعة الزوج فيما أمر به من المعروف كخدمته , والقيام على مصالحه , وسائر حقوقه وتربية ابنائه . وأما الاخ (سالم المالكي) فقال :أنا اظن ان من أسباب نشوز المرأة هو سوء خلقها, وعدم تلقيها قدراً كافياً من التربية الصحيحة, وقلة وعيها بمكانة الزوج , وجهلها لحقوقه وأهمية طاعته. ومن الأسباب كذلك وجود من يحرضها على الخروج عن طاعة الزوج, وكون الزوجة تتصل بنساء يشجعنها على التمرد على الزوجية الصحيحة . والتباين الاجتماعي والفكري بين الزوجين , ووجود فارق كبير بينهما في السن والثقافة . واضاف : وقد يكون من الاسباب تفوق المرأة على الزوج في شيء من الصفات في المال أو الجمال أو الحسب أو النسب مما يحملها على الغرور والكبر على زوجها . وربما من الاسباب ايضا تأثر المرأة بالأصوات والأطروحات التغريبية التي تدعي خطأ تحررها من أحكام وآداب الأسرة الإسلامية , وبما تقنعها بمساواة الرجل في امور غير صحيحة وعدم التزام الطاعة له. وقال : كما ان من اسباب نشوز الزوجة وجود المشاكل بين المرأة وزوجها وتراكمها بدون حل اولا بأول , وعدم تفهمها لنفسية الزوج واحتياجاته الخاصة , ومن الاسباب التي يجب الا نغفل عنها ظلم الزوج لزوجته , وتقصيره بحقوقها , وجفائه لها وعدم مراعاة حدود الله في علاقته بها .