لم تغب عن الأذهان تلك القصة التي بدأت فصولها بشكوى تقدم بها أب إلى جمعية حقوق الإنسان يشكو أبناءه ويتهمهم بالتقصير، قصة تشبه غيرها من حكايات العقوق التي يمارسها الأبناء تجاه آبائهم، بل قضايا تنظرها المحاكم عنوانها الأبرز «العقوق». في البداية أبدى الشاب عبدالرحمن سليمان استياءه ممن يستهينون بالبر بالوالدين حيث وصانا الله سبحانه وتعالى بالبر بهما وتلاه الرسل عليهم أفضل الصلاة والتسليم والسلف الصالح وعلماء الأمة وكما يعلم الجميع أن عقوق الوالدين عقوبته معجل بها في الدنيا. أضاف عبدالرحمن: نصيحتي لكل شاب أن يحرص على البر بوالديه حتى تقترب ويعطيك ربك فترضى وتنعم بمكان في الجنة، وتحظى بلقاء الله والنظر إليه عز وجل وتصبح من الوجوه الناضرة الناظرة إلى ربها مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. فيما شددت الشابة ريما أحمد على أنها لا تتصور وجود تلك القصص والروايات في المجتمعات الإسلامية نظرا لأن المسلمين خرجوا وأبصروا في الدنيا وهم يقرأون القرآن ويتحدثون بالأحاديث النبوية ويدركون حجم وقيمة البر بالوالدين لأن الجنة في طريق البر بهما ولكن تحدث حالات تصنف بالشاذة ولا يمكن تعميمها على المجتمع وأجد أحيانا العذر للبعض حيث الجهل يلعب دورا هاما بتركيبة ذلك الشاذ الذي سيطر عليه الشيطان وخسر دنياه مع آخرته، ونصيحة لكل شاب أو فتاة بالبر بالوالدين لأن ما تفعله مع والديك سواء سلبا أو إيجابا سينعكس عليك بالمستقبل. ويروي المربي إبراهيم العبود قصة لأحد طلابه قائلا: كان لدي طالب سيئ الأخلاق وكثير المشاكل وتحصيله العلمي ضعيف ويأتي بثياب ليست نظيفة حاول المعلمون تقويمه وتعديل مساره العلمي وبعد استقصاء المعلومات عنه وجدنا انه غير بار بوالديه وقمت ذات مرة باستدعائه وتساءلت عن صحة المعلومة وقد صعقت بتأكيده على عقوقه بهما. وأضاف «ذكر لي أنه عندما كان صغيرا كانت جدته لأبيه بالمنزل تعيش معهم وشاهد ذات مرة والده ووالدته يتصرفان معها أبشع التصرفات حتى قاما «بتطفيشها» وإجبارها على مغادرة المنزل رغم أن ليس لديها سوى والدي وخرجت من البيت وعشنا سنوات دون ان نعلم عنها شيئا ومن بعد هذه الحادثة أصبت بعقدة نفسية وكرهت أبي وأمي وأصبحت أحمل الكره للجميع». وتابع الشاب سرد قصته «تحولت لشخص عدواني لأن المجتمع الذي أعيشه لا توجد به رحمة.. توقف الطالب عند هذا الحد فقمت باستدعاء والده الذي أكد أن جدة الطالب توفيت وأنه ما ذكره عار من الصحة». ويضيف العبود: تأكدنا أن الجدة ما زالت على قيد الحياة وتسكن في بيت شعبي على نفقة المحسنين، وطلبت من الأب أن يكفر عن خطئه ويذهب إليها وفعلا ذهبت معهم وقد التقينا بوالدتهم المسنة وارتمى بين أحضانها وطلب السماح وفعلا سامحته على الفور وقام بتأجير مسكن بجوار بيته وجلب لها خادمة وسائقا خاصا وبات لا يفارقها أبدا، وقد رأيت بعد ذلك تغيرا -سبحان الله- بسلوكيات الطالب بشكل عجيب حتى انه بات من الأوائل بالمدرسة وأصبح احد الطلاب المثاليين وتذكرت أن