ربما تكون مشاهد الناس مختلفة في الردحة إلا أن القاسم المشترك بينهم هو الحاجة، فعلى أبواب الحي التابع لمحافظة المخواة يجلس عشريني يستقبل المارة وعابري الطريق بابتسامة ويودعهم بمثلها ويتمتم بعبارات لا تفهم. في البداية فاجأنا بالسؤال «وش تبغى هنا ؟» ثم حين عرف طالب بوظيفة وعندما سألناه عن سبب جلسته على قارعة الطريق أجاب «أتسلى .. طفشان» ثم غادرناه إلى داخل الحي نفتش في أسرار خلف الجدران. في زاوية أخرى من الحي، استوقفنا طفل وطفلة صغيرين في السن يدفعان عربة بها طفلة أصغر منهما وسألناهما عن الوجهة فأجابا أنهما ذاهبان بشقيقتهما إلى المستشفى ، مضيفا «أختي ما تقدر تمشي .. أختي معاقة». وفي جانب آخر من الحي لا يجد الأطفال مكانا يلهون فيه ويمارسون حقهم الطبيعي في اللعب سوى وسط شارع تعبره السيارات، فشوارع الحي الجانبية ترابية والمنازل شعبية ومعظمها متهالك جدا فيما يكتظ الحي بالعمالة الوافدة. وقرب أحد الشوارع الترابية وبين البيوت المبنية من الحجر وبعضها مسقوفة بالصفيح التقينا العم محنوس سعيد ، الذي يسكن منزلا متهالكا تشاركه فيه زوجه وثمانية أطفال. يقول محنوس بأسى أبلغ من العمر 53 عاما ولا أعمل وليس لدي أي دخل، كنت أحتطب وأبيع فمنعوني، ثم عملت في جمع السكراب والخردة فمنعوني، وزاد حتى الضمان الاجتماعي منحته لفترة ثم قطعوه عني، لأنهم طالبوني بتقارير طبية لم يمنحنها المستشفى لأني والحمد لله لست مريضا. غادرنا منزل محنوس لنجد ما ذكره حول سيطرة العمالة الوافدة حقيقة لا يواريها شك، حيث بدت لنا سيارة متهالكة يستقلها أثنين من العمالة الوافدة بداخلها عدد من الدشوش والأطباق الفضائية. روائح كريهة رؤيتي للأطباق قادتني إلى حوش مجاور دلفت مع بوابته فوجدت في ناحية منه قدورا كبيرة وبعض الأجهزة والخردوات التي تأتي خلف منزل شعبي سطحه من الصفيح، حيث تقطن عمالة وافدة في تلك المنطقة وتنتشر القمامة على طول الطريق، فيما تنتشر الأغنام في أرجاء الحي لتشارك سكان الحي رحلة الحياة، حيث لا تخطئ العين الشبوك التي أعدها السكان مأوى لأغناهم. في جانب آخر من المكان التقينا رجلا مسنا خط الشيب مفرقه وعلت خدوده التجاعيد، تفاصيل وجهه تحكي معاناة السنين في نظراته الكثير من المعاني التي لا تخطئها العين يتوكأ عصاه يسير على رصيف الحياة بخطى متثاقلة، منحني الظهر، في البداية كان ممتنعا رافضا للتصوير، لكنه بعد أن تجاذبنا طرف الحديث تحدث أحمد إبراهيم قائلا: رغم أن المخواة كلها تعتبر محاصرة بأدوية سيول جارفة تنهمر من الجبال المحيطة بها ومع ذلك فإن الأحياء بها تختلف نسبيا من حيث درجة خطورة تعرض أهلها للغرق لا سمح الله، وأضاف ويعتبر حي الردحة في ظني أخطر حي معرض للسيول الجارفة بالمخواة وقد يحدث ذلك عاجلا أم آجلا ما لم يتم تدراك الوضع. وطالب بلدية المخواة بالالتفات للحي حيث إن السيل عندما