دعا رئيس مؤتمر العالم الإسلامي ونائب رئيس مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الدكتور عبدالله بن عمر نصيف، إلى تحويل الإعلام من ترفيهي إلى تثقيفي يحتوي جميع جوانب الثقافة، مؤكدا أن للإعلام دوره الفاعل في توجيه النشء وتربيتهم بدلا من الأجداد الذين كانوا يتولون هذه المهمة سابقا. ورأى أن القنوات الإسلامية تفتقر للمهنية التي تمكنها من المساهمة في الإصلاح إلا بصورة شكلية؛ لأن أسلوب الجذب غير متوفر فيها، في حين أن طرح المواضيع يتم بصورة تقليدية ولا يهتم بالأولويات.. فإلى التفاصيل: إذا قلبنا في صفحات العالم الإسلامي لوجدنا هناك الكثير من المواضيع التي تستحق النقاش لاسيما في هذا الشهر الفضيل وأول هذه الموضوعات هو وحدة الأمة الإسلامية ودور هذا الشهر الكريم في تكريسها وتقويتها، كيف ترون ذلك؟ لا شك أن هذا الشهر الكريم مليء بكل جوانب الخير وهو كما أسميه دورة تدريبية للمسلمين في تقوية الإيمان وشحذ الهمم وبذل الجهود كي يصلح الإنسان نفسه ومن ثم أمته. لذلك فإن وسائل الإعلام ينبغي أن تسهم في توعية المسلمين إلى هذا الجانب لأنهم عاطفيا متحدون ولكن عمليا تفرق بينهم أفكار وأشخاص يسعون إلى تفرقة المسلمين وتشتيت صفوفهم، لذلك فإن رمضان هو موسم عودة المسلمين إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإلى وحدتهم وتعاضدهم. توحيد الصفوف القرآن الكريم والسنة النبوية تحتوي على آيات وأحاديث كثيرة تصب كلها حول جمع الكلمة وتوحيد الصفوف، ولكن لا أدري أين تكمن الإشكالية؟ هل هي في فهمنا لتلك النصوص أم في تطبيقنا لها على أرض الواقع؟ إذا درسنا الواقع بموضوعية نجد أن المسلمين مشحونون بالعواطف وإدراكهم لعظمة وعمق هذا الدين بسيط وينحصر في مجرد الشعائر من صلاة وصيام حيثما اتفق وبدون اهتمام بالكيفية. لذلك فإن الجهود ينبغي أن تبذل لتوعيتهم وإعطائهم جرعات مكثفة حول معاني الآيات القرآنية التي تدعو إلى تقوية الإيمان وجمع كلمة المسلمين وغير ذلك من الأشياء مع شرحها وتبسيطها لهم حتى يدركون أن هذا الدين العظيم والآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ليست مجرد أشياء نظرية بل يجب تطبيقها عمليا على قدر المستطاع وأن الإنسان كفرد ومجتمع ينبغي أن تكون لهم جهود مكثفة لإرساء قواعد العلم والمعرفة وتوسعة المدارك في كل صنوف العلم وفروع الشريعة. توعية الناس تركز في حديثك على أهمية توعية الناس، على من تقع هذه المسؤولية بالدرجة الأولى؟ المسؤولية تقع على الحكومات وعلى وزارات الإعلام وكافة وسائلها المتاحة وكذلك وسائل الإعلام الخاصة والقنوات الفضائية وأئمة المساجد وخطبائها.. كل هؤلاء مسؤولون وكل فرد مسؤول أيضا. وللأسف نجد أن الإعلام في بلادنا هو عبارة عن مجرد ترفيه سخيف في كثير من الأحيان ولا يهتم بهذه الجوانب، حتى التوعية العادية بطرق الأكل والشرب والنظافة غائبة ولا يوجد من يقوم بتوعية الناس. الأسر أصبحت مشغولة ووسائل الإعلام أيضا، كما أن المؤسسات التعليمية لا تولي هذا الجانب ما يستحقه من اهتمام. كل هذه الجوانب تراكمت