بينما نستمتع نحن هنا في السعودية برمضان صياما وقياما وأجواء روحانية تعبق بروح التآلف والخير والمحبة ما بين الرحاب الطاهرة في مكةالمكرمة والمدينة المنورة واجتماع الأسر والأهل حول موائد الإفطار وسط أشهى الأطباق الرمضانية، يعيش أبناؤنا المبتعثون على الضفة الأخرى ساعات نهار طويلة من رمضان قد تصل 19 ساعة أحيانا بينما هم في معمعة الدراسة والتحصيل والبعد عن أرض الوطن محرومين من سماع أصوات المآذن تصدح بالنداء للصلاة خصوصا أذان المغرب والتراويح، وإذا أضفنا إلى ذلك أشواقهم وحنينهم إلى أرض الوطن، أصبحوا وسط أجواء غربية لا أثر لرمضان فيها كما القابضين على جمر الصيام .. فكيف يعيشون تجربة الصوم في بلد الابتعاث. سوبيا رمضان لفارس العتيبي المبتعث للدكتوراة في نظم المعلومات بجامعة برونيل بلندن، تجربة صيام لأربع سنوات سابقة في لندن حيث قال: هناك تعب طوال النهار (18 ساعة)، ولطول نهار رمضان أجد الوقت لقراءة القرآن ولكن بالنسبة للتراويح تكون في ساعة متأخرة، زملائي في الجامعة يحترمون شهر رمضان والمشرف يخفف عني بعض التكاليف، ويقترح علي أخذ إجازتي السنوية في رمضان. أكثر ما أفتقده هنا صوت الحق (الأذان) والفطور مع الوالدين وعائلتي والجو الروحاني وسوبيا عم سعيد الخضري في مكة. ياباني في المسجد عبدالله الغامدي طالب دكتوراة مبتعث بجامعة برونيل من جامعة الملك خالد تخصص تسويق ، يقول: خبرت الدراسة في بريطانيا خلال شهر رمضان منذ وقت طويل. يوجد تعب وخاصة في الأيام الأولى ولكن التعب يقل مع تقدم الأيام ويصبح الجسم معتادا على الصيام. ويضيف، هناك تعاطف معنا وأتذكر عندما كنت طالبا في مرحلة اللغة كان بعض موظفي المعهد وهم ليسوا مسلمين يصومون معنا ونجدهم قد أعدوا لنا بعض أنواع العصيرات والبسكويت والتمر، وكذلك عندما كنت طالبا للماجستير، العديد من المحاضرين كانوا يسمحون لنا بالخروج من القاعة بدون استئذان لعلمهم المسبق بالصيام ووقت الإفطار لدينا. الإحساس برمضان وبروحانيته موجود هنا ولكن نفتقد الجو الأسري مع الإخوان والوالدين، وقضاء جزء من رمضان في رحاب بيت الله بمكة وزيارة المسجد النبوي بالمدينة، والحمد لله يوجد العديد من الزملاء من دول مختلفة نتبادل التهاني بشهر رمضان ونصلي مع بعض وغير ذلك من الإفطار الجماعي وتجاذب أطراف الحديث بعد صلاة التراويح. كثيرا ما نلاحظ الكثير من علامات الاستفهام على وجوه غير المسلمين لماذا لا نأكل ولا نشرب في رمضان؟ لماذا هناك وقت محدد للصيام؟ وما هو الهدف من الصيام؟ والسن المحدد له؟ وغير ذلك من الأسئلة، والمطلوب من أي طالب الإجابة على تلك الأسئلة بطريقة صحيحة ومقنعة قدر الإمكان وتوضيح المعنى الحقيقي لرمضان ودعوة الزملاء غير المسلمين إلى الإفطار حتى يتمكنوا من رؤية التكاتف بين الطلاب المسلمين مما قد يؤثر عليهم بطريقة مباشرة وإيجابية. ويضيف أذكر هنا أن أحد الطلبة من اليابان يعمل محاميا كان يسألني دائما عن الصلاة، لماذا نصلي؟ ولماذا هي خمس صلوات؟ ولماذا نتوضأ؟ وغير ذلك من الأسئلة، وإذا به فجأة يطلب الذهاب معي إلى المسجد لصلاة الجمعة بعد أن علمته وشرحت له كيفية الوضوء، وبعد ذلك طلب مني بعض الكتيبات عن الصلاة والصيام والحج. صوت الأذان أما المبتعثة شيهانه عبدالرحمن المتروك طالبة الدكتوراة في تخصص الفيروسات السرطانية، جامعة مانشستر فتقول: الأجواء هنا ليست كأجواء السعودية الروحانية حيث يفتقد المسلم فيها صوت الأذان والصلاة خلف إمام يقرأ بكل خشوع. والمسلمون هنا وإن كانوا أقلية، ولكن ترى منهم حسن الصيام والفرح برمضان مما يجعلنا نحس برمضان، لكن نفتقد اجتماع الأهل على سفرة واحدة، وصوت أذان المغرب والتراويح أجد رمضان فرصة للتوضيح لزملائي، ماذا يعني عند المسلمين؟ عندما أسأل عن رمضان خصوصا في بداية الأيام حيث يلحظون أنني لا أتناول فطوري أو قهوتي، فأجدها فرصة سانحة لكي أشرح لهم أهمية رمضان، وماذا يعني لنا كمسلمين؟. جمعة الأهل على الإفطار إيمان صالح، طالبة الدكتوراة في إدارة الأعمال جامعة مانشستر، تقول: صمت هنا ثلاثة أعوام، النهار طويل مما يسبب الإرهاق ولا يوجد وقت بعد الإفطار للبحث أو القراءة لكن الجو غالبا جميل وهو ما يخفف طول النهار والحمد لله، والزملاء يتعاطفون معنا خلال أيام رمضان، ولا أجتمع مع المشرفين إلا لوقت محدود. أجد وقتا للتراويح وقراءة القرآن، ولكن رمضان هنا لا يقارن بالمملكة حيث أصوات المآذن وجمعة الأهل على الإفطار، وصلة الأرحام، والصدقات. فيما تؤكد زميلتها هند التي تعد للماجستير أن العطش أكثر قسوة على النفس. هنا يوجد إحساس برمضان ولكنه بالطبع ليس كمن يسمع الأذان في دولة إسلامية يصدح في كل الأرجاء والألفة العائلية على مائدة الإفطار. الأطباق الرمضانية وتقول هيفاء العادل طالبة ماجستير جامعة ساوثهامتون تخصص إدارة التصاميم و الابتكار: على الرغم من ساعات الصيام الطويلة في بريطانيا إلا أني لم أجد الصيام متعبا وذلك لاعتدال درجة الحرارة، حتى الآن ما يزعجني هو العطش أما الحر و الإرهاق فلا أشعر بهما. وساعات النهار الطويلة تساعدني على قراءة القرآن إلا أنني أفتقد الأطباق الرمضانية كثيرا. خولة العبيد المبتعثة في تخصص مالية بجامعة استون تفضل الصوم في السعودية نظرا لطول النهار في بريطانيا وتأخر صلاة التراويح «مما يصعب علينا صلاتها خاصة بالمسجد ولكن نحرص على استغلال ساعات اليوم في قراءة القرآن». وتقول المبتعثة سارة: كانت لي تجارب صيام سابقة خارج السعودية وأتوقع تكرارها بسبب الدراسة أيضا. ليس هناك تعاطف كبير من الزملاء في الجامعة وأكثر ما يزعجني العطش وافتقاد الصوم في السعودية. وتضيف غدير مبتعثة لدراسة الدكتوراة ببريطانيا لم أجرب صيام رمضان من قبل خارج السعودية، هناك إحساس بالتعب والعطش والحر والدراسة صعبة والساعات طويلة. وهذا أول صيام للمبتعثة منتهى أحمد خارج المملكة بسبب الدراسة ولذا تحس بإرهاق شديد خصوصا وقت الدراسة وتتمنى عدم تكرار التجربة خارج الوطن. وعلى العكس من منتهى، لايحس المبتعث عبدالرحمن الغامدي، تخصص صحة عامة وعلم نفس في جامعة نوتنجهام ترينت ببريطانيا بأي تعب. أما المبتعثة ندا عبدالسلام فتجد الوقت للتراويح وقراءة القرآن لكنها في رمضان تفتقد الأقارب واللمة والجمعة. بعيدا عن الزحمة والسوق ومن واقع تجربتها في الصوم لسنوات ماضية خارج السعودية، تقول المبتعثة نوال الشريف ماجستير تدريس اللغة الإنجليزية جامعة دي مونتفورت بريطانيا صراحة أحب رمضان هنا أجد الراحة والهدوء بعيدا عن الزحمة والسوق ورغبة مني في التركيز على دراستي، والحمد لله لا يوجد تعب عدا قليل من الإرهاق خلال الصيام وعلى حسب الهمة أجد