تناولت، الأسبوع الماضي، مسألة تمديد فترة انتظار الزوجة زوجها المفقود؛ تعقيبا على مقال للدكتورة عزيزة المانع بعنوان «لا جديد» ناقشت فيه قرار المجمع الفقهي الإسلامي في دورته ال(21) التي عقدت في مكةالمكرمة خلال شهر المحرم من هذا العام. جاء في محتوى القرار أنه تبين لمجلس المجمع أن مدة الانتظار هذه يترك تحديدها للقاضي.. بحيث لا تقل عن سنة، ولا تزيد على 4 سنوات... إلخ القرار. وفي هذا الأسبوع، أجدني مشاركا بالإدلاء بوجهة نظري المتواضعة في ما يخص مدة انتظار الزوجة زوجها المفقود، قبل أن يحكم القاضي بتفريقها عن زوجها.. مع إيراد الشروط الشرعية للتفريق، والتي لم ترد في قرار المجمع، وهذه الشروط هي كما وردت في كتاب «فقه السنة» كما يلي: الشرط الأول: أن يكون غياب الزوج عن زوجته لغير عذر مقبول، فإن كان غيابه عن زوجته بعذر مقبول، لغيابه لطلب العلم، أو ممارسة التجارة، أو لكونه موظفا خارج البلد، أو مجندا في مكان ناءٍ، فإن ذلك لا يجيز طلب التفريق، وكذلك إذا كانت الغيبة في البلد الذي تقيم فيه. الشرط الثاني: أن تتضرر بغيابه. الشرط الثالث: أن تكون الغيبة في بلد غير الذي تقيم فيه الزوجة. الشرط الرابع: أن تمر سنة تتضرر الزوجة فيها. ويلاحظ أن التفريق هنا يعد طلاقا (حسب مذهب مالك)، ويعد فسخا لعقد الزواج (حسب مذهب ابن حنبل). وعودا إلى تعليق الدكتورة عزيزة على قرار المجلس بأنه «لا جديد» فيه، فإنني أتفق معها أنه حقا «لا جديد»، لأن ما ارتآه المجلس لم يخرج عن ما ورد في «فقه السنة». إذن.. فما الذي يمكن أن يكون جديدا؟ لعله في وضع الإجابة على تساؤلاتي التالية ما يوحي بجديد في شأن مدة انتظار الزوجة زوجها (المفقود). ماذا لو كانت الزوجة لا تملك دخلا ثابتا تستعيش وأولادها منه؟.. هل تظل تحت رحمة الأربع سنوات.. لو رأى القاضي أن الزوجة لا بد أن تنتظر حتى تنتهي الأربع سنوات؟.. ترى من سيصرف عليها؟ لم لا نعذر الزوجة بعد مضي سنة على فقدها لزوجها في رغبتها أن تعف نفسها بزوج يصونها ويرعى شؤونها؟ أفلا يحدث أن يطلق القاضي زوجة طلبت الطلاق من زوجها (الحاضر)، وقد كرهته وقدمت من الأسباب ما يقنع القاضي بذلك، واستعدت برد حديقته (مهره)، ولم تفلح محاولات القاضي للصلح بين الزوجين؟.. بينما قد لا يطلق (القاضي نفسه) زوجة طلبت الطلاق من زوجها (المفقود) إلا بمرور 4 سنوات على غيابه!.. هل يستقيم هذا مع ذلك؟.. زوجة (الحاضر) تطلق، وزوجة (المفقود) فلا تطلق إلا بانتهاء ال(4) سنوات! هل تضطر إلى أن تدعي أنها كرهته فتضمن الطلاق؟ إذا كان الفقهاء قد اجتهدوا في أن تتراوح مدة الانتظار من سنة إلى 4 سنوات، ولم تكن مسألة (إجماع قطعي) هل يمكن الفقهاء اليوم أن يجتهدوا فيكتفوا لمدة الانتظار بسنة واحدة فقط؟ من منظور فقه الواقع الذي قد تتضرر الزوجة به لبعد زوجها عنها لا لغيابه فقط، وشعورها بالوحشة، وخشيتها على نفسها من الوقوع فيما حرمه الله؟ هل بالإمكان البر بالمرأة إضفاء أهمية وأولوية لتضررها لبعد زوجها.. فلا نساوي بين مدة انتظارها بمدة تقسيم الإرث لو طالت مدته إلى 4 سنوات، فالضرر الذي يترتب على طول مدة تقسيم الإرث أخف من ضرر المرأة المترتب على بعد زوجها. هل من الصواب بمكان أن تتقدم مصلحة الزوجة على مفسدة تأخر تقسيم الإرث، والذي تقل أضراره كثيرا عن مضار بقاء الزوجة سنوات لا هي تنعم بزوجها، ولا هي تترك للزواج من غيره؟ هل من سبيل إلى تطبيق القاعدة الشرعية: (أينما تكن المصلحة.. فثم شرع الله)؟ وبعد، هل تكفي هذه التساؤلات لكي ننشئ حكما اجتهاديا ينتصر للمرأة، ويحررها من زوج مجهول المصير.. بزوج تحرم بسبب غيابه أربع سنوات من الرعاية.. وتحرم من النفقة.. وتحرم من الزواج.. لتصبح بعد مرور السنة الأولى (زوجة بلا زوج)!!.