أكد الشيخ الدكتور صالح بن حميد إمام الحرم المكي الشريف والمستشار بالديون الملكي في حوار خص به "الرسالة" أن على كل مفكر وكاتب ألا ينحرف به قلمه فيكون أداة للإساءة والتحريش ضد بلاده، كما أبان ابن حميد بأن الاختلاف الفقهي وتعدد الآراء ووجهات النظر ضمن إطار الدليل الشرعي لا يناقض الوحدة ولا يعاديها، وأن للفرقة دورا كبيرا في تعطيل مسيرة الأمة نحو غاياتها المثلى وأهدافها النبيلة، وأن العلماء هم قاعدة التوازن وعماد اللحمة ووحدة الصف واجتماع الكلمة، مشيرًا إلى أن الموفقين هم أصحاب المواقف العظيمة لخدمة الناس والسعي في مصالحهم. معرجًا في ذات الحوار إلى قضايا الشباب حيث أكد أنّنا سنخسر شبابنا حينما ينشغلون بسفاسف الأمور واختزالهم في الترفيه، وأن الأمة بحاجة إلى دراسات جادة تشخص لها أسباب الفرقة وعوامل انهيار الوحدة.. فإلى مضامين الحوار: كيف يستفيد المسلمون من نفحات الشهر الفضيل وكيف نحقق التقوى؟ قبل الحديث عن استفادة أهل الإسلام من شهر رمضان، أقول و بالله التوفيق: قد كان المسلمون يستقبلون شهر رمضان بفائق العناية ويولونه أشد الاهتمام ويستعدون لمقدمه فرحا بقدومه، واستبشارا بفضله. فقد روي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ببلوغه رمضان. فإذا دخل شهر رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان". وكان مما يؤثر عن بعض السلف قولهم: "اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر فسلمه لنا وسلمنا له، وارزقنا صيامه وقيامه. وارزقنا فيه الجد والاجتهاد والنشاط، وأعذنا فيه من الفتن". وذلك لما يعلمون من فضل رمضان وسعة فضل الله فيه، وما ينزله تعالى على عباده من الرحمات، ويفيضه من النفحات ويوسع من الأرزاق والخيرات ويجنب فيه من الزلات. حيث تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران وتصفد فيه مردة الجان. فهو للأمة ربيعها، وللعبادات موسمها، وللخيرات سوقها. فلا شهر أفضل للمؤمن منه ولا عمل يفضل عما فيه. فهو بحق غنيمة للمؤمنين. وجوابا على ماطرح من سؤال: فينبغي أن يتذكر المسلم أن الأيام تمر مر السحاب، وتمضي السنون سراعًا، وما اكثر الغافلين الذين هم في غمرة الحياة ساهون، وقل من يتذكر أو يتدبر الواقع والمصير مع قول الله تعالى (وَهُوَ الَذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا). والمسلم في عمره المحدود وأيامه القصيرة في الحياة قد عوضه الله تعالى بمواسم الخير، وأعطاه من شرف الزمان والمكان ما يستطيع به أن يعوض أي تقصير في حياته إذا وفق لاستغلالها والعمل فيها، ومن تلك المواسم: شهر رمضان المبارك، يقول الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فهو نداء رباني رفيق لعباده المؤمنين يناديهم بوصف الايمان ثم يقرر مبينا: إن الصوم فريضة قديمة فرضها الله على المؤمنين به في كل دين، وأن الغاية هي إعداد القلوب للتقوى .والتقوى هي التي تأخذ بالقلوب لتؤدي هذه الفريضة طاعةً لله وإيثارًا لرضاه وطمعًا فيما عنده. والمخاطبون بهذا القرآن من الرعيل الأول ومن تبعهم بإحسان يعلمون مقام التقوى وقيمتها فهي غاية تتطلع إليها هممهم، الصوم أداة من أدواتها وطريق موصل إليها. خصائص وتميز ولهذا الشهر الكريم من الخصائص التي ميزه الله بها دون غيره من الشهور ما يجعله فرصة لإصلاح النفوس والزيادة من الفضائل يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما خرجه الترمذي: (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وسلسلت الشياطين)، وفي رواية أخرى:(إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة). هذه الفرحة العظيمة والنفحات الكريمة سانحة في هذا الشهر المبارك حيث تصفو النفوس،وترق القلوب، فيؤوب العباد إلى ربهم ويقومون بين يديه.