يأتي يلتف على الحي التفاف السوار على المعصم فيصبح الحي بكامله محاطا بالسيل من جميع الجهات على حد وصفه. وعن حالته يقول أنا رجال مديون أرهقتني الديون بسبب أراض زراعية ورثتها عن آبائي وأجدادي وخسرت كل أموالي فيها دون أن أجني مردودا ماديا بسبب انصراف الناس عن الزراعة حيث تركت ذلك مجبرا ولم أعد أستطيع العمل كفلاح بسبب السن والعمالة الوافدة تحتاج راتب والزراعة لا تغطي تكاليف الحرث والزراعة والعمال. وأضاف عملت في التجارة ولم أوفق فيها رغم أني من أقدم الناس حيث جلبت الخبز للمخواة من جدة قبل الأفران وجلبت الفواكه من السراة على الجمال وبعت في سوق المخواة الفاكهة، وذهب كل ماحصلت عليه في تسوية ((مزارع الآباء والأجداد)). من جهته قال سالم علي إن إنشاء عبارتين بين حي الردحة والزربة والآخرى بين الردحة والحواجز بمحافظة المخواة خدمة لحياة مواطنيه من أضرار السيول التي تفصل حي الردحة عن بقية الاحياء عندما تحوله إلى جزيرة محاطة بالسيول من جميع الجهات فتنقطع عن العالم الذي حولنا ونصبح في كف القدر من قبل وبعد. وأضاف نستطيع نقل مريضنا ولا نخرج من دارنا وتصبح اعين الأقارب في الضفتين الجنوبية والشمالية ترقب ما يؤول إليه مصيرنا. وأردف قائلا في الوقت الذي تم الانتهاء من هاتين العبارتين أخذت السعادة تعلو محيا كل ساكن بحي الردحة وسرعان ما خطفت تلك الابتسامة من على الوجوه البريئة حيث أغلقت العبارتين من قبل الدفاع المدني بالمحافظة وعند السؤال أفاد بأن خط التيار الكهربائي بأعمدته الملاصقة للعبارتين تشكل خطرا على حياة المواطن، ومن حرص هذا الجهاز أمر بإغلاق هاتين العبارتين حتى تتحرك شركة الكهرباء بالمخواة، لإبعاد هذه الأعمدة الخطرة، ولكن يبدو أن الشركة ما زالت تغض الطرف عن هذا الحال، ولا يوقظها منه، لا آلام المواطن، من جراء إغلاق العبارتين، ولا المعاناة التي يتكبدها المواطن من جراء الانقطاع للتيار الكهربائي على مدار فصول السنة. وطالب مواطنون يسكنون الردحة بحلِ أزمتهم بعد أن تعثر مشروع سفلتة طريق قريتهم والمعتمد منذ العام 1420ه مؤكدين أنهم عاشوا حياة الملل والكآبة خاصة وأن الردحة تفتقر لكثير من الخدمات الضرورية للحياة البشرية. كالخدمات الصحية وشبكة المياه وشبكة الهاتف والمدارس الثانوية للبنات والأولاد. وأشار محمد الحدري إلى أن بعض أولياء الأمور قنعوا بحصول أبنائهم على شهادة الكفاءة المتوسطة، ليمكثوا في بيوتهم أو يلتحقوا بالمعاهد المهنية، لعدم القدرة على دفع أجور وسائل النقل الخاصة بشكل شهري لتنقلهم من منازلهم إلى مدارس المرحلة الثانوية التي تبعد أكثر من 50 كيلومترا في ظل غياب وسائل النقل المدرسي الحكومي في القرية. وأضاف لا يوجد مركز للرعاية الصحية بالردحة، وأقرب مراكز صحية لهم في الدرب وبيش، أو عليهم قطع الطرق الترابية الوعرة وسط الأودية للوصول للمركز الصحي بمنشبة.