في شهر رمضان المبارك حيث روحانية الصيام والقيام، تطرأ الكثير من العادات والسمات التي لا تختص بالشهر الكريم.. وإنما تتجلى فيه بشكل واضح، حيث الزحام المروري والإقبال الكبير على مراكز التموين والتسوق. ومن بين ذلك يأتي المتسولون، الذين يستدرون عواطف المقبلين على الطاعات، ويقطعون طريق الصدقات وزكاة الأموال في الوصول الى المستحقين لها. صور عدة يرسمها هؤلاء في موسم الصوم والعبادة، حين يتبادرون وبأعداد لافتة بالوقوف عند الإشارات المرورية، ويتسابقون للجلوس امام ابواب المساجد، ويهمون على كل من يرضخ لتوسلاتهم بالصدقة او الزكاة. تلك الصور التي تشكل ظاهرة تسيء عموما للمظهر الاجتماعي لأي منطقة او محافظة، دائما ما تفسر وبشكل بديهي الى تقاعس الجهات المسؤولة عن محاربة مثل هذه الظاهرة، كحال مكتب مكافحة التسول بمحافظة جدة الذي لم يتجاوب أي من مسؤوليه على اتصالات «عكاظ» بما في ذلك مدير المكتب. لكن المتحدث باسم شرطة المحافظة المقدم عاطي القرشي أكد من جهته على وجود حملات امنيه يومية للقبض على المتسولين في كافة احياء جدة بلا استثناء، وأن بإمكان المواطنين الإبلاغ عن أي متسول او مخالف لأنظمة الاقامة التواصل مع شرطة المنطقة عبر هاتف «999»، الا أن ذلك لا يجيب على تساؤلات المواطن: من أين تأتي جحافل المتسولين! حلقة مفقودة يرى المواطن محمد الدوسري أن مكافحة التسول تعد مسؤولية مشتركة بين معظم الجهات الأمنية ووزارة الشؤون الاجتماعية ممثلة في مكاتب مكافحة التسول، بالاضافة الى مسؤولية المواطن. وقال: «هناك حلقة مفقودة في سلسلة التعاون بين هذه الجهات، فمثلا وقبل حلول شهر رمضان لم نشهد حملات توعية بضرورة إيصال الزكاة والصدقات للمستحقين، تتضمن عرض قصص ومشاهد لحالات كذب ادعى فيها بعض المتسولين المرض والاعاقة». واضاف الدوسري: «بالنسبة لي لا أتعامل مع أي متسول، وهذا الامر بحاجة الى الحزم من قبل كافة المواطنين، رغم أن إعطاء المال للمتسول يندرج من ضمن ضروب الصدقات، الا أن هناك من هم أولى من هؤلاء المتسولين الذين امتهنوا التسول. المسؤولية مشتركة ويضيف عبدالعزيز الشمراني بأنه من الطبيعي ان مسؤولية مكافحة التسول مشتركة بين المواطن وبين مختلف الجهات الحكومية، لكن أين هي مكافحة التسول التي لم أرها سوى مرة واحدة طوال حياتي وهي تقوم بواجب القبض على المتسولين. وقال: «للتو خرجت من المسجد ووجدت صفا كاملا من المتسولين في انتظار خروج المصلين، وهو امر يتكرر وبشكل اكثر واكبر بنهاية صلاة الجمعة، فأين هي الجهات المسؤولة عن مكافحة التسول. منوها بأهمية التوعية بحقيقة المتسولين، وقيام الاعلام بتسليط الضوء على طرق التلاعب التي ينتهجونها، كادعاء الاعاقة والمرض. وفي الوقت الذي اكد فيه الشمراني انه لم ير الفرق الميدانية التابعة لمكتب مكافحة التسول الا مرة واحدة فقط في حياته، نفى علي الاحمري ان يكون قد صادف ايا من منسوبي مكتب مكافحة التسول يقوم بدوره على ارض الواقع، وقال: «ان ظاهرة التسول استشرت بشكل لافت خاصة في شهر رمضان، واصبح من الطبيعي ان يقبل المتسول بصدقتك ثم يطالبك بالمزيد من المال، بل ان المواطن اصبح لايستغرب دخول المتسولين لمقار الاعمال بما في ذلك الدوائر الحكومية بحثا عن الصدقة. ويشير عادل الزهراني الى الدور الكبير الذي لعبه الانترنت عبر مقاطع اليوتوب، في كشف الكثير من الحيل التي ينتهجها المتسولون لاستعطاف المتصدقين واستدرار اموالهم. وقال: «ستشاهد في النت الكثير من المشاهد التي تؤكد ان الاتجار بالتسول تقوده جماعات عدة، امتهنت الكذب والتزوير، وهي في الاصل جماعات مخالفة لانظمة الاقامة، وسترى وسائل عدة درج على اتباعها المتسولون لاستدرار المال». من جهته، علق الدكتور حسن الأزيبي استاذ الفقه المقارن بالقول، إن الصدقة على المتسولين