في كل مرة يصدر الشاعر علي الحازمي مجموعة شعرية نؤمن بأنه شاعر يتفوق على نفسه إذ لا منافسة مع أحد، كونه يعيد صياغة الأشياء بحرفية الملهم الذي ينجو بالكلام من اللغو، فصل الخريف عند الحازمي أشبه بالمصيدة التي لا فكاك ولا خلاص منها، فالخريف موسم بدء ومنتهى، وفي وسع الشاعر أن يفعل بمفردته ما يشاء، غير أن المهارة في استثارته قارئه بلفتة مشعة، يمكننا الإيمان بالشاعر من مجموعة أولى إلا أن الحازمي يعزز إيماننا بتجربته في هذه الفرادة المركبة تركيبا لغويا ومموسقا، الشعر ينمو بنمو تجربة الشاعر وتعدد قراءته وتجديد مصادر النهر، قليلون الشعراء الذين يولدون دفعة واحدة، والأجمل من يولد على دفعات، كما يقول الراحل الكبير محمود درويش.. وهنا دعوة للتأمل في نص «زواج الحرير من نفسه» (قصيدة من المجموعة الشعرية «مطمئنا على الحافة» )، إنه نص يحيلنا إلى الإصغاء والتأمل في حركة الزمن: في مساء الخريف المضمخ بالفل والتين والأغنيات تكنس الذكريات ورود الكلام المجفف في باحة الدار... حيث جلست طويلا تهدهد ريش الغرام الخفيف *** السنين التي ازدحمت بنساء كثيرات يشعلن ليلك في هدأة... غادرتك ولم تلتفت كي تلوح ثانية للصدى في بعيدك، ها أنت وحدك دون اختيار تلوذ بجفنك للنوم محتشدا بالفراغ! لا أنامل بيضاء تندس في دفء شعرك من فيض (...) المرمري ....... ....... تعود إلى شأن حزنك كالخاسرين من العمر والحب والأصدقاء *** الفتاة التي التقيت بها في ربيع هواك تلك التي نهضت من براعم ( ...) وردة في يديك أحبتك أكثر من روحها أرادتك دون التفات لسمرة جلدك، وخيبة عينيك حين تحدق في صمتها من بعيد، فضلتك على فتية خطبوا ودها ............ *** ربما لم يكن للمودة طقس فريد في ذلك الوقت كان لقاء العشيقين أشبه بالريح حين تمسدها رغبة لاعتناق الصدى من أحبك في ذلك الحين يكفي لإغراق عينيك في غيمة الوله العاطفي ... ولم تنتبه! *** لم تكن فاتنا كي تحاول إيقاعها في حبائل حسنك من نظرة واحدة لم تكن بارعا في ارتجال حديث الغرام السريع لتأسر ظبيتها الشاردة لم تكن ذا خيال بديع لتثري كفوف المكان برفقتها، لكنها، هكذا، قد أحبتك دوما بلا سبب واضح لسؤال القريبين من سرها، أوقعت نفسها في شباكك عمدا... ولم تنتبه! *** الفتاة التي بالغت في التبرج حين التقتك على ضفة النهر من زينت جيدها بقلائد من فضة للعناق لم يكن باستطاعتها أن تبوح سريعا ببعض جنون خيالاتها عندما نقشت حرف اسمك في جهة قرب (...) بانهمار بديع! الفتاة التي لا تشارك إخوتها نومهم باتت تفكر فيك طويلا وفي فرس أبيض سيحط على غصن شرفتها في مساء قريب فلا أنت جئت... ولا لاح طيف كفيف لهذا الفرس! الفتاة التي راقصت خشبا مائلا في غيابك ظلت تغني لليلك شالا بهيجا من النهاوند الفتاة التي يعجز الليل عن فهم (...) في احتضان حرير (...) سالت ينابيع لوعتها في شعاب تخوم تطل عليك ... ولم تنتبه! كلما صوبت سهم لهفتها باتجاه غمامة حلم تتوق له لم تصب غير غربة أحداقها في انكسار المرايا! *** أنت تدرك أن الزمان مضى وأنك لست الذي كنته في الربيع من العمر، بحضرتها اليوم لست تجيد الصعود إلى قمة لبلوغ موشح (...) في المساء، لم تعد قادرا أن تجاري جياد (...) في نزال ستخسره دون شك على عتبة الليل حين يفيض المدى من عيون تحدق في دفئها بانهمار... ولا ترتوي!! *** الفتاة التي لم تعد بعد يومك هذا مدينا لها باعتذار جديد... أحبتك أكثر من روحها أحبتك أنت وأنت الذي لم يعد يتذكر من نار سيرته غير هذا الرماد الخفيف...!