أعرب صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز نائب وزير الخارجية، رئيس مجلس إدارة مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، رئيس مجلس أمناء جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة، عن أمله أن يكون نجاح الجائزة حافزا لوجود مشروع عربي متكامل للترجمة تحت مظلة جامعة الدول العربية تتضافر من خلاله جهود الأقطار العربية في ترجمة أفضل البحوث العلمية والدراسات الأكاديمية والأعمال الفكرية التي تدعم برامج التنمية والتطور في البلدان العربية، وتسهم في التعريف بالنتاج العلمي والفكري والإبداع العربي بين الناطقين باللغات الأخرى وفق رؤية واضحة للأولويات وخارطة دقيقة تحقق الاستمرارية في دعم حركة الترجمة من اللغة العربية وإليها، وأوضح سموه في حوار شامل ل «عكاظ» بمناسبة حفل تسليم الجائزة للفائزين بها في مدينة «ساو باولو» البرازيلية غدا، أن جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة تعد إحدى آليات مبادرة المليك للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، مؤكدا أن المجتمع الدولي كان في حاجة ماسة لمثل هذا المشروع الثقافي والعالمي من أجل مد جسور التواصل المعرفي والإنساني بين كافة الدول والشعوب، وأعرب عن سعادته بإقامة حفل تسليم الجائزة في دورتها السادسة في البرازيل لما يمثله ذلك من انفتاح الجائزة على ثقافات دول أمريكا اللاتينية، وتأكيدا لعالمية الجائزة، مثمنا لحكومة البرازيل ترحيبها باستضافة الحفل تعبيرا عن تقديرها لجهود خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله، ومبادراته لتحقيق التقارب والتعاون بين أعضاء الأسرة الإنسانية على أسس من احترام الخصائص الثقافية والفكرية للدول وإدراكا لحتمية التنوع والاختلاف، فإلى تفاصيل الحوار.. • بداية نود التعرف على رؤية سموكم لجائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة وهي تحتفل بتكريم الفائزين بجوائز دورتها السادسة؟ الحقائق تؤكد أن هذا المشروع الثقافي والعلمي الذي أهداه سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله، للعالم كأحد آليات مبادرته للحوار بين أتباع الأديان والثقافات استطاع في سنوات قليلة أن يصبح أشبه بملتقى عالمي للتواصل المعرفي والإنساني بين الناطقين باللغة العربية واللغات الأخرى من خلال هذا العدد الكبير من الأعمال التي يتم ترشيحها لنيل شرف التنافس للفوز بالجائزة كل عام حتى وصل عدد هذه الأعمال بنهاية الدورة السادسة إلى أكثر من 800 عمل مترجم في مجالات العلوم التطبيقية والإنسانية بأكثر من 30 لغة وهو ما يجعلنا نؤكد بكل ثقة واعتزاز أن جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة أصبحت تتبوأ بالفعل مكانة الصدارة في مجال الترجمة على الصعيد العربي و الإقليمي والدولي بدليل نجاحها الواضح والجلي في استقطاب كبريات المؤسسات العلمية والأكاديمية والتي تقدم أفضل أعمالها المترجمة سعيا للفوز بالجائزة، وكذلك خيرة المترجمين في العالم والذين حققت الجائزة حلما طالما راودهم لتكريم المتميزين منهم. ولا نبالغ عندما نقول إن الجائزة تجاوزت فكرة كونها مكافأة على إجادة الترجمة لتصبح جسرا للتواصل المعرفي والإنساني بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافات الأخرى ومررا متجددا يخترق حواجز اختلاف اللغة وما ينتج عن ذلك الاختلاف من ضعف في آليات التواصل والتعارف ومحدودية الاستفادة من النتاج العلمي والفكري الإنساني. تحفيز التلاقح الثقافي • بصراحتكم المعهودة ... هل كانت الأمة العربية هي الأكثر احتياجا للجائزة في هذا التوقيت بما يدعم جهود البلدان العربية على طريق التنمية والتطور؟ المتأمل في صفحات التاريخ يدرك وجود ارتباط وثيق بين نشاط حركة الترجمة في كافة الدول ونجاح برامج التنمية والتطور فيها؛ وذلك لأن الترجمة تفتح آفاقا واسعة للاستفادة مما لدى الآخرين من معارف وعلوم وإبداع كما توفر بيئة محفزة للتلاقح الثقافي وتبادل الخبرات في جميع المجالات. وقد كانت الترجمة أحد أهم أسباب ازدهار الحضارة العربية الإسلامية في كثير من العصور مثلما كانت أيضا وسيلة لاستفادة دول أوروبا والغرب عموما من الحضارة العربية الإسلامية من خلال ترجمة أعمال العلماء والفلاسفة العرب أمثال ابن الهيثم، وابن النفيس، والرازي، وجابر بن حيان، وابن رشد إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية وغيرها. ومن ثم فالقول بأن هناك أمة أو شعبا أكثر احتياجا من غيره للترجمة أمر غير دقيق وتختلف درجة صحة القول به من وقت لآخر لأن كل الدول والشعوب تظل بحاجة للتعرف على غيرها والتواصل المعرفي والإنساني معها وهو ما يمثل جوهر فلسفة الجائزة وهدفها الرئيس، لكن هذا لا يمنع أن الأمة العربية كانت في حاجة ماسة لمثل هذه الجائزة ليس فقط بما يدعم برامج وخطط التنمية في أقطارها لكن أيضا للتعريف بالنتاج الفكري و العلمي لأبنائها، وكذلك التعريف بالخصائص المميزة والثابتة للثقافة العربية والإسلامية وإسهامات الحضارة العربية الإنسانية مع مراعاة أن عدم معرفة الآخر بالثقافة العربية الإسلامية يغذي في كثير المزاعم و الصور المشوهة والمغلوطة عن العرب والمسلمين. جسور التواصل • وما تفسير سموكم لهذا النجاح الكبير الذي تحقق للجائزة رغم حداثتها مقارنة بغيرها من جوائز الترجمة وهل تمثل القيمة المالية أحد أهم مقومات النجاح؟ أشرنا سلفا إلى أن العالم المعاصر كان في حاجة ماسة لبناء جسور مغايرة للتواصل بين الدول والشعوب وأقصد بكلمة «مغايرة» ألا تقتصر هذه الجسور على وسائل التواصل الرسمية أو الحكومية أو عبر الوسائل الدبلوماسية، بل تواصل بين النخب العلمية والثقافية والمبدعين والمفكرين وحتى القارئ العادي وفي نظري أن نجاح الجائزة في تحقيق هذا الأمر أو تلبية ذلك الاحتياج يأتي في صدارة مقومات نجاحها لأن الإنسان في أي مكان يتفاعل ويقبل على ما يلبي احتياجاته وهذا ينطبق أيضا على الدول والمجتمعات، يأتي بعد ذلك تنوع مجالات الجائزة بين العلوم التجريبية والتطبيقية والعلوم الإنسانية وهو ما لا يتوفر في كثير من جوائز الترجمة الأخرى والتي قد تمنح فقط للترجمة في مجال الإبداع الأدبي أو في أحد المجالات العلمية دون غيرها، فهذا التنوع فرصة كبيرة للترجمة في مجال الإبداع أو الطب والفيزياء والكيمياء، وكذلك العلوم الإنسانية كالفلسفة وعلم الاجتماع. يضاف إلى ذلك القيمة المالية للجائزة والتي تمثل حافزا لا يمكن تجاهله خاصة وأن الترجمة عمل يستغرق أوقاتا طويلة وجهدا ضخما ومعرفة وافية باللغة التي يتم الترجمة إليها وبعض الأعمال تحتاج إلى سنوات لترجمتها فضلا عن أهمية فكرة التحفيز والتشجيع والمكافأة لشحذ الهمم، واستنفار الجهود، واتقان العمل في أي مجال . • تمثل الجائزة كما أشار سموكم إحدى آليات مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والتي أطلقها قبل عدة سنوات، وحظيت بتأييد المجتمع الدولي، فما هو موقع ذلك التأييد بين مقومات نجاح الجائزة ولماذا؟ لا شك أن ترحيب المجتمع الدولي بمبادرة سيدي خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات واحتفاء كل أعضاء الأسرة الدولية بها منح قوة كبيرة للجائزة لتحقيق أهدافها باعتبارها إحدى الوسائل أو الآليات لترجمة المبادرة عمليا إلى جانب آليات ووسائل أخرى الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وغيرها ملتقيات الحوار الخارجي التي تنظمها وزارة الخارجية أو الجامعات وغيرها من الجهود التي تحظى بدعم ورعاية خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ، وإن لاقتران الجائزة باسمه يحفظه الله أطيب الأثر في ترسيخ صفتها العالمية وتأكيد مصداقيتها ونبل أهدافها في فتح آفاق الحوار ليكون بديلا عن دعاوى الصراع والصدام الذي عانى منه العالم لفترات طويلة، حيث إن من أنجح الطرق للحوار الموضوعي الذي لا يقتصر على نخب أو فئات بعينها لأننا لا نستطيع أن نتحاور بموضوعية مع من لا نعرف لغته أو تقاليد مجتمعه وخصائصه الثقافية. جهود المؤسسات • هل يمكن أن يكون نجاح جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة منطلقا لتأسيس مشروع عربي متكامل ومستمر يعنى بالترجمة لدفع مسيرة التقدم العلمي في الدول العربية؟ وهل يمكن أن تتبنى المملكة الدعوة لذلك المشروع؟ المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله، تدعم كل جهد عربي أو دولي من أجل إرساء قيم العدل والسلام وسعادة الإنسان. ونتطلع مخلصين إلى أن يكون هذا النجاح الذي تحقق لجائزة خادم الحرمين الشريفين العلمية للترجمة حافزا للتفكير بجدية في تأسيس مشروع عربي متكامل للترجمة تتضافر من خلاله جهود كافة الدول العربية في دعم وتنشيط الترجمة من اللغة العربية وإليها وفق رؤية واضحة للأولويات وبما يثري المكتبة العربية بأعمال علمية تدعم برامج التنمية، وربما يكون من الأنسب أن يتم ذلك تحت مظلة جامعة الدول العربية، وعبر تعاون بين وزارات الثقافة والإعلام والبحث العلمي في البلدان العربية، ونحن على أتم الاستعداد لتسخير خبراتنا وإمكانياتنا لنجاح هذا المشروع والذي يتيح فرصة للاستفادة من قدرات المترجمين في جميع الدول العربية، بل ومستعدون أيضا لتقديم خبراتنا وتجربتنا في جائزة المليك العالمية للترجمة لدعم هذا المشروع. • تبقى جهود المؤسسات والعمل المؤسسي الأكثر تأثيرا مقارنة بجهود الأفراد ،فكيف ترون تفاعل المؤسسات والهيئات الدولية المعنية بالترجمة مع الجائزة؟ ربما يكفي للإجابة على هذا التساؤل أن تذكر أن هناك أكثر من 120 مؤسسة أكاديمية وهيئة علمية ومركزا بحثيا، رشحت أعمال صادرة عنها لنيل شرف الفوز بالجائزة طوال السنوات الست الماضية ساعد على ذلك تخصيص أحد فروع الجائزة لجهود المؤسسات في ميدان الترجمة، وبعض هذه الأعمال قام بترجمتها فرق من الأكاديميين والباحثين العاملين في هذه المؤسسات الأكاديمية والعلمية، ونحن سعداء بذلك لأن جهود المؤسسات في ميدان الترجمة تتركز في الجزء الأكبر منها على الأعمال الحديثة والموسوعية والأعمال الضخمة التي قد تعجز عنها جهود المترجمين الأفراد، كما أن جزءا كبيرا من هذه الأعمال يكون في مجالات علمية ذات علاقة بالجوانب التعليمية والبحثية المتخصصة. وهو ما يلبي احتياجات المكتبة العربية من المعارف والعلوم الحديثة والتي يحتاج إليها الطلاب والدارسون والباحثون فضلا عن أن العمل المؤسسي يمثل إطارا جامعا لاستيعاب جهود الأفراد من المترجمين ويختصر كثيرا من الوقت والجهد الذي قد تحتاج إليه ترجمة الأعمال الضخمة. مجال العلوم التطبيقية • تكرر حجب الجائزة في مجال ترجمة العلوم التطبيقية من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى أكثر من مرة، فبما تفسرون ذلك ؟ وهل يعني ضعف النتاج العربي في هذا المجال؟ لا شك أن النتاج العلمي العربي المنشور في مجالات العلوم التطبيقية الحديثة لا يرقى إلى مستوى الطموحات، بل لا يلبي احتياجات الطلاب والدارسين في بعض التخصصات العلمية مثل: الطب والرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها بدليل أن الجزء الأكبر من المراجع العلمية التي يعتمد عليها في دراسة هذه التخصصات في الجامعات العربية مترجمة من لغات أخرى وبعض المصطلحات يتم استخدامها وتداولها بين الدارسين والباحثين بلغتها الأصلية غير العربية. وهو ما يفسر ضعف حركة الترجمة في مجال العلوم التطبيقية من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، ومن ثم تكرار حجب الجائزة في هذا المجال فهناك ارتباط بين التأليف والترجمة ولكن من غير الطبيعي أن تزدهر ترجمة العلوم الطبيعية والتجريبية ونحن نعاني من محدودية أو ضعف بها، فكيف نترجم ما نعاني من ضعف فيه؟ ولعل حجب الجائزة في هذه المجالات يكون جرس إنذار من أجل توجيه مزيد من الاهتمام بالبحث والتأليف في مجال العلوم الطبيعية، لكن هذا لا يمنع من وجود أعمال عربية متميزة في مجالات العلوم الطبيعية لكنها لم تحظ بترجمات جيدة تؤهلها لنيل شرف الفوز بالجائزة وفق المعايير العلمية المعتمدة من قبل لجان التحكيم. • من المملكة انطلقت الجائزة للاحتفال بتكريم الفائزين بها في عدد من الدول مثل: المملكة المغربية، وفرنسا، والصين، وألمانيا الاتحادية، ثم البرازيل، فما هو الهدف من ذلك؟ وهل سيستمر هذا التوجه في السنوات المقبلة؟ ولدت فكرة إقامة حفل تسليم الجائزة كل عام في إحدى الدول تعبيرا عن عالمية هذا المشروع الفريد وترجمة عملية لتأييد المجتمع الدولي لمبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين الثقافات وبدأ تنفيذ ذلك منذ الدورة الثانية بموافقة راعي الجائزة يحفظه الله وترحيب جميع الدول والتي استضافت احتفالات تسليم الجائزة وقد أسهمت هذه الفكرة في التعريف بمجالات منح الجائزة وشروط الترشيح لها على نطاق واسع، كما أتاحت الفرصة للاحتفاء بالدول ذات الإسهامات المتميزة في ميدان الترجمة من وإلى اللغة العربية، وتأكيد انفتاح الجائزة على كافة الثقافات والمجتمعات وبمشيئة الله تعالى سوف يستمر ذلك التوجه خلال السنوات المقبلة مع الحرص على أن يشمل ذلك الدول الناطقة بكل اللغات، بالإضافة إلى استمرار تكريم أصحاب العطاء المتميز في مجال الترجمة من أبناء هذه الدول اعترافا وتقديرا لدورهم وجهودهم ونحن سعداء بإقامة حفل تسليم الجائزة في دورتها السادسة في البرازيل لما يمثله ذلك من انفتاح على ثقافة جديدة ولغة أخرى، وبما يدعم جهود التعريف بالجائزة في دول أمريكا اللاتينية والناطقين باللغة البرتغالية ونشكر لحكومة البرازيل ترحيبها باستضافة حفل تكريم الفائزين بالجائزة هذا العام تعبيرا عن تقديرها لمبادرات خادم الحرمين الشريفين وجهوده يحفظه الله ودعما لأهداف الجائزة في مد جسور التواصل المعرفي والإنساني. • الأعمال الفائزة بالجائزة هي الثمرة الحقيقية والزاد المعرفي الذي يستفاد منه، فهل ثمة آليات للاستفادة من هذه الأعمال؟ نجاح الجائزة في تشجيع ترجمة الأعمال المتميزة وتقديمها للقارئ وطلاب العلم والباحثين بلغاتهم هو الهدف الأسمى الذي تعمل مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، ومجلس أمناء الجائزة على تحقيقه بدءا من تطبيق أرقى معايير العلمية والفنية في اختيار الأعمال الفائزة، وكذلك العمل على طباعتها ونشرها بالتنسيق مع عدد من الهيئات الثقافية والعلمية في جميع دول العالم وتزويد المكتبات العربية والأجنبية منها مع الالتزام بكل حقوق الملكية الفكرية وفق ما تنص عليه شروط الجائزة.