نشرت صحيفة «الحياة» يوم 2 - 12 - 2010 إضاءة مقتضبة عن بحث القاضي نايف الحمد بعنوان «ضرب الزوجة غير المبرح لا يسمى عنفاً أسرياً». قال فيه: إنه أصّل مفهوم ضرب الزوجة، بقصد تأديبها، لكي لا ينساق الناس وراء منظمات حقوق الإنسان، فيتجاهلون النص الشرعي. إن تفسير مفهوم القوامة، عند الأخ الحمد، بأنه حق للرجل في تأديب زوجته تفسير يجانب الصواب، فليس للرجل على زوجته شيء من سلطان التأديب؛ ذلك أن عقوبة التأديب إنما شرعت للأبناء القصّر. فالزوجة الوزيرة، أو العالمة، أو الطبيبة، أو أستاذة الجامعة، لا تعدّ قاصراً. كما أن استشهاد الحمد بحديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، أن الرجل لا يسأل فيم ضرب امرأته، هو الذي أساء كثير من المسلمين فهمه وتأويله، وتوسعوا في معناه، حتى عدّه بعضهم أنه حق مطلق للزوج، بينما هو لم يكن يتعدى مجرد التعبير عن عدم الرضا. إذ روي عن ابن عباس، رضي الله عنه، تفسيره للضرب بالسواك أو نحوه، مثل القلم أو بأي شيء يشابههما في الوزن والحجم، وعلى عضد المرأة أو جنبها. وقد نهى الشرع عن الضرب باليد مباشرة. وهنا أسأل الحمد أن يذكر لنا حال عنف أسرية واحدة، وصلت قضيتها إلى الشرطة أو القضاء، كان الزوج فيها يضرب زوجته بالسواك الصغير، كما افترض في بحثه بأن الضرب غير المبرح، لا يعدّ عنفاً أسرياً. لقد أحصى الدكتور عبدالحميد أبو سليمان وجوه المعاني، التي جاء فيها لفظ «الضرب» ومشتقاته في القرآن الكريم، على 17 وجهاً، تحوي جملة معانٍ للفعل «ضرب» بصيغته المتعدية المباشرة وغير المتعدية، وهي استخدامات مجازية فيها معنى العزل، والمفارقة، والإبعاد، والترك. واستند في رأيه إلى الآية الكريمة في قوله تعالى: (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله). يقول أبو سليمان: إذا أخذنا في الاعتبار قيم الإسلام في تكريم الإنسان وحفظ كرامته، وحقه في تقرير مصيره، وإذا أخذنا في الاعتبار العلاقة الزوجية الاختيارية، وإمكان طرفي العلاقة الزوجية في إنهائها، وأنه لا مجال لإرغام أي طرف منهما أو قهره عليها، أدركنا أن المعنى المقصود من الضرب لا يمكن أن يكون الإيلام والمهانة، وأن الأولى هو المعنى الأعم أن كلمة «الضرب» في السياق القرآني، هو البعد، والترك، والمفارقة؛ وذلك أن بُعد الزوج عن الزوجة، وهجر دارها كلية من طبيعة الترتيبات المطلوبة لترشيد العلاقة الزوجية، ولأن ذلك هو خطوة أبعد من مجرد الهجر في المضجع؛ لأن مفارقة الزوج وترك منزل الزوجة، والبعد الكامل عنها وعن دارها، يضع المرأة، وبشكل مجسد محسوس أمام آثار التمرد والعصيان والصراع مع الزوج وهو الفراق والطلاق. واستند إلى ما ذكرته كتب الحديث من مفارقة النبي، صلى الله عليه وسلم، بيوت زوجاته، حين نشب بينه وبينهن الخلاف، ولم يتعظن، وأصررن على عصيانهن وتمردهن، رغبة في شيء من رغد العيش؛ فلجأ، صلى الله عليه وسلم، إلى المشربة شهراً كاملاً، تاركاً، مفارقاً لزوجاته ومنازلهن، مخيراً إياهن، بعدها، بين