التحديات التي تواجه الرعاية الصحية في المملكة ويشاركنا فيها كثير من دول العالم العربي كثيرة يأتي على رأسها الزيادة المطردة في تكلفة الرعاية الصحية، والتغير المستمر في نمط الأمراض، وعدم وجود أهداف واضحة المعالم قابلة للقياس لمستقبل الرعاية الصحية، ومركزية القرار، وعدم مشاركة أفراد من المجتمع في تخطيط ومتابعة وتقديم الرعاية الصحية على المستوى المحلي، وتأهيل القوى البشرية، والخلل في التوازن بين ما يصر على الوقاية وما يصرف على العلاج . ولأن الموضوع متشعب سوف أكتفي في هذه الحلقة والحلقات التي تليها باستعراض ثلاثة تحديات أساسية سبق لي أن استعرضتها في كتابي «الرعاية الصحية .. نظرة مستقبلية» ، وألخصها هنا .. التحديات الثلاثة هي: حاجتنا إلى التخطيط الصحي المبني على الإحصاء الحيوي، والتخلص من المركزية، وتأهيل القوى البشرية الصحية. ولا أنسى قبل البدء بأن أشيد باهتمام ولاة الأمر والمسؤولين في بلادنا بالصحة وتطويرها، وما التحديات التي نواجهها إلا نتيجة لتراكمات عبر سنين طويلة وليست وليدة اليوم أو الأمس القريب. عندما من الله علي مع بداية الطفرة الاقتصادية في بلادنا في الثمانينات الميلادية بمبلغ من المال قررت أن أبني «فيلا» صغيرة على قدر فلوسي. نقلت فكرتي إلى المهندس المعماري «أريدها فيلا جميلة صغيرة مريحة تكفيني وأسرتي وفي حدود ميزانيتي» . قال لي المهندس .. هذا كلام عام .. تعال نتحدث بلغة الأرقام. ما مساحة الأرض؟ ما مساحة البناء؟ كم ارتفاع الفيلا ؟ ما طولها وما عرضها؟ كم عدد الغرف؟ كم مساحة كل غرفة؟ .. وابتدأ مشوار التخطيط للفيلا بحساب المتر والسنتيمتر. التخطيط الصحي لا يختلف من حيث المبدأ عن إنشاء عمارة أو بناء مصنع أو صنع سيارة . يجب أن يستند إلى الأرقام حتى يمكن تحويله من فكرة إلى حدث. من المؤسف أن الخطط الصحية في أغلب دول العالم العربي تندرج تحت باب: «منى إن تكن حقا تكن أحسن المنى ... وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا». كثيرا ما تجد في الخطط الصحية تعابير عامة مثل: «تهدف الخطة إلى إيصال الرعاية الصحية إلى جميع السكان»، أو «سوف نقضي على مرض الملاريا» ، أو «سوف نحقق مستوى مرتفعا من الرعاية الصحية» . أماني لا تخضع للقياس ولا يمكن محاسبة المسؤولين عنها فيما أنجزوه أو قصروا في أدائه. وقد تجد في الخطط الصحية أرقاما وإحصاءات لا تعبر عن أهداف بقدر ما تعبر عن وسائل. مثال لذلك : أن نهدف إلى مضاعفة عدد الأسرة، أو الارتفاع بمعدل الأطباء، أو إنشاء 200 مركز صحي. أقول .. هذه الأرقام تعبر عن الوسائل أكثر مما تعبر عن الأهداف.. التخطيط الصحي يجب أن تصاغ أهدافه بناء على الإحصاء الحيوي وبخاصة معدلات الأمراض والوفيات. أضرب مثلا لذلك : الانخفاض بمعدل وفيات الأطفال الرضع أو وفيات الأمهات الحوامل أو معدل الإصابة بأمراض مثل السل أو البلهارسيا أو السرطان أو السكري أو ضغط الدم أو حوادث الطرق.