جائزة شرعا، فقد ورد في الصحيحين حديث الرجل الذي تصدق على سارق وزانية وتاجر، متوخيا الاجر في ان تكون صدقته عليهم دافعا لهم للتوبة، وعلى هذا يأتي القياس في حكم الصدقة على المتسول. لكن الواقع اليوم يكشف عن امتهان المتسولين للتسول، وهم اشبه ما يكونوا بقاطعي طريق على وصول الصدقات لمستحقيها ممن لا يسألون الناس الحافا. وقال: «المتسولون الان يمتهنون التسول وبشكل جماعي ومنظم، وقد يتبعون لتنظيمات في الداخل او الخارج، تعمل على نشرهم وفق خطط منظمة بغية جني المال، والذي لا يعلم اين سيذهب بعد ذلك. فهؤلاء المتسولون يأتون الى المملكة بغية تحصيل الاموال، ويتذرعون بالكثير من الذرائع في سبيل تحقيق ذلك، كأدعاء المرض والعاهة والاتيان بأوراق طبية تسوق لتلك الادعاءات. وبذلك هم يحجبون اموال الزكاة والصدقات عن مستحقيها من الفقراء المتعففين، ومن هنا يأتي التنويه والتوعية بهذه الممارسات والنتائج، وهو واجب اكثر ما يقع على ائمة المساجد وعمد الاحياء بالتعاون مع الجمعيات الخيرية والتي يجب عليها ان تنشط في مواجهة المتسولين، وإيصال الاموال الى مستحقيها». واضاف الدكتور الازيبي قائلا: «وقفت شخصيا على حالات لأناس ادعوا الحاجة وهم كاذبون، كمن ادعى سرقة ماله اثناء ادائه للعمرة، في حين ان حجته لم تنته لأيام عديدة كان يجوب خلالها الكثير من المساجد للحصول على المال بهذه الحجة الواهية... وقس على ذلك العديد من الحالات، حيث يرى العديد من هؤلاء المدعون للحاجة عند اشارات المرور ولفترات زمنية طويلة، تدل على انهم تجار للتسول ليس أكثر». وقال:" «هناك من يصلي بين المصلين، ولا تظهر على ملامحه او هندامه العوز برغم حاجته للمال، هؤلاء هم من قال الله تعالى فيهم: {لا يسألون الناس الحافا} وهؤلاء هم الذين تجب عليهم الصدقة والزكاة، وهو ماكان يطبقه النبي الكريم عليه افضل الصلاة والسلام وصحبه الكرام، والتابعون من بعدهم، كالذي وجد على ظهره عند وفاته اثار لحمل المتاع، حيث كان يحمله سرا للمحتاجين.. لا لمدعي الحاجة». مسألة مؤرقة بدوره قال رئيس جمعية تحفيظ القرآن بجدة المهندس عبدالعزيز حنفي، إن ظاهرة التسول باتت تؤرق الكثير من الجمعيات الخيرية في المملكة، خاصة أن كثيرا من المواطنين والمقيمين يستسهلون دفع اموالهم للمستجدين لها عند الاشارات المرورية وعلى ابواب المساجد. وقال: «أولا احذر جميع المتبرعين بأن معظم المتسولين هم ممثلون ومدعوا اعاقة ومرض وقد امتهنوا التسول كحرفة مدرة للمال، كما أن هناك امرا مهما جدا، وهو أن هؤلاء المتسولين لا يندرجون ضمن المستحقين لمال الزكاة، اما الصدقات والتبرعات فمن الاولى أن تذهب الى الجمعيات لخيرية المنتشرة في كل مناطق المملكة، والتي تعمل تحت اشراف الدولة ممثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية، حيث يتم معرفة طرق صرف كل ريال تحصلت عليه الجمعية من المتبرعين». وأضاف حنفي: «لذا على الاخوة المتبرعين العلم بأن جميع الجمعيات الخيرية العاملة في المملكة تعمل وفق رؤى علمية، يتم من خلالها ايصال اموال التبرعات للمستحقين لها، فهناك دراسات وزيارات ميدانية للأسر المحتاجة، وتوثيق لكافة اوجه الصرف التي تشرف عليها الدولة مشكورة». واستطرد حنفي بالقول: «إن ظاهرة التسول تكشف عنها حالات تزوير ومخالفات عدة، سلط الاعلام على بعضها، فلا يكاد يمر يوم خاصة في مثل هذه الايام المباركة الا وتطالعنا الصحف عن وقائع مثير في واقع المتسولين، كمن القي القبض عليه وفي جعبته آلاف العملات النقدية المختلفة، او من اكتشف بأن اعاقته ماهي الا محض كذب وافتراء». مشيرا الى أن الكذب وادعاء الاعاقة يكشف عن مدى خطورة ظاهرة التسول، والتي تفاقمت كثيرا في الايام الاخيرة، واستخدمت فيها وسائل عدة، كان اكثرها ايلاما استخدام الاطفال في عمليات التسول.