مخاوف مزدوجة خلفها تفجيرا بوسطن على المبتعثين السعوديين، بالإضافة إلى ذات المخاوف التي عاشها الأمريكيون، أضيفت مخاوف الشكوك والتحقيقات إلى السعوديين في الولاياتالمتحدة وخصوصا في بوسطن. ولكل سعودي حكاية بعد هذين التفجيرين، وتختلف من مبتعث لآخر، فهناك من واجه تحقيقات بشكل مباشر من الشرطة أو من FBI أو من الإعلام الأمريكي، وهناك من واجهه صعوبات في المطارات ومحطات القطارات من تفتيش للحقائب والأغراض الشخصية، إلا أن الجميع اتفقوا على أن هذه التجربة كانت كفيلة بجعلهم يتعرفون على مدى ثقتهم في أنفسهم وكيفية التعامل مع مثل هذه المواقف بالإضافة إلى الوقفة الجادة مع المبتعثين من قبل سفارة المملكة والملحقية الثقافية. ولم يخف عدد من المبتعثين الذين وضعتهم الظروف في مواجهة هذه المواقف، حالة الذعر التي انتابتهم وحجم الضغوطات الأمنية والإعلامية التي كانت أكبر من طاقتهم. بدورها «عكاظ»، تابعت حال السعوديين بعد تفجيري بوسطن، لتكشف ما جرى ويجري حتى الآن مع المبتعث السعودي في حال وقوع أي تفجير، وكيف تم التعامل مع هذه المحنة، التي كان فيها المبتعث السعودي في عين العاصفة، وتحديدا أصدقاء المصاب عبدالرحمن الحربي الذين تعرضوا لضغوطات نفسية لمدة خمسة أيام قبل الوصول للجناة. الصحافيون يستهدفونا والتقت «عكاظ» المبتعث علي الأسمري، أحد الطلاب الذين تعرضوا لمضايقات من قبل الإعلام الأمريكي، هو وزملاؤه يزيد الشهري ومحمد داود، نظرا لأنهم أصدقاء المصاب عبدالرحمن الحربي حيث كانوا يسكنون سويا في شقة 510 في الطابق الخامس بأحد المباني السكنية في بوسطن. وقال الأسمري ل«عكاظ»: كنت في رحلة برفقة صديقي يزيد الشهري إلى نيويورك لمراجعة القنصلية السعودية للحصول على وكالة لوالدي، وعند عودتنا إلى شقتنا في بوسطن قرابة الساعة 12 ليلا تفاجأنا بتواجد أمني وإعلامي كثيف أمام المبنى الذي نسكن فيه، حاولنا الدخول إلا أنه تم منعنا في البداية وعندما أخبرناهم بأننا نسكن في نفس المبنى وفي شقة 510 تحديدا تم إدخالنا من قبل الFBI، حيث رافقونا إلى الطابق الخامس الذي نسكن فيه وتم فصلنا عن بعض والتحقيق معنا كلا على حده. وأشار الأسمري، إلى أن التحقيق كان بشكل مخيف وسبب لهم حالة من الذعر حتى أن طريقة تفتيش الشقة والأغراض الشخصية كانت بشكل غريب حيث تم كسر باب الشقة والتحفظ على جميع أغراضنا الشخصية من أجهزة الحاسب الآلي والشواحن الخاصة بها، وأضاف: في البداية لم نكن نعرف ماذا حدث؟ ولماذا هذا التفتيش والتحقيق معنا؟ نظرا لأننا كنا خارج بوسطن ولم نعلم بما حدث إلا أننا بعد أن سألنا المحققين أجابونا بالانفجار الذي حدث وبأن عبدالرحمن مصاب في المستشفى ورفضوا أن يخبرونا عن إصابته ولماذا نحن تحت هذه التحقيقات؟. وبين الأسمري أنه بعد أن انتهى التحقيق معنا والتحفظ على أجهزة الحاسب الآلي الخاصة بنا، دخلنا في دوامة مواجهة الإعلام الأمريكي الذي كان ينتظرنا خارج المبنى بالعشرات، وكيفية التخلص منهم على الرغم من أننا حاولنا إخبارهم بأننا لا نجيد التحدث بالإنجليزية وطلبنا من