صلاح الابن من صلاح الأب، وبعد مرور سنوات حضرت مناسبة للطالب ووالده وشاهدت السعادة لا تفارقهم وسألت احد الجيران عن جدة الطالب وأحوالها فأكد انها تعيش كملكة وتغير حال الاب وأصبح من خيرة أهل الحارة ولا يفارق المسجد هو وابنه ومتواصل مع الجميع وكل هذا بسبب بره بوالدته. وأوضح ل«عكاظ» مدير إدارة سجون محافظة الطائف اللواء أحمد الشهري أن أول ركيزة أنشئت من أجلها السجون في المملكة هي عملية الإصلاح فمن باب أولى أن تكون قضايا عقوق الوالدين من أولويات العمل على جمع وئام الأسرة، مضيفا ان هناك العديد من القضايا التي تتدخل فيها السجون، حيث بمجرد وصول السجين بالتحديد في قضية عقوق والدين، هناك فريق من الباحثين الاجتماعيين والأخصائيين النفسيين يستقبلون النزيل، ويتم البحث في قضيته وأسبابها ودوافع إقدامه عليها، وعلى ذلك يعد تقرير يناقش أسباب المشكلة، بالإضافة إلى التوصل إلى والديه أو أحدهما الذي وقع عليه العقوق، لتقريب وجهات النظر وإذابة الجليد الحاصل بين السجين وأسرته، لافتا إلى أنه قد تكون هناك مواقف حصلت ما بين الطرفين فيصبح كل متشدد في الرأي، وعلى ذلك تحاول إدارة السجون إذابة الخلافات الناشئة التي أدت إلى العقوق، أما في الحالات الجنائية كإدمان السجين على أنواع من المخدرات والمسكرات، فيتم إدخال الدور الصحي وإحالة النزيل إلى مستشفى الصحة النفسية للعلاج ومن ثم محاولة إعادته إلى أسرته كإنسان نافع لنفسه ومجتمعه. وأضاف اللواء الشهري أنه في عملية الصلح التي تكون بين العاق ووالديه في البداية يكون هناك نوع من التشنج والغضب ولكن بعد مضي الأيام ومعاودة الاتصال على الأسرة والتوضيح لهم أن الابن مهما كان يظل أحد أفراد الأسرة ويجب أن يعود، حيث يبدأ تقديم بعض التنازلات التي من خلالها تنطلق السجون لتقريب وجهات النظر، وإعادة الجو الأسري للعائلة، وتتم دعوة ولي الأمر سواء الوالد أو الوالدة أو كليهما لزيارة السجين وإفهام الأسرة بالخطأ المرتكب وتوضيح أثر الزيارة نفسيا على السجين، وأن ذلك لا يسدل عليه ستار النسيان وإنما ينبغي إعادته إلى جادة الصواب. وعن القصص التي عاصرتها السجون بين اللواء الشهري «كان هناك شاب يتعاطى المسكرات عاق بوالدته وقد تم إيداعه السجن في قضية عقوق، وكنا كلما اتجهنا مع الباحث الاجتماعي لمنزلها لتقريب وجهة النظر بينها وبين ابنها، تستقبلنا برمينا بالحجارة ظنا منها أن من أتى إليها من رفاق ابنها، إلا أن ذلك لم يثننا عن العمل ومعاودة الاتصال بها عدة مرات، وأخيرا رضيت عن ابنها، وخرج من السجن حيث كانت تلك القضية الأخيرة المسجلة على النزيل في سجون الطائف». وبدوره أوضح ل«عكاظ» رئيس لجنة الحماية الاجتماعية ومدير دار الملاحظة الاجتماعية بالطائف حسين العبادي ان العقوق لا يحكم عليه من جانب واحد، بل يحتاج إلى بحث الأسباب، ففي بعض الأحيان يكون العقوق جزءا من التنشئة الاجتماعية وذلك نادر، وقد يكون عدم اهتمام الأب والأم من الناحية العاطفية والقسوة على الأبناء، والبيئة