وليعلم كل مسلم أنه يسهم بقسط وافر من الخير والاصلاح والتغيير الى الأحسن والأفضل، حيث هو لبنة في بناء الأمة التي وعد الله بتغييرواقعها:(إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ). ما أحوج المسلمين كافة إلى وقفة محاسبة، يقف كل مسلم مع نفسه في هذه الأيام الفاضلة، يراجع أحواله لا سيما من أسرف وفرط في جنب الله ومن قصّر في حق أهله أو حق من ولاه الله رعايته، ومن زلت به القدم وفرط في حقوق إخوانه. إنها فرصة لأن يتساءل فيها كل امرىء مع نفسه: حتى متى يبقى مقصرا متهاونا. إن التمسك بالحق والعض عليه بالنواجذ، والعودة إلى رحاب الله، وترك ما ألفته النفس من لهو وهوى وغفلة من دلائل التوفيق. استشعار الواجب لا بد من إرادة قوية واستشعار لواجب التغيير، فما أحوج العبد إلى الصبر والمصابرة حتى يلقى الله وهو عنه راضٍ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود: (إن من ورائكم أيامًا الصابر فيهن كالقابض على الجمر، للعامل فيها أجر خمسين، قالوا: يا رسول الله خمسين منهم أو خمسين منا؟ قال خمسين منكم). وما أحوج المنتمين إلى سلك الدعوة إلى الله لتمثل الإسلام في منطلقاتهم وتعاملاتهم والولاء للمسلمين والبراء من أعداء الدين. فليكن هذا الشهر فرصة للمراجعة والمحاسبة. وهو دعوة لكل مفكر وكاتب مسلم ممن اتخذ الكتابة مهنة ألا تزل به قدم او ينحرف به قلم ويتبنى فليستشعروا الأمانة الملقاة على عواتقهم؛ وعليهم أن يخلصوا في خدمة دينهم وأمتهم وأوطانهم وليجتنبوا ما يكون سببا في التشويش والإساءة والتحريض والتحريش ضد بلادهم وإخوانهم. ولعل في هذه الأيام الفاضلة ما يعين على تجاوز الأخطاء وتناسي الإحن، والعودة إلى الحق وعدم التمادي في الباطل . فقدان الاتصال كيف يستفيد المسلمون من هذا الشهر الفضيل في الوحدة ونبذ الفرقة والاختلاف؟ تتسبب بعض الظروف والمصالح والأوضاع والطموحات الخاصة ببناء عوازل وفواصل قد تؤدي إلى فقدان الاتصال أو ضعفه، وفقدان الاتصال والتواصل في مجتمع ما من أكبر المعوقات عن النمو والصمود في وجه الكوارث وألوان العدوان، ومن ثم فإن امتناع أبناء المجتمع المسلم في هذا الشهر الكريم عن الطعام في وقت واحد مهما كانت أوضاعهم الاجتماعية وتناولهم له في وقت آخر محدد، إلى جانب الشعائر الجماعية الأخرى التي تعودها المسلمون في هذا الشهر المبارك من أهم ما يوحد الشعور بالتجانس، ومن أهم ما يزيل الحواجز التي تولدها الظروف المختلفة.بل من اهم ما ينبه الى شعور الوحدة الإسلامية ويذكر بالعوامل الجامعة لهذه الأمة. فإن مهمة المبادئ العليا أن تكيف حياة الناس وتوجهها وفق مضامينها ومعطياتها. الفرقة مفسدة ماهي الأسباب التي تدعو للفرقة بين المسلمين وكيف نواجهها؟ إن للفرقة دورًا كبيرًا في تعطيل مسيرة الأمة نحو غاياتها المثلى، وأهدافها النبيلة، لتحقيق كيانها الحضاري للقيام بأمر الله، وتبليغ دينه، وتطبيق شرعه لإسعاد البشرية في الدنيا والآخرة. فالفرقة تبدد الطاقات وتنأى بها عن استثمارها في مساربها الصحيحة، وتثني النفس عن عزيمتها وهمتها، وتجعل نظرة الأمة قاصرة، بعيدة عن التطلع نحو آفاقها ومراميها، منشغلة بوضعها الداخلي، دون الانتباه إلى ما يدور حولها ويحاك ضدها من الدسائس والمؤامرات التي يقوم بها أعداء هذه الأمة، ومن هنا فقد حذر القرآن الكريم المسلمين من الفرقة؛ يقول تعالى:(وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ). وبما أن المثال الواقعي والمترجم عمليًا في أرضية الواقع، هو أبلغ في التمثل والتأسي والاقتداء والاعتبار، ركز القرآن الكريم على هذا الجانب الذي يمثل الجانب القصصي والتاريخي من الكتاب العزيز، فضرب القرآن لنا أمثلة واقعية من واقع التاريخ الإنساني من واقع أهل الكتاب ليبين لنا دور الفرقة وخلخلة الصف في زوال الأمم وانهيارها وذهابها، يقول تعالى:(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ)، ويقول:(إنَّ الَذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء).وإن نظرة إلى واقع المجتمعات الأخرى، يرى الفاحص المدقق أنها مجتمعات آيلة إلى السقوط وفق هذه السنة الإلهية؛ فهي مجتمعات مريضة من داخلها وإن استحسن الناس ظاهرها، مجتمعات منهارة، متفككة، خربة، وخاصة على الصعيد الاجتماعي. وصدق الله القائل:(تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ). دراسات جادة ولا شك أن الأمة بحاجة إلى دراسات جادة تشخص لها أسباب الفرقة وعوامل انهيار الوحدة، حتى يتسنى للعاملين في صيانة مجتمعاتهم و أوطانهم مواجهتها والتصدي لها وإيجاد الحلول المناسبة. إلا أنه يمكن الإشارة إلى أبرز هذه الأسباب؛ فمنها: السبب الأول: الخلل العقدي: الذي يعتبر أكبر العوامل في انهيار الوحدة بين المسلمين؛ لأن من مقتضيات وجود خلل في التصور، وجود خلل في السلوك واضطراب في وحدة الصف، وخذ مثلًا: هزيمة المسلمين وتفرقهم يوم حنين.ولزوم الطاعة ومحاسبة النفس محاسبة جادة على حد قوله سبحانه (قلتم أنى هذا قل هو من عند انفسكم). السبب الثاني: الغزو الاستعماري: بأشكاله وألوانه، الذي عمل على تمزيق الأمة فكريًا وثقافيًا وسياسيًا وجغرافيًا. ومن العوامل أيضًا: العصبية والعنصرية، والأنانية الشخصية التي تولد الأحقاد والضغائن والسعي إلى تحقيق الذات ولو على حساب الآخرين، وهذه الأخيرة تمثل في الحقيقة انعكاسًا للخلل العقدي والغزو الاستعماري. لا ينافي الوحدة الاختلاف الفقهي هل ينافي الوحدة؟ إن الاختلاف الفقهي وتعدد الآراء ووجهات النظر ضمن إطار الدليل الشرعي وضمن ضوابط الشريعة، وفي إطار مسوغات وحجج مقبولة؛ لا يناقض الوحدة، ولا يعاديها؛ بل إنه يساندها ويعاضدها ويقويها. وتعتبر هذه القضية ميزة تتحلى بها الأمة المحمدية؛ لأن الإسلام يمثل الدين الخاتم الصالح والمصلح لكل زمان ومكان، فجاءت نصوص الوحيين تحمل في طياتها إمكانية تعدد الأفهام لمراعاة التغير على مر العصور، ولمواكبة التطورات والتغيرات المستحدثة.من اجل هذا كان للمجتهد المصيب اجران وللمجتهد المخطئ اجر واحد. غير أن الاختلاف يصبح مذمومًا، إذا كان بعيدًا عن ضوابط الشرع، وبما يؤول إليه من التشرذم والتحزب والتناحر والتحاقد. كما أن لحرية الرأي المضبوطة بضابط الشرع دورًا كبيرًا في الوحدة الفكرية بين المسلمين؛ فقد جعل القرآن الكريم حرية الرأي بمعنى الصدع بالحق وإفشائه بين الناس، أساسًا من أسس الاجتماع في قيام الأمة، والحفاظ عليها، وتمكين وحدتها، وذلك في قوله تعالى:(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ وَيًَأمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ)، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مظهر حرية الرأي والجهر بالحق وتبليغه والاحتجاج له، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم كما في السنن أن تعطيل ذلك أو الزهادة فيها يفضي إلى الانقطاع في وحدة الأمة، والانقطاع في صلة العباد بالله، فقال في ذلك: (لتأمرن بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، ولتأخذنّ على يد الظالم، ولتأطرنّه على الحق أطرًا؛ أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض، ثم تدعون فلا يستجاب لكم). محاسبة النفس ماهي نصيحتكم لعموم المسلمين في هذا الشهر الفضيل؟ أنصح نفسي وإخواني المسلمين بالتنبه الى أن هذا الشهر الكريم قد أقبل فأقبلت الخواطر في محاسبة النفس ومراجعتها، والرغبة في التزود بالتقوى وتغذية القلب وتزكية النفس وتحليتها، وبالأخص في جانب تقوية العلاقة بالله عز وجل، وشهر رمضان المبارك حيث لذة العبادة، ولحظات التدبر وتلاوة القرآن، وروحانية الصيام والقيام، وجمال الخلوة والاعتكاف، إن رمضان فرصة؛ وايما فرصة فهو شهر التوبة والمحاسبة، وشهر إقبال القلوب وصقلها..، فكل مسلم بحاجة للتوبة، والمحاسبة، والتزود بزاد والتقوى .فهذا الشهر الكريم شهرا الصيام والقيام وشهر القرآن والصدقات كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يجتهد فيه مالا يجتهد في غيره وكان اجود ما يكون في رمضان وكان يحيى ليله ويوقظ اهله ويشد المئزر وكفى به اسوة وقدوة فوصيتي لنفسي واخواني التعرض لنفحات ربنا لعل الله ان يتقبل منا. لا للتغييب *ماهي نصيحتكم لعموم المفتين والدعاة وأئمة التراويح في هذا الشهر الفضيل؟ أولًا لابد أن يدرك الناس دور المفتين والدعاة و أئمة المساجد في نشر الخير و بيان الحق والسعي في رحمة الخلق، كما أقول لإخواني المفتين والدعاة وأئمة المساجد لاتغيبوا عن إصلاح نفوسكم بإصلاح غيركم فالنفس تفتقر لله وعبادته، وسراج الإيمان لايوقد بغير إعمال شرعه و اتباع سنته، وإن من عظيم التوفيق أن ييسر الله لك نفع خلقه في دينهم وتقويم أمور دنياهم فالأعمال في الدنيا مطية للآخرة، والتفقه في الدين و بيان سنة خير المرسلين نبينا محمد عليه أفضل السلام وأزكى التسليم بالقول والعمل، فهي من أعلى الغايات وأسماها قال عليه الصلاة والسلام (بلغوا عني ولو آية فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه). وقال عليه الصلاة والسلام: (فوا الله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم).وأي فضل وايما شرف اعظم من ان يمن الله على عبده فينظمه في سلك الدعاة والمبلغين عن الله ورسوله لتحقيق الدعوة النبوية في قوله عليه الصلاة والسلام:" نضر الله أمرءا سمع مقالتي فاداها كما سمعها" فتلكم يا اخواني منزلة عظيمة ووظيفة جليلة اقدروها قدرها واحفظوا لها مكانتها اعانكم الله وسددكم. مآسي ونكبات يعيش العالم موجة اضطرابات ويدخل عليهم رمضان في حال مختلف ما الواجب على المسلمين تجاه إخوتهم المنكوبين في العالم؟ يقول الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، فالمؤمن ولي المؤمن يفرح لفرحه، ويحزن لحزنه، ويتألم لألمه؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) إن المؤمن الحق لا يكون أنانيا، بل ينبغي أن يحيا لنفسه ولغيره، ويهتم بقضايا أمته، ويعيش هموم إخوانه من المسلمين في كل مكان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الطبراني في الأوسط: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) ويقول كما في الصحيحين: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). إن الموفقين في هذه الدنيا هم أصحاب المواقف