مع أن للنظافة معاني كثيرة، فالمقصود هنا نظافة المدن والأحياء والشوارع ... فالنظافة حصيلة سلوك حضاري، وهي مؤشر لتطور مستوى الذوق والوعي وكذا الأخلاق الطيبة عند الناس. وهي أيضا المعبر عن شخصياتهم. فالشعب المتحضر يكون نظيفا لأن النظافة من الحضارة. والنظافة الراقية مقياس لتطور الشعب ورقيه، وهي عنوان للناس فيه. والدين الإسلامي يحثنا على النظافة: نظافة النفس والسلوك والمظهر. وقول «النظافة من الإيمان» معناه صحيح، وقد ورد القول هذا في حديث رواه الترمذي، لكنه، كما يؤكد أهل العلم، بسند ضعيف. والمؤكد هو أن «الأدلة الشرعية تثبت شرعية النظافة من الأوساخ» كما في كثير من الأحاديث التي تعلي شأن النظافة والطهارة وإماطة الأذى عن الطريق ... لذلك فالنظافة سلوك راق ويجب العمل لأجلها كهدف أساس، لأن النظافة تجلب السعادة بالنظر إليها إضافة إلى كونها تقضي على بعض الأمراض. فالبيئة النظيفة هي من نظافة إنسانها. فما أحلى أن ترى الحي والحدائق والمنتزهات والأسواق .. نظيفة. ونظافة البيت والمسجد تأتي في المقدمة. والإنسان هو المسؤول الأول في عملية النظافة. فلا بد أن يبدأ بنفسه، وأن يكون نظيفا قبل أن يعتمد على شركة النظافة أو البلدية. لوحظ مواطن سويسري يمشي مع كلبه بجانب بحيرة مدينة جنيف، وعندما فعل الكلب فعلته وضع السويسري يده داخل كيس بلاستك كان يحمله معه احتسابا فالتقط ما خلفه الكلب وقلب الكيس على ما فيه ليرمي به بعيدا وفي الموضع المحدد. هذا إنسان نظيف ويعمل على نظافة بلده ورقيه ولم يترك الأمر لشركة نظافة أو بلدية. النظافة لدينا في حالة مزرية إذ لا يخلو البر والبحر من النفايات والأوساخ. كم كبير من النفايات يشاهد في المدن والبر: ورق ومناديل نظافة وأكياس بلاستك وعلب وقوارير مياه وعصائر ومشروبات غازية تملأ الشوارع والحدائق والأحياء والمنتزهات، وكل يرمي كما يحلو له. والبعض إن استشعر، ولو قليلا، أهمية النظافة رمى بما لديه من مخلفات على الأرض بجانب الحاوية أو البرميل المخصص لذلك. تشكل تجمعات النفايات والأوساخ في المدن منظرا غير لائق، ومصدر تجمع الأمراض حيث يتوالد فيها الحشرات والقوارض الضارة وكذا البكتريا والجراثيم ما يجعلها أيضا جاذبة للحيوانات. هذا غير أن تنظيفها يصبح أكثر كلفة وأكبر استهلاكا للأموال. ونظافة المدن بلا شك تنعكس إيجابيا على سكانها والعكس صحيح. فشركات النظافة حسب الواقع هي بدون نظافة. عمالتها يفترض أن تقوم بأعمال التنظيف لكنها عندما تقوم بتفريغ براميل النفايات يسقط على الأرض الكثير من هذه النفايات. وترمي العمالة، بعد ذلك، بالبرميل حيث يسمع صوت الرمي من بعيد، وكثيرا ما تفرغ العمالة البرميل وسيارة النظافة في حالة السير البطيء وترميه بعيدا عن مكانه. وإن رمى أحد المواطنين كما كبيرا من الشجر في الشارع تمضي أيام قبل أن تتولاه شركة التنظيف، أي بعد أن يجف ورق الشجر ويتفتت ومن ثم ينتشر في الشوارع. فعمالة الشركات لدينا «تعبانة» وغير نظيفة وغير مدربة، ولذلك «فاقد الشيء لا يعطيه». مهم لذلك إملاء شروط على شركة النظافة منها أن تأتي بعمالة مدربة وذات خبرة ولو كلفت أكثر. في بعض الدول كاليابان عمالة النظافة على مستوى جيد من العلم والخبرة وتقوم بعملها على وجه أفضل، ولذلك مدنها نظيفة، ومثلها المدن الأوروبية وسنغافورة. في سنغافورة يعاقب من يرمي العلك (اللبان) في الشارع ويعاقب في دبي من يبصق في الأماكن العامة أو يبصق اللبان، ويعاقب الإنسان في الصين عن كل بصقة (6) دولارات مع إجبار الفاعل بتنظيف بصقته، وفي كوريا يعاقب من يبصق بغرامة مالية قد تصل إلى(40) دولارا أو تزيد، وفي الهند يدفع من يبصق (4) دولارات. ولدينا يوجد من يبصق في الشارع وفي الأماكن العامة الأخرى وقرب مداخل المساجد، وأصبح مألوفا عندما تضيء إشارة المرور باللون الأحمر ويتوقف سائقو السيارات، أن يرى من يفتح باب سيارته ويقذف ما في حنجرته على الأرض بلا ذوق ولا احترام ولا اكتراث لما يثيره فعله من اشمئزاز لدى المشاهدين. ومع أن البصق عادة سيئة وسلوك ومظهر غير حضاري، فهو ضار بالصحة العامة. ثابت أن البصق يتسبب في نقل الأمراض وسرعة انتشارها، مثل أمراض الجهاز التنفسي والدرن (السل) والالتهاب الرئوي والتهاب الحلق والالتهاب السحائي والكبد الوبائي والأمراض البكتيرية والفيروسية ونزلات البرد والنزلات البيئية والأنفلونزا والحمى الشوكية والسعال الوبائي والحصبة. وهنا تأتي أهمية التوعية بأهمية النظافة وأهمية محاربة البصق. يتطلب الأمر تكاتف جهود جميع فئات المجتمع ومؤسساته ومنها: الأسرة والمدرسة والإعلام وأمانات وبلديات القرى والمدن ... إلخ، والله أعلم.