الاجتماعية، ورفقاء السوء في الحي والمدرسة الذين يصادقهم الابن، فجميع ذلك يؤثر على الأبناء، بالإضافة إلى أن المجتمع أصبح قرية، وأصبح لتداخل الثقافات دور مؤثر، مضيفا ان المنهج في هذه البلاد إسلامي والشرع أقر وحدد كيفية التعامل الأسري لكن الدور التي تقوم به الثقافات واستقبال الأسرة لها ما تتماشى مع الطبيعة حيث تكون الحقوق فيها شبه إلزامية وقانونية. ولفت العبادي إلى أن التربية لها دور في تنشئة الطفل وبعد ذلك غرس الوازع الديني في الأبناء بحيث يتم تعليمه بحقوق الوالدين، مبينا انه في بعض القضايا يكون الأب عاقا قبل أن يعقه ولده. وأضاف العبادي: من خلال المنظور الاجتماعي هناك صعوبة في تحديد سبب واحد فقط لمشكلة العقوق، وعلى ذلك يتم بحث مواضع الخلل التي قد تختلف من أسرة إلى أخرى، والعمل على معالجتها باندماج الأسرة وإشراك الابن كعضو فاعل مع الأسرة عند بلوغه وإكسابه مزيدا من الاعتماد والثقة بالنفس، حيث لا بد أن يشعر الأب ابنه بالقدوة الصالحة، لتساهم في جعله لبنة في بناء المجتمع. وأشار العبادي إلى أنه في الحماية الاجتماعية في قضايا العقوق، جميع الحالات التي تكون فوق سن 17 عاما لا يتم التدخل فيها، حيث صدر بشأنها توجيه من وزارة الداخلية ويتم التحقيق فيها من قبل الشرطة والإحالة بعد ذلك الشرع للفصل فيها، مؤكدا أنه -ولله الحمد- قضايا العقوق قليلة وتتم معالجتها قبل أن تتطور. فيما تحدث الأخصائي النفسي نايف العلي بقوله: من نعم الله على الإنسان المسلم أن يكون رزق بوالدين على قيد الحياة حيث الأجر والخير يكون في طريقه، وصلاحه وصلاح أسرته يمر بواسطة هذين الوالدين اللذين قاما بتربيته أحسن تربية وسهروا الليالي وكابدوا حتى رأوا أبناءهم كبارا وأتى الدور على الأبناء ليبادلوا آباءهم ما زرعوه بالصغر ليحصدوه في الكبر ومن خلال دراسة حديثة بواسطة علماء النفس أكدت على ان من الأمور الفطرية انعكاس الحياة لدى الابن في صغره على حياته حيث لا يمكن للعقل البشري التفكير بطريقة سلبية تجاه الآخرين وبالذات الأقربين (الوالدين) إلا عندما تكون هناك ضغوطات خارجية شيطانية مترافقة مع غياب تام للوعي حيث لا يمكن بتاتا الإساءة لهما حيث تركيبة الإنسان المسلم تختلف عن تركيب الآخرين فديننا دين التسامح والمودة والمغفرة وفيه جوانب مضيئة للتعامل وتربية الأولاد، لذا فإن ما تزرعه الأسرة في سنوات الصغر ستجنيه في الكبر. وأوضح قاض بمحكمة بريدة أن العقوبات تختلف من قاض لآخر للعقوق أوجه عديدة كالاعتداء اللفظي أو الجسدي أو قطع صلة الرحم أو تناول المسكرات والمخدرات والممنوعات، وغيرها كما يتم النظر إلى سن العاق والتأكد من صحة العقوق وبحسب ما يراه القاضي يتم إصدار الحكم بالطريقة التي من الممكن أن تعيد العاق لصوابه وتصحح مساره، والمقصود بالعقوبات عادة إصلاح الإنسان. وعن طريقة الردع، أكد انها أيضا تختلف من شخص لآخر.. ويجب على الوالدين أن ينظرا لأصدقاء أبنائهما حيث نجد بالغالب أن الصاحب له تأثير على الابن أكثر من