في مساءِ الخريفِ المُضمَّخِ بالفُلِّ والتينِ والأُغنيات تكنِسُ الذكرياتُ ورودَ الكلامِ المُجفَّفِ في باحةِ الدار... حيثُ جَلسْتَ طويلاً تُهَدْهِدُ ريشَ الغرامِ الخفيف *** السنينُ التي ازدحمتْ بنساءٍ كثيرات يُشعلنَ ليلَكَ في هَدأةٍ... غَادرتْكَ ولم تَلتفتْ كي تُلوِّحَ ثانيةً للصدى في بعيدك، هَا أَنتَ وَحدكَ دونَ اختيارٍ تلوذُ بجفنِكَ للنومِ مُحتشداً بالفراغ! لا أَناملَ بيضاءَ تَندسُّ في دِفءِ شَعرِكَ من فَيضِ رَغبتِها المرْمَريّ، لا عَناقِيدَ من شَفةٍ يَعْصِرُ التوقُ كَرمتَها في الكؤوس، لا حَرائِرَ من جَسَدٍ تَتجعَّدُ مُلتاعةً في سَريرِكَ هذا المساء، تعودُ إلى شأنِ حُزنِكَ كالخاسرينَ من العُمرِ والحُبِّ والأَصدقاء *** رُبَّما لم يكُنْ للمودَّةِ طقسٌ فريدٌ في ذلك الوقت كانَ لقاءُ العشيقينِ أشبهَ بالريحِ حين تُمسِّدُها رَغبةٌ لاعْتناقِ الصدى مَنْ أَحَبَّكَ في ذلكَ الحينِ يكفي لإغراقِ عَينيكَ في غيمةِ الوَلَهِ العاطفيّ ... ولمْ تَنتبِهْ! *** لم تكُنْ فَاتِناً كي تُحاولَ إِيقاعَها في حبائلِ حُسنِكَ من نظرةٍ واحدةْ لم تكُنْ بَارِعاً في ارتجالِ حَديثِ الغَرامِ السريعِ لِتأسِرَ ظبيتَها الشارِدةْ لم تكُنْ ذا خيالٍ بَديعٍ لِتُثرِي كُفوفَ المكانِ برفقتِها، لكِنَّها، هكذا، قد أَحَبَّتْكَ دوماً بِلا سَببٍ واضحٍ لسؤالِ القريبينَ من سِرِّها ، أوقعتْ نَفْسَها في شِباكِكَ عَمْدَاً ... ولمْ تَنتبِهْ! *** الفتاةُ التي بَالغتْ في التبرُّجِ حين التقتْكَ على ضِفَّةِ النهر مَنْ زيَّنَتْ جِيدَها بقلائدَ من فِضَّةٍ للعناق ولَفَّتْ ضَفائِرَها بشرائطَ حمراءَ تَصلحُ للحُبِّ أَكثرَ من أَيِّ شيء لم يكُنْ باستطاعتِها أَنْ تَبوحَ سريعاً ببعضِ جنونِ خَيالاتِها عندما نَقشتْ حَرفَ اسمِكَ في جِهةٍ قُرْبَ سُرَّتِها بانهمارٍ بَديع! الفتاةُ التي لا تُشارِكُ إخوتَهَا نومَهُم بَاتتْ تُفَكِّرُ فيكَ طويلاً وفي فَرسٍ أَبيضٍ سيحُطُّ على غُصنِ شُرفتِها في مساءٍ قريب فلا أَنتَ جِئْتَ ... ولا لاحَ طَيفٌ كفيفٌ لهذا الفَرسْ! الفتاةُ التي رَاقصتْ خَشباً مَائِلاً في غِيابِكَ ظَلَّتْ تُغنِّي لِليلِكَ شَالاً بهيجاً من النهاوَند ولم تكترِثْ لكؤوسِ نبيذٍ تُحَدِّقُ في شَفةٍ تتناسلُ منها فصولُ العَطش الفتاةُ التي يَعجزُ الليلُ عن فَهمِ رَغبتِها في احتضانِ حريرِ الوسادة سَالتْ ينابيعُ لوعتِها في شِعابِ تُخومٍ تُطِلُّ عليكَ ... ولمْ تَنتبِهْ! كُلَّمَا صَوَّبتْ سهمَ لهفتِها باتجاهِ غمامةِ حُلمٍ تتوقُ لهُ لم تُصبْ غيرَ غُربةِ أحداقِها في انكسارِ المرايَا! *** الفتاةُ التي لم تَعُدْ بعدَ يومِكَ هذا مَدِيناً لها باعتذارٍ جديد... أَحَبَّتْكَ أَكثرَ من رُوحِها أَحَبَّتْكَ أَنتَ وأَنتَ الذي لم يَعُدْ يَتذكَّرُ من نارِ سِيرتِهِ غَيرَ هذا الرمادِ الخفِيف...!