الشرطة أن تبعدهم عنا، إلا أنهم لم يفعلوا لهم أي شيء، ولم تتوقف مضايقات الإعلام الأمريكي من صحافة وتلفزيون عند هذا الحد بل إنهم استمروا في محاولة دخول شقتنا لما يقارب من خمس ساعات متواصلة حتى ساعات الفجر الأولى من خلال طرق الباب بشكل مستمر حتى أن أحدهم ولكي نفتح له الباب انتحل شخصية شرطي وعندما فتحنا وجدناه حاملا الكاميرا أغلقنا الباب فورا. واستغرب الأسمري أنه رغم أنهم لم يصرحوا بكلمة واحدة لأي صحفي أمريكي أو غيره، إلا أن الصحافة والتلفزيونات في أمريكا نقلت عنهم أكاذيب من خلال تصريحات لم يقولوها أبدا. وعن انتهاء حالة الرعب بعد أن ظهر الجناة والقبض على أحدهما وقتل الآخر، قال الأسمري: لقد أسعدنا ذلك لكن ما زلنا في حالة ذعر مستمرة نظرا لأن أجهزة الحاسب الآلي التي أخذها الFBI منا لم تتم إعادتها لنا حتى اليوم ولا نعلم مصيرها، وهذا يسبب لنا حالة من القلق بأن يتم استجوابنا مرة أخرى أو شيء من هذا القبيل. فيما تقدم الأسمري بالشكر الجزيل لسفارة المملكة في أمريكا وقنصلية نيويورك والملحقية الثقافية لوقوفهم بجانبهم في هذا الظرف الطارئ، حيث تكفلت الملحقية بدفع مبلغ كسر العقد مع الشقة التي كانوا يسكنون بها بالإضافة إلى مساعدتهم بمبلغ مالي وتخصيص سكن آخر لهم لإبعادهم عن الضغوطات الإعلامية. تأليف القصص من جانبه، أوضح المبتعث يزيد الشهري، الذي تعرض هو الآخر للتحقيق لأكثر من أربع ساعات متواصلة برفقة صديقه علي الأسمري من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالية «FBI» بعد أن ذهبا لشقتهما التي كانا يقيمان بها مع صديقهم المصاب في الانفجار عبدالرحمن الحربي، حيث كان الشهري يقيم معهم بشكل مؤقت لقرب الشقة من الجامعة، وقال الشهري إنه تعرض لطريقة تحقيق كانت غريبة جدا بالنسبة له حيث كان المحققان يحاولان اصطياد أي كلمة فيها نوع من التناقض لما سبق أن قاله في بداية التحقيق. وأشار الشهري إلى أن الوضع لم يتوقف عند هذا الحد بل واجهوا مضايقات لا تعد ولا تحصى من الإعلام الأمريكي الذي تفنن في تأليف القصص والروايات على ألسنتهم ولم يتفوهوا بها في الأصل منها بكلمة، حتى أنه تم التقاط صور لهم في بداية دخولهم إلى المبنى، حيث كانوا وقتها لا يعلمون ماذا يحدث أصلا ولم يصلهم بعد خبر الانفجار، وفي إحدى الصور كنت مبتسما فقاموا بتفسيرها بشكل مختلف عما كان وضعنا عليه حينها من حالة الاستغراب لهذا التواجد الأمني والإعلامي المهيب المخلوط بالخوف والقلق مما يدور حولنا. وأضاف الشهري: لقد تم خداعنا من قبل المحققين في البداية بطريقة التحقيق حيث أبلغونا أنه مجرد استجواب عادي وأسئلة روتينية ولن تأخذ منهم وقتا، إلا أن الاستجواب تحول إلى تحقيق بشكل انفرادي حيث كان شخص يطرح الأسئلة ويحاول البحث عن أي أخطاء أو تناقضات وشخص آخر يراقب ويحلل تعابير الوجه وطريقة الكلام، لكن ثقتنا في أنفسنا جعلتنا وبفضل من الله نواصل معهم التحقيق حتى الساعة الرابعة فجرا، وعلى الرغم من أننا أبلغناهم قبل التحقيق بأننا قدمنا من نيويورك ومن مسافة بعيدة وأننا لم