اليوم الثاني كان استجواب هيئة التحقيق. عمي، كونه الشاهد الوحيد على الحادثة، تم استدعاؤه ليدلي بشهادته. "صبي صغير بعينين حزينتين، يدير باضطراب قبعة رأسه، كتب الفصل الثاني من لغز مقتل السيد أوستر عصر الجمعة.. محاولاته لإنقاذ اسم العائلة كانت بشكل تراجيدي مثيرة للشفقة. مرة بعد أخرى، عندما يسأل ما إذا كان والداه يختصمان، يقول 'كانا يتناقشان لا أكثر‘ حتى أخيرا، متذكرا قسمه على ما يبدو، أضاف 'و ربما يختصمان_ بشكل بسيط فقط.‘ تصف المقالة هيئة المحلفين بقولها "أثارت استغرابهم جهود الصبي للستر على أبيه وأمه". فكرة الانتحار كانت بشكل جلي لن تنطوي عليهم. في الفقرة الأخيرة من المقالة كتب المراسل الصحفي "تطورات مذهلة لمح إليها المسؤولون عن القضية". ثم جاءت الجنازة. منحت المراسل المجهول فرصة لمحاكاة أحد الأساليب المعروفة لتمثيليات المسرح الفيكتوري؛ الآن، لم تعد الجريمة فضيحة وحسب. لقد تحولت إلى ملهاة مثيرة. أرملة بلا دموع على قبر أوستر مخفورة بالشرطة، تحضر السيدة آنا أوستر جنازة زوجها، هاري أوستر، يوم الأحد "بعيون جافة، وبلا أدنى ملمح لعاطفة أو أسى، قامت السيدة أوستر، الموقوفة هنا لعلاقتها بالموت الغامض لزوجها، هاري أوستر، بالتواجد صباح الأحد، تحت الحراسة، في مراسم جنازة الرجل الذي حجزت لارتباطها بموته".. "لا في المصلى، حيث نظرت لأول مرة منذ مساء الخميس للوجه الميت لزوجها، ولا في المدفن، أبدت السيدة أوستر أية علامة ضعف. الإشارة الوحيدة التي أبدتها لانكسارها تحت الإرهاق المروع جراء هذه المحنة، هي أنها بعد الانتهاء من الدفن، قد طلبت أن يعقد لها مؤتمر صحفي بعد الظهيرة مع رف.م.هارتمان، قس تجمع بيناي زيديك. "عندما تمت المناسك، ضمت السيدة أوستر طوقها المصنوع من فراء الثعلب برزانة حول عنقها، وأوعزت للشرطة أنها مستعدة للرحيل...". "و بعد طقوس شعائرية قصيرة، تشكل موكب الجنازة في شارع ويسكونسون. طلبت السيدة أوستر السماح لها بالذهاب للمقبرة أيضا، وقد أذنت لها الشرطة فورا بما سألت. بدت وكأنها منزعجة لعدم توفير مركبة تقلها، ربما تذكرت ذلك الفصل القصير من الرخاء البين، عندما كان ليموزين أوستر يجوب كينوشا...". "امتحان المشاعر قد امتد لوقت طويل جدا إذ أخذ تجهيز القبر وقتا إضافيا، وفي تلك الأثناء، وهي تنتظر، قامت بمناداة سام، الصبي الأصغر، ليجيء بجانبها، وضمت طوق معطفه بإحكام حول عنقه. حدثته بخفوت، وفيما عدا هذا الاستثناء، فقد كانت صامتة إلى ما بعد انتهاء المناسك...". "هناك شخصية بارزة في مراسم الدفن، سامويل أوستر، جاء من ديترويت، شقيق هاري أوستر. كان يرعى باهتمام بالغ الصبية الصغار و يواسيهم في حزنهم". "في مظهره وتصريحاته، ظهر سامويل موجوعا جدا لفقد أخيه. أبدى بوضوح عدم تصديقه لفرضية الانتحار ونبس بتعليقات لهذا مذاق اتهام الأرملة بما حدث..." "القس رف.م.