قال الباحث العراقي الدكتور عبدالله إبراهيم إن عددا من الآراء في الرواية العربية، ومنها القول بأنها نمط كتابي مستورد من الغرب ليس بالضرورة صحيحا كليا ولا يأخذ في الحسبان كل الظواهر التي شهدتها الثقافة العربية في القرن التاسع عشر. وأشار إلى أن أي بحث عليه ألا يهمل التركة السردية الثمينة التي تراكمت طوال أكثر من ألف عام ثم بدأت تتأزم في القرن التاسع عشر.. فالسردية العربية الحديثة ظاهرة مركبة تفاعلت أسباب كثيرة من أجل ظهورها. وكان الدكتور عبدالله إبراهيم يتحدث في كتابه الجديد السردية العربية الحديثة.. تفكيك الخطاب الاستعماري وإعادة تفسير النشأة الجزء الأول الصادر في شكل مجلد في 319 صفحة كبيرة القطع عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان. العناوين الرئيسية التي جاءت في خمسة فصول ومقدمة تختصر المحتويات وقد جاءت على الشكل التالي: الفصل الأول الموروث الثقافي الغربي وتفكيك الخطاب الاستعماري. الفصل الثاني تفكك الموروث السردي. الفصل الثالث التعريب ومحاكاة المرويات السردية. الفصل الرابع إعادة تركيب سياق الريادة الروائية. الفصل الخامس المدونة السردية في القرن التاسع عشر. واستهل الدكتور عبدالله إبراهيم كتابه بالقول «استدرجت قضية أصول الرواية ومصادرها ونشأتها وريادتها باعتبارها لب السردية العربية الحديثة آراء كثيرة منها ما ينكر على الموروث السردي القديم إمكانية أن يكون أصلا من أصولها وآخر يراه حضنا ترعرعت بذورها في أوساطه وغيره يؤكد أنه الأب الشرعي لها. وثمة آراء تراها مزيجا من مناهل عربية وغربية». وهناك أخيرا الرأي الشائع الذي يرى أن الرواية مستجلبة من الأدب الغربي وأنها دخيلة على الأدب العربي من ناحية الأصل والأسلوب والبناء والنوع وأن المعايير المشتقة من الرواية الغربية هي التي شاعت ووظفت فيها وعليه فهي بمفهومها النوعي مستمدة من بستان الغرب. وقد لاقت رواجا لأن الثقافة الغربية هيأت لها أرضية مناسبة في القرن التاسع عشر فيسرت ظهورها وقبولها. الرواية العربية طبقا لهذا الرأي - في أرقى نماذجها وأشكالها - إنما تنحو منحى غربيا في نوع من المحاكاة المكشوفة لما استحدث في الرواية الغربية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. وخلص إبراهيم من ذلك إلى موقف قال فيه «من الواضح أن هذه الآراء تتشابك وتتقاطع ثم تتعارض وتتناقض لأسباب منها أن كل أحكامها لا تستند إلى أرضية شاملة من التطورات التي تأخذ بالحسبان كل الظواهر الثقافية المعقدة التي شهدتها الثقافة العربية في القرن التاسع عشر». فتلك الآراء جردت النوع الروائي من أبعاده الشاملة وبالغت في تضييق خصائصه السردية وقصرته على بنية محددة لها صلة بالرواية الغربية. إلى ذلك، فكثير من الآراء أراد انتزاع الرواية العربية من سياقها الثقافي الذي غذاها بخصائصها العامة وحدد وظيفتها التمثيلية فاصطنعت تلك الآراء للرواية رصيدا مستعارا من سياق آخر. وانتقل إلى القول إنه ليس ثمة موضوع التبست حوله الآراء وتضاربت مثلما حصل لموضوع السردية العربية الحديثة وفي مقدمتها الرواية. ويعود ذلك إلى تغلب مرجعية مؤثرة على أخرى أو اختزال ظروف النشأة إلى سبب دون آخر فضلا عن الميل الواضح إلى اعتماد مبدأ المقايسة بينها وبين السرديات العربية الحديثة فلم يول اهتمام موضوعي للبحث في المهاد الثقافي الذي أدت تفاعلاته إلى مخاض صعب وطويل تبلورت ملامحه خلال عشرات السنين فأفضى إلى ظهور الشكل السردي الجديد الرواية العربية. وفي مجال آخر، قال: انبثقت السردية العربية الحديثة من خضم التفاعلات المحتدمة بين المرجعيات والنصوص والأنواع الأدبية فهي الثمرة التي انتهت إليها حركة التمازج التي قامت بين الرصيد السردي التقليدي ومؤثرات ثقافية جديدة.. والحراك الذي عصف بالأنواع الأدبية التقليدية وفي مقدمة ذلك ضعف الحدود الفاصلة بين الأجناس والأنواع وغياب الهويات النصية الثابتة وتفكك الأنظمة السردية التقليدية ثم انحسار القيم الثقافية الداعمة للأدب القديم. فضعف الحدود بين الأنواع القديمة وانحسار القيم التقليدية نزعا الشرعية عن السرد القديم وفتحا الأفق أمام السرد الحديث. تتفكك الأنواع الأدبية حينما تجرد من الدعم الثقافي والقيمي والوظيفي فتتوارى بالتدريج مخلفة مادة سردية بلا هوية. وخلص إلى أنه من أجل إعادة تفسير نشأة السردية العربية الحديثة لا يجوز تخطي الحراك الثقافي في القرن التاسع عشر ولا يجوز أن يهمل أمر المؤثر الغربي وفحصه بدقة للتحقق من مدى تأثيره في نشأتها بما في ذلك المؤثرات السردية العامة والخاصة وفي مقدمتها قضية التعريب التي عرفت نشاطا كبيرا في القرن التاسع عشر. وقال إنه لا ينبغي قبل كل ذلك التحرر من الفكرة الشائعة التي ثبتها الخطاب الاستعماري في الأدب والثقافة بشكل عام وهي أن كل الآداب الجديدة والأفكار الحديثة إنما هي غربية المنشأ والمرجع متنكرا لجهود الآخرين في هذا المجال.