نتذوق طعم النوم منذ يومين إلا أنهم لم يهتموا بذلك بل رفضوا أن يعطونا أي شيء يثبت أننا كنا في تحقيق حتى وقت متأخر من أجل أن نقدمه للجامعة التي لن نستطيع الحضور لها. الأمن يكسر باب الشقة واعتبر المبتعث محمد داود أحد أصدقاء المصاب الحربي أن ما تعرض له درس لن ينساه طيلة حياته، وقال: إنه حضر للشقة التي يسكن بها مع أصدقائه بشكل طبيعي بعد أن انتهى من محاضراته، وحينها لم يكن بعد سمع بتعرض عبدالرحمن للإصابة إثر الانفجار وبعد أن وصل للدور الخامس الذي به الشقة تفاجأ بتواجد عدد كبير من أفراد الشرطة وقد اقتحموا الشقة وكسروا الباب وقاموا بتفتيش كل ما بها، ولم أستوعب حينها ما يحدث بل إنهم فتشوني تفتيشا دقيقا وأخذوا حقيبة الظهر التي كانت معي وفتشوها بشكل حذر، ولم أعلم حينها لماذا كل هذا؟ إلا أني لم أستطع ممانعتهم في كل ما يقومون به، وبعد ذلك أخذوني للتحقيق لمدة خمس ساعات ما بين إحدى الغرف في الشقة وبهو المبنى، وقد تعرضت لضغط نفسي رهيب من الطريقة المخيفة التي تعاملوا معي بها، وعند الانتهاء من التحقيق طلبوا مني مغادرة المبنى بالكامل وعدم البقاء في الشقة حتى أني لم أستطع أن آخذ نقودي من داخل الشقة. وأشار داود إلى أنه عقب ذلك غادر المبنى ليجد الحشود الإعلامية في انتظاره في الخارج، وتمت محاصرته من قبل الصحافة والقنوات الإخبارية الأمريكية، وبين أنه وضع في موقف لا يحسد عليه من طريقة الأسئلة الصحفية التي تم توجيهها إليه وتتضمن في باطنها خبثا وبحثا عن أكاذيب، وقال: الجميع ربما شاهدني من خلال المقطع الذي انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة في وضع لا أحسد عليه وأنا محاصر من قبل إعلاميين متمرسين طرحوا علي كل ما يتخيله بشر من الأسئلة وكأنه يتم التحقيق معي على الهواء مباشرة في شيء لا أعلم عنه. لا نصرح للإعلام وفي إطار الحرص على عدم استغلال المبتعث السعودي إعلاميا، قال رئيس النادي الطلابي في جامعة تافتس، الدكتور محمد بن ناصر الأصقه أنه قام من خلال النادي الطلابي بتوجيه نصائح لجميع الطلاب المبتعثين في جامعته بعدم التصريح أو الإدلاء بأي أحاديث لأية وسيلة إعلامية أمريكية وتجنب الانسياق في مناقشات أو حضور قد يؤدي إلى مضايقات وذلك نظرا لحالة الذعر التي صاحبت بعض المبتعثين عقب الانفجار. مشيرا إلى أنه كان متواجدا في موقع الانفجار هو وعدد من زملائه الأطباء، فيما قال المبتعث شالح القحطاني المشرف على حساب سعوديين في بوسطن في تويتر إنه بعد حادثة انفجار بوسطن لزم جميع المبتعثين في المدينة منازلهم وذلك نتيجة الخوف والذعر الذي حدث مما سمعناه من الإعلام الأمريكي خلال الأيام الأولى للانفجار وتوجيه أصابع الاتهام لشاب سعودي، مشيرا إلى أنهم واجهوا خمسة أيام عصيبة كمبتعثين يترتب عليهم الذهاب بشكل يومي إلى جامعاتهم إلا أن هذا الذعر بدأ يختفي بعد أن أعلن القبض على المنفذ للانفجار وقتل الآخر. القحطاني بين أن المبتعثين السعوديين للأسف لم يسلموا من نظرة بعض الأشخاص الحادة لهم بعد أن تناقلت الإشاعات في أيام الحدث الأولى.