هارتمان، ألقى موعظة بليغة عند القبر. كان يندب حقيقة أن أول شخص يدفن في هذه الجبانة البكر هو واحد مات نتيجة العنف وقتل في أوجه. لقد أثنى على أعمال هاري أوستر واستنكر موته المبكر". "لم تحرك الأرملة ساكنا من ثناء القس على زوجها الميت. فتحت معطفها بدون اهتمام ليستطيع البطريرك أن يحدث شقا في سترتها المشغولة، إشارة رمزية للحزن مسنونة في الديانة العبرية". "المسؤولون في كينوشا فشلوا في إسقاط شبهة أن السيد أوستر قتل بأيدي زوجته....". جريدة اليوم الثاني، 26 يناير، حملت أخبار الاعتراف. بعد اجتماعها بالحاخام، طلبت انعقاد مؤتمر مع رئيس الشرطة. "عندما دلفت القاعة، ارتعدت قليلا وارتبكت بوضوح عندما قام رئيس الشرطة بتقريب الكرسي لها. "أنت تعرفين ما الذي أخبرنا به صبيك الصغير"، بدأ الفصل الأخير عندما أدرك رئيس الشرطة أن اللحظة النفسية المناسبة قد حانت. "لا تريدين منا الظن بأنه يكذب علينا، هل تريدين ذلك؟" والأم، بوجهها الذي استمر لأيام مقنعا كي لا تفصح عن الرعب الكامن خلفه، مزق مظهره الزائف، صار فجأة رقيقا، وبكت بسرها الرهيب. "إنه لا يكذب عليكم أبدا؛ فكل ما قاله صحيح. لقد رميته بالرصاص وأريد أن أعترف". كان هذا بيانها الرسمي: "اسمي آنا أوستر. أطلقت النار على هاري أوستر في مدينة كينوشا، ويسكونسون في اليوم الثالث والعشرين من يناير 1919. بعد الميلاد. تناهى إلى سمعي من الناس أنني قد أطلقت ثلاث رصاصات، لكنني لا أتذكر على وجه التحديد كم من الرصاصات أطلقتها ذاك اليوم. كان باعثي لإطلاق النار على المدعو هاري أوستر هو حقيقة أنه، المدعو هاري أوستر، قد قام بالإساءة إلي. كنت أقرب إلى الجنون عندما أطلقت على المدعو هاري أوستر. لم أفكر أبدا برميه بالرصاص، المدعو هاري أوستر، حتى اللحظة التي أطلقت فيها النار عليه. أعتقد بأن هذا هو المسدس الذي أطلقت به النار عليه، المدعو هاري أوستر. أقدم اعترافي هذا بحرية كاملة ودون إكراه". ويتابع المراسل: "على الطاولة المقابلة للسيدة أوستر، وضعت الطبنجة التي باستخدامها أطلق النار على زوجها حتى الموت. عندما جاءت على ذكرها، تحسستها بتردد ثم سحبت يدها بشكل ملفت، منتفضة من الرعب. ودون أن يتحدث، نحى رئيس الشرطة المسدس جانبا وسأل السيدة أوستر ما إذا كانت مهتمة في إضافة أقوال أخرى". "هذا كل شيء الآن". ردت برباطة جأش. "وقعي لي هنا وسأضع علامتي بعدها". "طلباتها -عادت للحظة لأسلوب الأثرياء- تمت إجابتها، أكدت بأن هذا هو توقيعها، ثم سألت أن تؤخذ لزنزانتها." في ترتيبات اليوم الثاني، قام محاميها بتقديم استئناف بأنها غير مذنبة. "ملفعة بمعطف مخملي ووشاح من فراء الثعلب، دخلت السيدة أوستر قاعة المحكمة.. ابتسمت لصديقة لها من بين الحضور وهي تأخذ مجلسها عند طاولة وكيلها". وبحضور الصحفي نفسه، كانت جلسة الاستماع "خالية من الأحداث". ومع ذلك، لم يستطع مقاومة إبداء هذه الملاحظة، "وقعت حادثة أثناء عودتها إلى الزنزانة، مما طرح تعليقا على حالة السيدة أوستر الذهنية". "امرأة موقوفة بتهمة علاقتها برجل متزوج، تم جلبها للسجن لحبسها في زنزانة محاذية". عند رؤيتها، سألت السيدة أوستر عن هوية القادم الجديد وعلمت بحيثيات قضيتها". "يجب الحكم عليها بعشر سنوات"، قالت، والباب الحديدي ينغلق عليها بلا رحمة، "كانت امرأة من نفس هذا الصنف، من تسببت بوجودي في هذا المكان".. بعد بعض النقاشات القانونية المعقدة حول كفالتها التي تم نشرها بإسهاب في الأيام القليلة التالية، اطلق سراحها. "هل لديكم فكرة بأن هذه المرأة قد لا تحضر للمحاكمة؟" سألت المحكمة محامي الدفاع. كان المحامي بيكر من أجاب: "أين يمكن لامرأة برفقة خمسة أطفال كهؤلاء أن تذهب؟ إنها متشبثة بهم وتستطيع المحكمة رؤية أنهم متشبثون بها".