قرر شاب سعودي السفر عبر البحر إلى أحد البلدان في رحلة تستغرق عشرة أيام، حجز مقعده واستلم التذاكر حيث كانت بسعر مرتفع، احتار في كيفية مواصلة السفر دون امتلاك مالٍ يكفي للأكل والشرب، فقرر شراء أطعمة معلبه ليوفر نقوده. أبحرت السفينة وكان الركاب يستمتعون بما فيها من مأكولات ومشروبات ومرفهات، بينما هو ينظر إليهم بعين الحسرة. في اليوم الأخير للرحلة خشي أن يستهزئ به أصحابه بسبب امتناعه عن الأكل في المطعم فقرر خوض التجربة، وحين سأل عن السعر نظر إليه الموظف باستغراب شديد قائلا : «الأكل مجاني لأن سعر التذكرة شامل لكل ما نقدمه !!» . هذه قصة رمزية غير حقيقية ولكنها أشبه بحال غالبية الناس في الحياة، فهم ينظرون لما يحققه الآخرون دون المبادرة باتخاذ خطوات مماثلة، مع أنهم يشابهونهم في القدرات الفطرية. لقد جعل الله للإنسان مساحة ليخطط لاختيار ما يود تحقيقه والحصول عليه، وهذا أهم سبب يجعل للتخطيط انعكاسا إيجابيا على حياته، والمتأمل في أحوال الكثيرين يلحظهم يخططون بشكل تلقائي، لكن يتميز الناجحون بتنمية مهارة التخطيط والاستمرار في استخدامها باحترافية متقنة كما أنهم يخططون لكل مجالات حياتهم ولا يقتصرون على أشياء محددة أو سطحية. إن التخطيط وسيلة لا غاية، فالعظماء في الزمن الماضي نجحوا ببراعة وأثروا بإتقان دون أن يحضروا دورة عن التخطيط أو يقرؤوا شيئا عنه، والسبب بكل بساطة أن للنجاح قوانين ومبادئ بسيطة نسمعها دوما ممن نجح في حياته، ولكن بساطة تلك القوانين تتعارض مع عدم الجدية وفقدان الرغبة الجامحة. ولذا يخطئ من يتعمق في تنمية مهارة التخطيط دون إقناع ذاته بأهمية التميز والإنجاز، فمهما كانت قوة الأدوات إلا أنها تبقى مجرد جمل رنانة سئمنا من سماعها في ظل غياب الإرادة والقوة الدافعة الداخلية. لقد مارس بعض مقدمي دورات التخطيط أخطاء فادحة حين قدموه في صورة معقدة منفرة، فهم بذلك يحولون الإنسان إلى آلة، مع أن الدراسات تؤكد أن نجاح التخطيط يكمن في إنجاز خمسين بالمئة فأكثر.. إنه مهارة يمكن تعلمها والاستمرار في تنفيذها بحب وبدون تعقيد، فهو وإن كان يأخذ وقتا فإنه يوفر أوقاتا، كما أن له قدرة كبيرة على جعلنا ننجز باستمتاع، فكلما أنجز الإنسان شيئا مخططا له أفرز جسمه هرمون الاندروفين الذي يجلب السعادة والراحة. إن حياة كل شخص تضم جوانب متعددة منها الجانب الروحي والصحي والاجتماعي والمالي والمهني وغيرها، والناجح الحقيقي يحرص على التوازن الناجح في كل المجالات. د. بندر آل جلالة * مدير أكاديمية بناء المفكر.