التخطيط أو النظرة المستقبلية عاملين مهمين يستخدمان في كل زمان ومكان، هنالك تخطيط ونظرة سطحية موجعة النتائج أو تخطيط ونظرة استراتيجية آمنة النتائج. في التخطيط أو النظرة السطحية يُستسهل الأداء و/أو القرار لأن كثير من الحقائق يكون قد تم عبورها دون النظر إلى جدورها لمعرفة فروعها الحالية أو المستقبلية التي دائماً ما تفاجئ الإنسان بوحشية ونكون غير جاهزين للتعامل معها لأننا لم نكن نتوقعها. لذلك نذهب لتطبيق أسرع الحلول لتحقيق أخف الشرور التي أمدها يطول، نصرف عليها مبالغ طائلة في حين أنها تبقى حلولاً مائلة. يختلف الحال في التخطيط أو النظرة الاستراتيجية التي تبنى على قياسات وموازنات، تجعلك حريص على استنباط التوقعات والبعد عن التهورات، تحقق في جدور البذرة لمعرفة ما سوف يكون عليه حجم وشكل الثمرة، نتعرف على ما هو متوقع ظهوره لنستعد للتعامل معه ولا نتفاجأ بوصوله. استراتيجية ببساطة تعني: وضع هدف وتحديد الوسيلة للوصول إليه ومخطط لتنفيذ طريقة تحقيقه، في كل شيء تجدها نافعة، تريد أن تذهب للموقع (ج) والوسيلة هي السيارة، تختار أفضل الطرق غير المزدحمة في الوقت الذي سوف تتحرك من مكانك مع مراعاة عامل الوقت والوقود. هذه استراتيجية قد تكررها أكثر من مرة بشكل يومي، أقل فوائدها تأمين الوضوح تخفيض المفاجآت أو المعوقات. في كل مجال نحتاج للتخطيط والرؤية الاستراتيجية، إدارة المنزل والأبناء تتطلب ذلك بل أفراد العائلة يمثلون عناصر مهمة في الإستراتيجية وقد يكونون جميعاً الوسيلة للوصول للأهداف، من يستهتر بإمكانيات أو مقدرات زوجته، أبنائه أو حتى خدامه لن يحظى بتخطيط أو رؤية استراتيجية حتى وإن كان من الذين يعرفون بالمفهومية عند الغالبية، لأنه سوف يكون قد أغفل حقائق غاية في الأهمية واستهتر بتأثيراتها على النتائج التي عندما تظهر يضطر هذا الأب القائد لفعل ضعف ما كان يجب أن يفعل أو يخسر أضعاف ما كان يحاول به أن يتشطر. في المقابل يأتي الأب القائد الواعي الذي لا يستهتر بمقدرات الإنسان ويخطط لأبعد من حال الزمان كي يبقى مواكباً للأحداث ومسيطراً على المجريات وبقناعة أنه على الأقل يخفف من المخاطر وليس مجاملة للخاطر ولذلك يصنف أنه قائد شاطر. إذا لم تحترم مقدرات من حولك وتجعلها أداة عون وحماية حولك تكون قد أغفلت أحد حجار الزاوية التي يأتي من اتجاهها الريح وقد تجعل الإنسان يطيح ويقولون عليه حينها كما يقول المثل الشعبي " إذا طحت يا فصيح لا تصيح". الإستراتيجية طبقها قبل البرية خالق البشرية سبحانه مما عرفنا عنه في مواطن عدة من قرآنه، ومنها عندما جعل رسوله لآخر الرسالات عليه وآله الصلاة والسلام يبدأ دعوته بسرية حتى يؤسس البنية التحتية قبل أن يتحول في الدعوة إلى الجهرية، كذلك أسس لرسوله موسى التواجد في بيت فرعون لكي يكون تعليمه في ذلك القصر له عونا لمجابهة القوم. القرآن نزل وهو يحتوى أرقى علوم الإستراتيجية البشرية الحديثة وأكثر لكي تتعلم البشرية أن حياتها تكون أسعد بالاستراتيجية. كذلك الصحابي القائد الفذ خالد بن الوليد رضي الله عنه عندما عرف أنه لا يمكنه مواجهة العدو في موقعة مؤتة، كان ينظر بإستراتيجية ولذلك كشف الحقائق قبل وقوعها وخطط لتفادي حدوثها، وعندما قرر الفرار لم يتخذه بإرتجالية بل وضع له استراتيجية لكي لا يكون هذا القرار سبباً في إندحار يفضح الحال فيحل القهر والإبادة لكل الرجال الذين هم أبطال ولكن لن تنفعهم بطولتهم أمام زيادة عدوهم في التعداد والعتاد. لابد أن نتعلم ونعلم الأبناء التخطيط والتفكير الاستراتيجي في كل الأحوال، في تخطيط السير قبل التحرك من نقطة لأخرى، اختيار الدراسة وما هي الغاية التي يتمنى الوصول لها، في السفر وكيفية الاستفادة دون دفع أكثر من الحاجة، في الزواج وما يحتاج من استراتيجية طويلة لا تبنى على رؤية قصيرة. من أعداء الاستراتيجية الثقة الزايدة التي يمارسها الأغلبية، ومن المستحب أن تكون هنالك ثقة في النفس ولكن من المضر أن يزداد حجم هذه الثقة لأنها تحجب الرؤية فتصبح كالضباب الذي قد يجعلك تسير دون وضوح لطريق الصواب. الإستراتيجية نصحنا بها معلمنا وسيدنا رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام بقوله:" أعقلها وتوكل" وأقول لكم ضعوا إستراتيجية وتوكلوا على الله وسوف تجدون الراحة حتى في حال عدم التوفيق، لأنك تكون قد أديت ما عليك والباقي على الله.