الوقت للتراويح وقراءة القرآن. المبتعثة سمر صابر طردي خان، باحثة دكتوراة في جامعة ترنت (نوتنجهام) وزوجة وأم لطفلين ترى أن رمضان في الغربة مرتبط بالذكريات القديمة ولذلك هي تشتاق للتجمعات الأسرية على سفرة الفطور «أفتقد الجمعة على الإفطار والسحور، والأكلات الرمضانية من يد والدتي ودعوات والدي قبل الإفطار». أجد رمضان فرصة للتعريف برمضان حتى أن جميع زملائي في المكتب أصبح لديهم معلومات عن طريقة الصيام وأوقاته، ومن المواقف الطريفة قررت زميلتي من جنسية أوروبية (غير مسلمة) الصيام ليومين وذلك بعد أن شرحت لها أن الصيام يعتبر صحيا للجسم. ساعات النهار طويلة المبتعث فادي المغربي جامعة مانشستر يدرس ماجستير في إدارة المشاريع الهندسية يقول: أكثر ما يزعجني الجوع خاصة مع ساعات النهار الطويلة والاستيقاظ المبكر. المبتعث مازن بخاري دكتوراة في إدارة الأعمال جامعة نوتنجهام أشعر بتعب وإرهاق شديدين أثناء فترة الصوم لأن ساعات النهار طويلة جدا. وغالبا ما أعود إلى المنزل مبكرا دون إكمال دراستي وذلك لعدم قدرتي على التفكير والإنتاج والتركيز نظرا للجوع الشديد، وهو ما يؤثر سلبا على أدائي التحصيلي. شخصيا لا أجد أي تعاطف من الزملاء أو المدرسين أو المشرفين بالرغم من علم الجميع بدخول الشهر الكريم وأنني صائم، كما أنني لم أستطع أن أطلب تأجيل تسليم البحث وذلك لعلمي أن طلبي سوف يرفض من قبل الجامعة كما حدث مع زملائي في الأعوام السابقة. وبالنسبة لقراءة القرآن الكريم، فتوجد لدي أوقات يمكنني فيها القراءة كأوقات انتظار الباص أو وقت المشي إلى الجامعة أو أي وقت أجد فيه فرصة للقراءة من الجوال الخاص بي. مروج عبد الواسع المبتعثة لدراسة الدكتوراة في تقنية تطوير التعليم، الحمد لله لا يوجد أي تأثير أو إزعاج من العطش أو الحر أو الإرهاق وبفضل الله ثم ترتيب الأولويات أجد متسعا من الوقت للتراويح وقراءة القرآن. أفتقد كثيرا للكعبة، ومسجد الرسول عليه السلام. محمد السويدان، طالب دكتوراة في المالية جامعة بورتسموث، يقول: التحديات كثيرة في رمضان، طول فترة النهار، ومع عدم وجود الأجواء الرمضانية يؤدي ذلك للتعب، وفقدان الشعور الجماعي في رمضان. أما الدكتور سعد مشعل الساري من جامعة أمبيريل بلندن فيقول: من الطبيعي أن تكتنف الدراسة شيء من الصعوبة في رمضان من هذا العام لاسيما وأن ساعات الصيام تصل إلى 18 ساعة. لذا فمن الضروري تنظيم الوقت ليصبح بالإمكان المحافظة علي المستوي المطلوب من التركيز والإنجاز العلمي خلال اليوم. الدكتور أحمد المليباري أستاذ جامعي في مركز اللغات بكلية الثقافات واللغات والدراسات الإقليمية، جامعة نوتنجهام بالمملكة المتحدة يستعيد مقولة الشيخ علي الطنطاوي الذي كان رحمه الله يبدل نظامه اليومي تبعا لظروف الصيام في حر مكةالمكرمة وكان يسهر إلى الفجر ويتأخر في الاستيقاظ صباحا، ويصبح إنجازه في جل الليل:« كل امرئ أدرى بطاقاته وظروفه، وليس المهم الليل أو النهار، وإنما المهم هو الإنجاز والاستمرار بالعمل المفيد». أما نصيحة البروفيسور زاهر راني عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة برونيل في غرب لندن فهي عدم السهر كجزء مهم من حياة الإنسان المنتج :«حاول النوم مبكرا واستغلال الساعات الأكثر حيوية ويمكن لك الاسترخاء بعد العصر لوقت الإفطار».