بحيث أصبح الوضع في غاية السوء، لذلك ينبغي أن يتم الإصلاح بحيث تتضافر جهود الأفراد والهيئات والجمعيات الخيرية حتى نستطيع أن نعيد للأمة شيئا من ثقافتها عن الإسلام وما ينبغي أن يتم لأجل تنشيطه وتكثيفه وترسيخه في نفوس المسلمين. الإعلام الهادف تحدثتم عن الإعلام والدور المنوط به، هل نستطيع أن نقول إن غياب الإعلام الهادف أدى إلى وجود الإعلام الآخر فأدى إلى هذا الوضع السيئ الذي تتحدثون عنه؟ مما لا شك فيه أن الإعلام في زمننا الحاضر أصبح هو المؤثر الأول والأساسي حيث يؤثر على الأب والأم وكافة أفراد الأسرة والمجتمع بشكل كامل، كما أن وسائله تعددت وتنوعت بحيث لا يستطيع أحد إنكار دوره فهو يؤثر على الجد قبل الحفيد، بينما كان الأجداد هم الذين يتولون مسؤولية تثقيف الشباب والناشئة ويزرع فيهم حب الخير، لذلك فإن الإعلام هو آفة المجتمع.. بذلت جهود وعقدت مؤتمرات كلها أقرت بأن الإعلام ينبغي أن يكون له دور مغاير وأن يتحول من مجرد إعلام ترفيهي إلى إعلام تثقيفي يحتوي على كل جوانب الثقافة. المنابر الدعوية هل الإعلام سحب البساط من المنابر الدعوية التقليدية وباتت مسؤولياته أكبر كونه المنبر الحديث الذي يطل على كل الشرفات ويدخل جميع الغرف والبيوت؟ من الأمور المعلومة التي لا تحتاج إلى تأكيد أن الإعلام أصبح متغلغلا في جميع أفراد الأسرة بصورة مباشرة وغير مباشرة.. الآن أصبحت وسائل الإعلام الحديثة من فضائيات وإنترنت وفيسبوك وتويتر وغير ذلك تساهم في نشر الثقافة بنوعيها، الخيرة والشريرة.. لذلك نسأل الله العفو والعافية وأن يساعد الأمة على إصلاح شأنها عبر الإعلام. تفعيل الحوار تتسنمون مسؤولية كبرى في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وللمركز الكثير من الجهود والإنجازات، هل يمكن القول إننا بتنا في حاجة أكثر لتفعيل الحوار ابتداء من المنزل ووصولا إلى العالم بشكل أشمل وأوسع؟ الحوار وسيلة فعالة لنشر الدعوة وشرح العقيدة وتهذيب المجتمع وإصلاح المجتمع، وبدون الحوار لن نستطيع عمل شيء. الحوار أثبت وجوده كطريقة فعالة. أيضا فإن النهج القرآني والأسلوب النبوي وأسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام كان هو محاورة الآخرين وإشراكهم في عملية تصحيح سير المجتمع. آخر لقاء لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني كان عن الإعلام، وكانت هناك مشاركات فعالة سواء من المسؤولين عن وسائل الإعلام أو من الشباب والرجال والنساء أو من أفراد المجتمع الذين يمارسون العمل الإعلامي. الجميع كانت لديهم نفس الشكوى والتطلعات والرغبة في إعادة وسائل الإعلام إلى مسارها الصحيح.. الحوار وسيلة فعالة في كل جوانب الحياة، وكما تعلم فإن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني عقد خلال 10 سنوات عشرات الندوات والمؤتمرات، وبالفعل رسخت ثقافة الحوار إلى حد كبير وأصبح الناس يدركون أهميته ودوره في إصلاح كل مشكلات المجتمع. تسطيح الهوية ما دمنا نتحدث عن الحوار، هل تعتقدون أن الإعلام أسهم في تسطيح الهوية أو تمييعها لدى الشباب المسلم حتى أصبح لدينا جيل ضائع ثقافيا وفكريا ويعاني من الانحلال الأخلاقي؟ الضلال كله يأتي من الإعلام سواء بقصد أو بدون قصد، وهناك كما تعلم فضائيات وقنوات ووسائل إعلام وصحف ومجلات تستهدف تحطيم الإيمان في هذه الأمة وإضاعة الأخلاق ونشر الفساد بكافة أشكاله. لا أحد يستطيع إنكار ذلك ولا أريد أن أسمي محطة بعينها، لذلك فإن تأثير المحطات السيئة أكبر من تأثير المحطات الطيبة، الحديث الشريف يقول «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات». المحطات التي تثير الشهوات وتركز عليها تجد مشاهدة أكبر لدى الناس من تلك التي تدعو للفضيلة وتتحدث عن الآيات والأحاديث، كما أن هذه القنوات الجادة لا بد أن تقوم بتطوير عملها وأدائها حتى تستطيع جذب المشاهدين وإقناعهم. القنوات الإسلامية البعض يطلق على القنوات الجادة مسمى قنوات إسلامية أو إعلام إسلامي، هل ترون أن هذا المسمى أسهم في عزوف الجيل الجديد عنها والبحث عن بدائل أخرى تلبي رغباته ومطالبه؟ مع احترامي لهذه القنوات وللقائمين عليها إلا أنها تفتقر للمهنية التي تمكنها من المساهمة في الإصلاح إلا بصورة شكلية. إذا جلس أحد الشباب أمام هذه القنوات ومر على قناة (اقرأ) أو (الرسالة) وغيرهما من المحطات التي أصبحت كثيرة فإنه لن يتوقف أمامها لأن أسلوب الجذب غير متوفر، كما أن طرح المواضيع يتم بصورة تقليدية ولا يهتم بالأولويات، ومع أن القائمين على هذه الفضائيات يبذلون جهدا كبيرا إلا أننا في الحقيقة نحتاج لما هو أكبر من ذلك. تحدي الأمة هناك تحد ملح أمام الأمة الإسلامية في هذا الوقت الذي تشهد فيه تفرقا كبيرا، هل ترى أن دور الأئمة والخطباء بات أكبر من السابق أم ترون أنه انتهى وانزوى أثره؟ الأئمة والخطباء بحاجة إلى تطوير أدائهم وترقيته عبر دورات تدريبية مكثفة وأن لا يكتفي الواحد منهم بالعلم الذي حصل عليه في كليات الشريعة ويعتقد أنه حصل على كل شيء. لا بد من تطوير الأداء وتنويع الثقافة وأن لا يحصر نفسه في موضوع فقهي لأن الدين عالم واسع، كذلك عليهم الاطلاع على أحوال المجتمع واحتياجات أفراده حتى لا يحضر الناس إلى صلاة الجمعة لأن ذلك واجب عليهم فقط، إضافة إلى الإعلام فإن كافة وسائل الدعوة بحاجة هي الأخرى إلى تطوير، ليس في المحتوى وإنما في طريقة الأداء. فريضة الصيام ماذا عن فريضة الصيام والأهداف العظيمة التي يرمي إليها الشرع، هل ترون أن هذه الأهداف قد تحققت من ورائها أم أن هناك حاجة لتدبرها وتطبيقها على أرض الواقع؟ الله سبحانه وتعالى يقول في محكم تنزيله «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون». فالهدف من الصيام هو تقوية الإيمان وزيادة التقوى في نفوس المسلمين حتى تكون جزءا من حياتهم اليومية في البيت وفي الشارع وفي تعاملاتهم المختلفة. هذه التقوى هي ما نفتقده اليوم في عالمنا المعاصر. شهر رمضان فرصة لتقوية هذه الجوانب، ولكن للأسف الشديد فإن وسائل الإعلام جعلت من الشهر الكريم موسما للتسلية والسهر وغير ذلك، مما أفقده دوره في إصلاح المجتمع. الشباب والدعاة الأصل أن هناك رابطة كبيرة بين الدعاة والمجتمع، ولكن نرى في الوقت الحالي تبادلا للاتهامات بين الجانبين، فالشباب يقولون إن الدعاة يعيشون في أبراج عاجية، وهؤلاء يردون بالقول إن الشباب لا يقبلون عليهم مما أوجد فجوة بين الجانبين، ما هو السبب في هذه الفجوة من وجهة نظركم؟ العبء الأكبر يقع على عاتق الدعاة، وكما ذكرت قبل قليل فهم بحاجة إلى تطوير أنفسهم وتحسين أدائهم وأن يتعرفوا عن كثب على حاجات الشباب ومشكلاتهم. هذا يتوجب أن تتوفر لديهم الرغبة في إصلاح الأخطاء والقدرة على تحسين الأداء حتى يكون لهم تأثير أكبر. صلاة التراويح ننتقل إلى المحور الخاص بصلاة التراويح وهي شعيرة مهمة في حياة المسلم في هذا الشهر الكريم، هل استوفينا المطلوب من أداء هذه الشعيرة؟ التراويح من العبادات المهمة في هذا الشهر ومن أهدافها زيادة التقوى وتطهير النفس وكبح جماحها من الشهوات، ولكن الملاحظ أن كثيرين يؤدونها من باب العاطفة وتقليد الآخرين. التراويح وسيلة فعالة لزيادة التقوى وقبول الصيام من الله سبحانه وتعالى، لذلك هناك حاجة لإعادة النظر فيها من قبل الشباب أنفسهم. هوية المسلم هذا يقودنا إلى سؤال عن هوية المسلم الذي تربى ونشأ في كنف الإسلام ونظيره الذي عاش فترة من الجاهلية ومن ثم ذاق حلاوة الإيمان؟ المشكلة معقدة ولها عدة جوانب وكما صح في الحديث فإن كل مولود يولد على الفطرة وللوالدين تأثير كبير على أبنائهم، خاصة الأم فتوجيهاتها لأبنائها يساعد على المحبة والاستقامة. لذلك أقول إن إصلاح الأسرة من الجوانب التي ينبغي أن نهتم بها، لاسيما دور الأم، حتى الأم العاملة لا مانع من أن تعمل ولكن عليها أن لا تنسى دورها كمربية وموجهة وصانعة للأجيال، لذلك هذا جانب مهم ينبغي العناية به في هذه الأيام المباركة وبذل الجهد الذي يعين في هذا الجانب. ثقة المجتمع هناك اهتزاز في ثقة المجتمع وبخاصة الشباب في هذه الجمعيات، إلام تعزون السبب في ذلك؟ لا علم لي بهذا الاهتزاز ولكن الشباب يعون أهداف التطوع. عندما حدثت كارثة سيول جدة بادر الشباب من أنفسهم للتطوع وضحوا بأنفسهم لخدمة المجتمع. الجمعيات الخيرية ينبغي أن تعكس رسالتها للناس وأن تحبب لهم المساهمة في أعمالهم حتى يحققوا شيئا لأنفسهم ولدينهم وأمتهم. الروابط الإسلامية هل ترون أن الهيئات والروابط الإسلامية أدت ما عليها من دور أم أنها مقصرة في ذلك؟ هي أيضا بحاجة إلى إعادة النظر في أدائها بجرأة وصراحة وموضوعية لأن الأداء أصبح تقليديا وهناك حاجة لتطوير الأداء وتجديد أساليب العطاء ومسايرة تغيرات العصر ومواكبة التطورات العلمية والتطورات الإعلامية حتى يكون لهذه الروابط والمؤسسات الإسلامية دور أكبر مما هو عليه الآن. مؤتمرات ضخمة ولكن هناك مؤتمرات ضخمة وندوات تعقد بين فترة وأخرى وتصدر عنها توصيات ولكن كثيرين يقولون إنهم لا يجدون لهذه التوصيات أثر في واقعهم المعاش؟ الأمة في حالة ضعف شديد ومريضة مرض عضال، ولذلك فإن الدواء جانبي ولا يؤثر. إذا لم نصلح الخطأ ونشرك كل المحبين للخير والمثقفين سنجد أن الأمور مجتزئة والقرارات التي نتخذها لا تؤدي إلى نتيجة لأنها لا تتابع.