تباينت آراء الفقهاء المشاركين خلال الجلسة الثانية من الدورة ال 21 لمجمع الفقه الإسلامي المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي في مكةالمكرمة أمس، حول قضية «مدة انتظار المفقود» المحددة بواقع أربع سنوات استناداً على اجتهاد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، إذ اعتبر البعض أن وسائل الاتصال والتقنية الحديثة أسهمت في تطور الحياة ما يستوجب تقليص هذه المدة، فيما ذهب فريق آخر إلى أن المسألة مرتبطة برؤية القاضي الشرعي الذي يستطيع من خلال معرفته بالتفاصيل كيفية التصرف من حيث المال أو الزوجة المنتظرة. وتناولت الجلسة التي انعقدت برئاسة المفتي العام للمملكة ورئيس المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، تحديد مدة انتظار المفقود لزوجة المفقود حتى يتم فصلها عن زوجها الذي فقد في حرب، أو سيل، أو زلزال، أو أي آفة أرضية، أو سماوية لا يُدرى عنه أنه حي أو ميت، والتي تعتبر من القضايا الشائكة. وأكد المناقشون أن من الصعب أن تنتظر زوجة شابة حديثة الزواج طوال حياتها الزوج الغائب، وبالأخص إذا كانت تخشى على نفسها من الفتنة، كما أنه من الصعوبة أن يتم التفريق بين المرء وزوجه ثم يظهر المفقود، أو يعثر عليه ويكتشف أنه حي يرزق وغير راض عن أن يتنازل عن زوجته. وقال عضو المجمع الدكتورأحمد بن علي المباركي إن البحث لم يكن بحثاً جماعياً ولم يصدر منه قرار مبني على القرار الجماعي، كما أنه يلاحظ على كثرة الاختلافات الفقهية بين المذاهب. وأضاف: «تحديد سنوات معينة يحكم بها القاضي أو ما يقاربها، واعتبارها من الموضوع، فإن القاعدة الحاكمة لهذا الموضوع هي التي تقر». من جهته، رأى رئيس جامعة العلوم الإسلامية العالمية بالأردن الدكتور عبدالناصر أبو البصل أن موضوع المفقود يتعلق بمسألتين المال والزوجة، مضيفاً «فمسألة المال يعين القاضي وكيلاً ينظر في المال، وفي الكثير من التطبيقات القضائية جاءت بتنفيذ ما لا يضير المال». وأفاد الدكتور أبو البصل بأن التفريق القضائي للضرر والمعمول به في الكثير من الدول والمأخوذ من الدولة العثمانية، والتي تركت فتوى المذهب الحنفي لتلجأ إلى المذهب المالكي رفعاً للضرر عن المرأة، فتفريق الضرر إذا ثبت بأربع حالات متمثلة في الفقد والغيبة إذا كان موجوداً أو غير معلوم، والحبس والهجر، فإذا أصاب المرأة ضرر بعد غيبته، يفرق القاضي بينهما، ولا ينظر بعد ذلك لقضايا قد تحدث بطبيعة الحال، فأنا أرى أن القرار يكون فيه قوة لولي الأمر باختيار هذا الرأي في التفريق بالضرر حتى نرفع الضرر عن النساء، بعد استنفاد جميع وسائل التقنية المعاصرة لتبليغه، لذلك أرى أن يمنح القاضي سلطة التفريق. بدوره، اعتبر عضو هيئة كبار العلماء السابق الدكتور عبدالله الركبان أن وسائل الاتصال الحديث غيرت أموراً كثيرة في الحياة على عكس ما كان عليه الصحابة، بالقول «ما ذكر من آثار عن الصحابة ومن اختلافات عن العلماء، أظنهم لو عاشوا هذا العصر لغيروا كل ما طرحوه لأن الوسائل التي جدت في وسائل الاتصال والمواصلات غيرت أموراً كثيرة، لأن ما أشار إليه عمر بن الخطاب من تحديد أربع سنوات،المراد به التأكد من كون المرأة حاملاً أو ليست بحامل، الأمر الذي لم يعد الآن واجباً، لأن الآن هناك تحاليل مخبرية تكشف عن هذا الأمر». ورأى الدكتور الركبان أن يؤخذ بالرأي القائل بفرض تقدير القاضي حسب الظروف والأحوال والملابسات، مضيفاً «لكن باعتبار أن القضاة يتفاوتون في فهمهم وعمقهم ونظرتهم فلابد أن يكون هناك ما يسترشدون به، ولا مانع أن يكون هناك حد أعلى وحد أدنى، وليكن أربع سنوات كحد أعلى كما ذكر ونقل عن عمر وعلي، ويجعل حد أدنى بحيث إن القاضي يتناول بين الحد الأعلى والأدنى، و يضع لها علاجاً على حسب اختلاف الظروف والأحوال ولو جعل الحد الأدنى سنة ربما كان ذلك متوجهاً وهناك أصل لذلك كما في شأن العنين». وقسم حالات انتظار المفقود إلى أربع حالات تتمثل في إذا كان الانتظار لمصلحة الحاضر لا لمحصلة الغائب فإن الرأي أن تكون الفترة وجيزة، والتركيز على حالة زوجة المفقود المتضررة وتحديد المدة القصيرة التي تراعي اختلاف حال الزوجات الكبيرة والصغيرة، ومن لها أولاد غير عن التي لا أولاد لها، وفي الحالة الثالثة بما يتعلق بالمال التي تأتي بإعطاء الشركاء في المال، والحالة الرابعة في ماله هل يقسم أو لا وهذا ينبغي أن يتمهل فيه، وأن لا ينظر إليه كما في الحالة الثالثة، لأنه هو المتضرر والورثة ومن يفترض أنهم ورثة فيما لو حكم بموته، ليس عليهم ضرر فيما لو تأخر قسم المال.