والديه وهذه مشكلة والابن لا يعرف والديه إلا بحالات طلب المال أما في حالة طلب الوالدين من الابن تأدية حاجة أو خلافها فإنه يجد صعوبة بإقناع أو إجبار الابن، لذا علينا أن نتابع أبناءنا جيدا ونشركهم بالقرارات ونشعرهم بأهميتهم دون إفراط أو إنقاص فالتوازن مطلوب للتعامل مع الأبناء. وبدوره علق الشيخ جاسر الجاسر (أمام جامع) بقوله إن مما ابتليت به الأمة الإسلامية مظاهر العقوق للوالدين التي على الرغم من ندرتها بالمجتمعات الإسلامية إلا أنها تعتبر مظهرا غير أخلاقي، والعاق موعود بالعقوبة في الدنيا، وهي من العقوبات العاجلة، وقد ورد العديد من الآيات والأحاديث النبوية في هذا السياق وكما يعرف أن دعوة الوالدين مستجابة كما ورد الحديث النبوي الشريف: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن؛ دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده). وقد تحدث المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم في تحذيره للأمة فيما يخص العقوق بالوالدين حيث اعتبره من اكبر الكبائر يقول صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين). وأضاف: عقوق الوالدين تعددت أشكاله وألوانه ويدل على انحراف خطير في المجتمعات عن شريعة الله تعالى التي جعلت رضى الله في رضى الوالدين وسخطه سبحانه في سخطهما كما أن العاق متوعد بعقوق أولاده له، فكل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه في الحياة قبل الممات. احد الآباء يقول: قمت بسجن ابني العاق لأنه لا يعيرني اهتماما اثناء تواجده في المنزل وولائه وحبه لوالدته التي تهبهم المال وحينما توجهت إلى قسم الشرطة كتبت في شكواي ان ابني عاق فقاموا بإحضاره على الفور وتوقيفه وبعد توسلات من والدته قمت بإخراجه ليعلم مكانة والده. بدورها، تقول الدكتورة سلوى الهوساوي استاذ مساعد الصحة النفسية بجامعة طيبة: فيما يتعلق بعقوق الوالدين من الناحية النفسية هناك جانبان للموضوع يمكن النظر له من خلالهما، جانب الآباء و جانب الأبناء، فعندما يتبع الآباء أسلوب التدليل في تربيتهم لأطفالهم فإنه غالباً ما يترتب على هذا الأسلوب عقوق الأبناء مستقبلا لأن هذا الأسلوب ببساطة يتسبب في إخراج إنسان أناني لا يهتم إلا لنفسه لأنه تربى على أسلوب الأخذ دون العطاء من صغره ومع مرور الوقت تصبح هذه العادة متأصلة به ويتعامل بها مع الجميع بمن في ذلك والديه. ومع أن الأنسان لا يعذر عند بلوغه سن الرشد عند عدم محاولة التعديل في نفسه وإصلاح عيوبه الشخصية إلا إنه يمكن القول أن سبب المشكلة الأساسي في هذه الحالة هو الوالدين من خلال الأسلوب الذي اتبعاه في تربية ابنهما، اما فيما يخص الابناء فإن ما يسبب عقوق الأبناء لإبائهم ابتداء (دون سبب مباشر من الآباء ) بحث الأبناء العاقون الدائم عن راحة نفوسهم فعلى سبيل المثال: نجد بعض هؤلاء الأبناء ينقطعون عن زيارة أباءهم فترات طويلة بسبب انشغالهم بمشاغل الحياة التي لا تنتهي ويقنعون أنفسهم أن هذه المشاغل مبرر قوي لعدم