العظيمة الذين يسر الله لهم خدمة الناس والسعي في مصالحهم وقضاء حاجاتهم. إن المسلمين هانوا أفرادا وجماعات حين ضعفت فيهم أواصر المحبة، ووهنت فيه حبال المودة، واستحكمت فيهم الأنانيات، وساد فيهم حب الذات. يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في السنن و المسند: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل). ومما يعظم المسؤولية ويجسد استشعار حقوق اخواننا المسلمين ما نشاهده من مآسي في بعض بلادنا العربية والإسلامية في الصومال وفي سوريا وفي بورما فحق على اخوانهم المسلمين الوقوف معهم ومساندتهم وتأييدهم بكل صور المساندة والتأييد فقد وقع عليهم من الظلم والنكبات والشديد ما يستوجب الوقوف معهم واعانتهم ماديا ومعنويا ومساندتهم في المحافل الدولية لينالوا حقوقهم ورفع المظالم عنهم .. عبادة عظيمة كيف نجعل الصيام مؤثرا في واقعنا، حيث نجد البعض تضيق أخلاقه ويحتج بأنه صائم، هناك قيم يزرعها الصوم في المسلم، لماذا لاتتحقق في البعض؟ الصيام هذه العبادة العظيمة التي يقول الله عز وجل فيها كما في الصحيح: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به). إن كثيرًا من الناس لايشعرون بأثر للصيام على نفوسهم، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما عند البزار و أحمد في المسند: (صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر) أي: غله وحقده، فالصوم الحق يقطع أسباب التعلق بغير الله،ويورث الحرية من رق الشهوات؛ لأن المراد من الحرية أن يملك الإنسان الأشياء ولا تملكه، وقد قال الله عز وجل: (يَا أّيُهَا الَذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لعلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فإذا لم يستشعر الإنسان في صيامه التقوى، فعليه ان يراجع نفسه ويحاسبها متسائلا عن الأسباب؟ والأسباب كثيرة، منها: أن الصيام وهو عبادة من العبادات أصبح عند كثير من الناس مجرد عادة، يدخل الإنسان فيه دون أن يستشعر التقرب لله عز وجل بهذه العبادة، ترى قلبه غافلًا لاهيًا عن التذكر والتفكر والجد والتشمير والتقرب لربه ومولاه والتعرض لنفحاته. وفي المقابل: انظر إلى ذلك الرجل الصالح الذي يستشعر عند السحور وعند الأفطار، أنه يأكل هذه الأكلة من أجل أن يتقوى على الصيام والقيام الذي يتقرب به إلى الله عز وجل ، وفي أثناء صومه،حدث نفسه وعالج قلبه بأنه إنما يفعل ذلك حبّا وتقربًا إلى الله، واشتغل بما يقربه الى ربه من انواع الطاعات والقربات حتى يأتي يوم القيامة وقد وضع ذلك كله في ميزان أعماله، ثم إذا أفطر فرح بهذا الإفطار وانتظر فرحه الآخر بهذا الصوم حين يلقى ربه جل وعلا، فقلبه منشغل بالتعبد لله عز وجل، فهذا هو الصيام الذي يرجى لصاحبه الأجر العظيم، وهذا هو الصيام الذي يعالج النفس والقلب من أمراضها وأدرانها. العلماء قاعدة التوازن مادور العلماء تجاه قضايا الأمة وكيف يسهمون في توعية الناس؟ العلماء بقدر مكانتها تعظم مسؤليتهم في واقعهم و مجتمعاتهم و أمام الله عزوجل، وقال سبحانه :(إنَّ الَذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ والْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ ويَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ. إلاَّ الَذيِنَ تَابُوا وأَصْلَحُوا وبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وأَنَا التُّوَّابُ الرَّحِيم). العلماء هم قاعدة التوازن و عماد اللحمة ووحدة الصف و اجتماع الكلمة