طاعته والرضا بالعيش معه على ما يرتضيه من العيش، وإلا انصرف عنهن وطلقهن في إحسان. وهو، صلى الله عليه وسلم، لم يتعرض لأي واحدة منهن خلال ذلك بأي لون من ألوان الأذى الجسدي أو اللطم أو المهانة بأي صورة من الصور. ولو كان الضرب، بمعنى الأذى الجسدي والنفسي، أمراً إلهياً ودواء ناجعاً، لكان، صلى الله عليه وسلم، أول من يبادر إليه ويفعل ويطيع. وإن الرجل الكريم الذي تسيء زوجته معاملته، لا يمكن أن يلجأ إلى ضربها، بل يفارقها بمعروف ويسرحها بإحسان، فإن الأخيار يتنزهون ويترفعون عن ضرب النساء، ففي الحديث: «لن يضرب خياركم». وإذا كان النشوز من الرجل، وهذا ما يحصل في معظم الأحيان، حين يكون الزوج مدمناً للمسكر والمخدرات، سيئ الخُلق؛ ولا تخلوا أقسام الشرطة والمستشفيات يومياً، من حالات عنف الأزواج التي تصل إلى حد السادية في التعذيب والحرق، فإن ثمة حقاً عند المالكية، ألا وهو حق الزوجة في تأديب زوجها، بأن تطلب من القاضي ذلك إذا لم يعاملها زوجها بالمعروف. وعلى القاضي أن يعظه، فإذا لم يفده الوعظ، حكم القاضي للزوجة بالنفقة، ولا يأمر له بالطاعة لمدة مناسبة، وذلك لتأديبه، وهو مقابل الهجر في المضاجع؛ فإذا لم يُجد ذلك في الزوج، حكم عليه بالضرب بالعصا. ويرى الشيخ محمد أبو زهرة، رحمه الله، أن يؤخذ برأي المالكية في قوانين الأحوال الشخصية في الدول الإسلامية منعاً لشطط الرجال في إساءة معاملة الزوجات. يقول محمد رشيد رضا: «إذا أردت أن تعرف مسافة البعد بين ما يعمل أكثر المسلمين وما يعتقدون من شريعتهم، فانظر في معاملتهم لنسائهم، تجدهم يظلمونهن بقدر الاستطاعة، لا يصد أحدهم عن ظلم امرأته إلا العجز». وما دام كثيراً من الناس يظلمون نساءهم بقدر الاستطاعة، ولم تردعهم النصوص الإسلامية عن هذا الظلم بل إنهم أساءوا تفسيرها، واعتبروها تؤيد ما يفعلون، فإن من الواجب على ولاة الأمر اتخاذ القوانين والإجراءات التي تحول دون إلحاق الأذى بالمرأة، وتعدي الحدود الشرعية، ليس من أجل حماية المرأة وحفظ كرامتها وإنسانيتها فحسب، بل من أجل الدفاع عن الإسلام ودرء التضليل والتشويه الذي يلحقه هؤلاء بالإسلام، عندما ينسبون تصرفاتهم الظالمة إليه، وهو ما يعد صداً عن سبيل الله. وقد أدرك بعض العلماء المجتهدين خطورة مثل هذا الأمر، ودعوا إلى ضرورة وضع حدّ له، مستندين في ذلك إلى أحكام الشريعة ومقاصدها الكلية. يقول ابن عاشور في معرض تفسيره للآية الكريمة (واللاتي تخافون نشوزهن): «يجوز لولاة الأمور، إذا علموا أن الأزواج لا يحسنون معاملة زوجاتهم، أن يضربوا على أيديهم، ويعلنوا أن من ضرب امرأته عوقب، كي لا يتفاقم أمر الإضرار بين الأزواج، لا سيما عند ضعف الوازع». وقد جاء استدلال ابن عاشور المقاصدي لهذا الحكم في أمرين: الأول هو مقصد الشارع، القاضي بحفظ النفوس، ومنها نفوس النساء من كل اعتداء نفسي أو جسدي. والآخر، وهو الأصل في قواعد الشريعة، عدم قضاء أحد بنفسه، إلا لضرورة. * باحث في الشؤون الإسلامية.