تواصلهم مع آبائهم على الوجه المطلوب . ويوضح استاذ كرسي الأمير نايف لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالجامعة الاسلامية الدكتور غازي المطيري عن دور الابوين في عقوق ابنائهم فقال: ليس من شك ان التربية في الاسلام ذات جوانب وشعب مرتبطة بعضها ببعض فهي ليست واجبات وحقوق تؤخذ أو تعطى بسهولة بقدر ماهي مسؤولية مشتركة وطويلة الامد يتحملها كل طرف بقدر مسؤوليته وعلى سبيل المثال : فإن بر الوالدين او عقوقهما لا يمكن تحميله ايجابا او سلبا على طرف دون طرف فلا بد أن يكون للوالدين دور في عقوق الابناء وهذا الجانب كثيرا ما يغفل الاباء والابناء فيطلبان بحقوقهما من جانب واحد فقط دون ان يستشعرا ان لهما دور مباشر في مساعدة ابنائهما لبرهما وان التقصير في ذلك ينقلب عقوق اذا ما اساء الوالدان وقصرا في تربية ابنائهما وعاملاهما بقسوة وظلم واجحاف فالإهمال والظلم وعدم المساواة بين الابناء واهمال الاب لإحدى زوجتيه وتفضيل احداهن على الاخر وكذلك تفضيل ابنائها على الاخرى او الاخريات فيتسبب ذلك بزراعة البغضاء في القلوب ويرسخ الكراهية في نفوس الابناء. وكذلك يقال للأم التي انجبت عددا من الاطفال من ازواج مختلفين فلابد لها ان تعاملهم جميعهم معاملة وحدة وان لا تفرق بينهم في المعاملة فالآباء والامهات الذين يتعاملون بالقسوة والغلظة والاهمال وتفضيل ابن عن الاخر كل هذه عناصر تضر بالبناء وتؤدي إلى العقوق فالبر واجب وعلى الاباء زراعته في نفوس ابنائهم ومراعاة تلك البذرة التي يتم غرسها بداخلهم بالتعامل الطيب والمساواة وتجنب القسوة والعنف على الابناء وهذا ليس تبريرا للعقوق انما توجيها وارشادا على كيفية تربية الابناء تجنبا لعقوقهم. قالت مصادر عدلية ان قضايا عقوق الوالدين والشكاوى الواردة منهم للمحاكم في تزايد وتراوحت نسبة الزيادة من 20-25 % عما كانت عليه في السنوات السابقة، وقالت المصادر أن ما يصل المحاكم وهيئة التحقيق والادعاء العام هي حالات لا تعكس حقيقة الواقع، حيث ان كثيرا من حالات العقوق لا تصل للجهات المختصة خشية الفضائح ودرءا لتفاقم الامور اضافة إلى عدم قدرة امهات طاعنات من التواصل مع الجهات المختصة لتبقى بعض الامهات على امل «ان ينصلح الحال». وقال قانونيون وحقوقيون انه رغم صدور احكام تعزيرية بالسجن والجلد في قضايا عقوق والدين الا أن كثيرا من الامهات تتراجع وتصفح عن ابنها العاق حيث ان اكثر من 95 % من الامهات المدعيات يتنازلن عن حقهن في الدعوى بمجرد الحكم بسجن ابنها وتطلب من القاضي عدم حبسه وتتحول الى ان تستجدي القاضي للصفح عن ابنها العاق وشهدت «عكاظ» نماذج امام قضاة في المحكمة تؤكد ذلك. واصدرت محكمة جدة بمفردها في العام المنصرم نحو 350 حكما في قضايا إيذاء أو عقوق أحد الوالدين، فيما يتوقع صدور نحو 30 حكما جديدا خلال اسابيع للبت في دعاوى عقوق. وتسلمت محكمة جدة الجزئية قضية قدمتها أم تطلب معاقبة ابنها بتهمة عقوقها والتلفظ عليها بألفاظ غير لائقة ورفع الصوت عليها