فبقدر ضعفهم او إضعافهم في الناس يظهر الضعف في صفوف المجتمع المسلم، لذا سيكون الجواب وفق النقاط التالية: اولا:إن مما يؤكد ضرورة أهل العلم إلى وصل ما بينهم في أيام الفتن وتواصيهم بالحق والصبر؛ وإن الفتن أعاذنا الله منها تُغيّر القلوب، وتشوش عليها بما تبعثه من الشبهات المانعة من معرفة الحق والحائلة دون قصده، ولهذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتن بأنها كقطع الليل المظلم، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم)، ووصفها أيضًا بأنها عمياء صماء، كما في سنن أبي داود من حديث حذيفة. وإنما وصفت الفتنة بذلك؛ لأن الإنسان يعمى فيها عن أن يرى الحق، وأن يسمع فيها كلمة الحق. ثانيا:إن واجب النصيحة للأمة يتطلب من أهل العلم ورثة الأنبياء أن يبذلوا وسعهم في دلالة الأمة على خير ما يعلمونه لهم، وأن يحذروهم شر ما يعلمونه لهم، وإنما يبلغ الناصح ذلك بالاجتهاد في تبين الصواب ومشاورة أولي الألباب من إخوانه، فقد أثنى الله على أهل الإيمان بهذا، فقال في سياق الثناء عليهم:(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) وما كان أغنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يشاور أحدًا وقد تكفل الله له بالهداية والنصر، ومع ذلك فقد أمره الله تعالى بمشاورة أصحابه – رضي الله عنهم فقال تعالى:(وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ)، ولقد بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأخذ بذلك حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه كما في الترمذي: (ما رأيت أحدًا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم)،فواجب على ورثته أن يتأسوا به.قال بعض الحكماء: من حق العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العقلاء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء، فالرأي الفذ ربما زل، والعقل الفرد ربما ضل. وقد قيل: إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن برأي نصيح أو نصيحة حازمِ ولا تجعل الشورى عليك غضاضة فإن الخوافي قوة للقوادمِ ولا طريق إلى تحصيل ذلك اذا وجد التقاطع من أهل العلم والفضل، ويعد من أكبر العوائق. ثالثا:إن كثيرًا من الشر وفساد ذات البين الذي يقع بين أهل العلم؛ منشؤه الهوى وسعاة الباطل ونزغات الشيطان، فالتواصل والتواصي ضمان لتضييق الدائرة على أسباب الفرقة، وهو كفيل بمحو بذور الجفوة، وإشاعة الألفة والمحبة، ومما قيل: المحبة شجرة أصلها الزيارة. ثروة الشعوب كيف يستوعب العلماء الشباب وكيف نستطيع تجسير الفجوة الحاصلة بين الشباب من جهة والدعاة والعلماء من جهة؟ لعل فيما ذُكر في السؤال السابق جوابًا لهذا السؤال، ومما ينبغي أن يعلم بأن الشباب هم أعظم ثروات الشعوب وربحها في تنميتهم و إتاحة متطلباتهم الدينية والدنيوية ليعيش هؤلاء الشباب في واقع وبيئة يتحقق من خلالها وضوح هدفه و إدراك دوره في بناء مجتمعه، وأما إشغالها بسفاسف الأمور و بنيات الطريق واختزالهم في الترفيه مما يجعلهم في غياب عن الواقع بغير الواقع، فهذه خسارة ما بعدها خسارة، وهذا يجعل المجتمع بجميع أطيافه ومسؤولياته أمام شراكة اجتماعية لتنمية هؤلاء الشباب نحو بناء روحي و مادي تجتمع به الكلمة والمسؤولية، فالإعلام على سبيل المثال محوري في هذه الشراكة من خلال تعزيز الهوية الإسلامية التي تلقاها الشاب في محاضن التعليم و التربية و ألا يعيش هؤلاء الشباب فصامًا نكدا تغيب معه الأدوار و المسؤليات.