لا يختلف اثنان على أن مملكتنا الحبيبة تعيش حالياً طفرة اقتصادية ثانية والتي انعكست بشكل ايجابي على تدشين مئات المشاريع التنموية في فترة زمنية قصيرة ، حيث يُقدر حجم الاعتمادات السنوية لهذه المشاريع التنموية حوالي 400 مليار ريال ناهيكم عن ذكر مشاريع القطاع الخاص والمشاريع الاستثمارية الكبرى، وتشمل مشاريع ضخمة جداً ، كمشاريع السكك الحديدية ، النقل العام والمدن الاقتصادية والمدن الجامعية التي تبنى في كل منطقة, والمطارات الدولية, ومشاريع وزارة الإسكان . وكرد فعل لتدشين هذه المشاريع ، اقدمت الجامعات على الاهتمام والتركيز على التخصصات الهندسية التي اصبحت متطلبا لسوق العمل ، كما أقدم العديد من الطلبة والطالبات على اختيار التخصصات الهندسية سواء في الجامعات المحلية أو الدولية ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود للابتعاث الخارجي. ولاشك أن جامعاتنا تقوم بتخريج آلاف الطلاب من المهندسين السعوديين الذين يجب أن يساهموا في دعم عجلة التنمية ، وذلك من خلال العمل في هذه المشاريع التنموية والتي تعد فرصة ذهبية للمتخرج حديثا ، فلا أبالغ إذا قلت أن جيل المهندسين والمهندسات الذين يعيشون هذه الطفرة محظوظون لأن مثل هذه المشاريع قد لا تتكرر في المستقبل القريب . أما الخريجون الجدد فقد أبدوا عزوفهم عن الالتحاق بالعمل الحكومي وذلك بسبب ضعف الحوافز المادية وعدم حصولهم على وظائف برواتب ترتقي لطموحاتهم ، حيث أن راتب المهندس السعودي حديث التخرج قد لا يتجاوز 7000 ريال مع غياب البدلات والتأمين الطبي ، لذلك فضل العديد منهم الالتحاق بالقطاع الخاص نظرا للفارق الكبير في الحوافز المادية إلى جانب المزايا الأخرى التي يوفرها القطاع الخاص كالتدريب والتطوير للعاملين به ، ومع وجود حوالي 5600 مهندس سعودي فقط يعملون في القطاع الحكومي مقابل حوالي 30000 مهندس سعودي يعملون في القطاع الخاص كان من الضروري البحث عن سبل تكفل حقوق المهندسين العاملين في القطاع الحكومي وتعمل على مساواتهم مع قرنائهم من القطاع الخاص . وهنا طالب العديد من المهندسين بتطبيق قرار الكادر الهندسي المتعلق بزيادة رواتب المهندسين السعوديين العاملين في القطاع الحكومي ، وهي فكرة نابعة من الهيئة السعودية للمهندسين وُشكلت لها لجنة رئيسة مكونة من عدة قطاعات حكومية ، وقد قام مجلس الخدمة المدنية برئاسة خادم الحرمين الشريفين بإقراره في رجب من عام 1432وبموافقة 8 وزراء من أعضاء المجلس ، إلا أن القرار لم يتم تنفيذه حتى الآن مما أدى إلى انسحاب العديد من الكفاءات الهندسية السعودية من القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص ، و في حال إقرار الكادر سيخلق بيئة جيدة للمهندس من خلالها يقوم بتطوير قدراته وخبراته مما ينعكس ايجابا على جودة المهندس ، وكل ذلك يصب في مصلحة التنمية فمتى ما كان هناك مهندس متمكن من أدواته ، أصبحت لدينا مشاريع ذات جودة عالية . وفي ظل هذا التأخير في تطبيق قرار الكادر الهندسي تتلاشى احلام المهندسين في غدا افضل يضمن تطوير وتأهيل أبناء الوطن من مهندسين ومهندسات لتكوين قطاع هندسي قوي تكون اليد الداعمة للاقتصاد الوطني. * نائب رئيس شعبة التراث العمراني