وقالت الأم المدعية في لائحة الدعوى حصلت «عكاظ» على نسخة منها انها وصلت إلى طريق مسدود مع ابنها العاق 33 عاما وقد وجه القاضي بايقاف الشاب لحين اصدار حكما، تقدمت مواطنة ستينية إلى المحكمة تشكو عقوق ابنها والتهجم عليها ومحاولة ضربها فأمر القاضي على الفور بايقافه، وعل الفور بكت الام وتنازلت عن حقها تجاه ابنها الذي أدين، وقالت الام لناظر القضية وهي تبكي «سامحته ياشيخ». وعاقبت المحكمة الجزائية ثلاثة أخوة بالسجن عاما مناصفة في الحق العام والحق الخاص وجلدهم 140 سوطا لكل واحد عقب إدانتهم بعقوق والدتهم وحبسها في غرفة وإرهابها وتخويفها بوضع كلب حراسة على جناحها الخاص لمنعها من الخروج من الفيلا بسبب خلافات في تقسيم ارث قدر بأكثر من 300 مليون ريال ونشرت «عكاظ» التفاصيل في حينه. وقدر عدد حالات عقوق الوالدين التي حققت فيها هيئة التحقيق والأداء العام بأكثر من ألف وخمسمائة قضية خلال العام الماضي وبلغ عدد قضايا عقوق الوالدين المسجلة خلال العام 1433ه في محاكم السعودية بنحو 1100 قضية، وكشفت الإحصاءات أن نسبة قضايا عقوق الوالدين الواردة إلى المحاكم حيث كانت النسبة الأعلى لمحافظة جدة بعدد 280 قضية، تليها الرياض 233 قضية ومكةالمكرمة 117 قضية وتبوك 66 قضية، فيما بلغت قضايا عقوق الوالدين في المدينةالمنورة 60 قضية والطائف 49 قضية و42 قضية في سكاكا و39 قضية في الدمام و36 قضية في حائل و27 قضية في خميس مشيط و18 قضية في أبها و15 قضية لكل من الأحساء والخبر و14 قضية عقوق في نجران و12 قضية في الخرج و11 قضية في عرعر. وسجلت محاكم بريدة وجازان سبع قضايا لكل منهما وست في محافظة ينبع بينما سجلت محاكم الدرعية وعنيزة وصبيا أربع قضايا لكل محكمة منهم، وثلاث قضايا في محكمة أبوعريش، فيما تساوت محاكم الرس والقطيف والخفجي وضمد بواقع قضيتين في كل محكمة، وكانت الجبيل وبقيق الأقل نسبة في قضايا عقوق الوالدين خلال العام الماضي بواقع قضية لكل منهما. وأبلغت «عكاظ» مصادر أن جدة سجلت العام الحالي زيادة ملحوظة في قضايا العقوق تصل 20 25 % عن النسبة المتداولة أمام هيئة التحقيق والادعاء العام وأمام المحاكم. تصدرت المدن الكبرى في المملكة، أثناء تسجيل حالات عقوق الأبناء لآبائهم، في العام الهجري الماضي، في حين شهد عديد من المحافظات الصغيرة انعدام حالات العقوق، بينما تشهد المحافظات التي بدأت في الانفتاح والتطور في الآونة الأخيرة تسجيل مراتب متقدمة في تسجل قضايا عقوق الوالدين. واحتلت محافظة جدة المرتبة الأولى في تسجيل حالات عقوق الوالدين في المحاكم العامة والجزئية وذلك بعدد قضايا تجاوز 270 قضية خلال عام واحد، وتأتي الرياض في المرتبة الثانية في تصنيف وزارة العدل لمثل هذه القضايا الاجتماعية تليها محافظة مكةالمكرمة في المرتبة الثالثة. فيما سجلت محافظة بقيق أقل عدد لقضايا العقوق، وتشهد محافظة الطائف في السنوات الأخيرة تقدما في وقوع قضايا العقوق ما دفعها إلى تسجيل مراتب متقدمة من بين 29 محافظة في المملكة.