واجهت المملكة في منتصف عقد السبعينيات الهجرية تحديات كبيرة، تمثلت في قلة الموارد المالية، وعدم اكتمال بنية المؤسسات والأنظمة الإدارية والمالية، ما استدعى قيام الدولة في بداية الثمانينيات الهجرية بجهود إصلاحية شاملة أدت إلى استكمال وضع البناء الإداري والتنظيمي، الذي مكن الدولة من تنفيذ سياساتها في مجالات التنمية المختلفة في المراحل التي تلت ذلك. ومر التنظيم الإداري في المملكة فى بداية العقد الماضي بمرحلة جديدة من التحديات الداخلية والخارجية الكبيرة، فعلى الصعيد الداخلي هناك الزيادة السكانية المطردة وهذه الزيادة في السكان وما يتبعها من تعدد احتياجاتهم، وتوقع ارتفاعها، وضع الجهاز الحكومي أمام تحد كبير في تقديم الخدمات المؤملة منه بموارد مالية محدودة. أما على الصعيد الخارجي، فإن التغيرات السياسية والتقنية وما أفرزته من تكتلات اقتصادية قوية ومتطلبات التفاعل مع المنظمات الدولية كمنظمة التجارة العالمية، التي تدعو إلى تحرير التجارة الدولية، وضعت المملكة أمام تحد آخر كبير يستدعي تطوير بنيتها الاقتصادية والإدارية. وإيمانا بضرورة التفاعل مع هذه التحديات قامت الدولة بانتهاج سياسات اقتصادية جديدة تمثلت في إنشاء بعض المؤسسات الاقتصادية مثل تفعيل المجلس الأعلى للبترول، وإنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى، والهيئة العامة للاستثمار. وحرصا على إنجاح هذه السياسات والتفاعل مع التحديات الداخلية والخارجية المتمثلة في تمكين القطاع الحكومي وكذلك القطاع الأهلي من تقديم خدمات متميزة للمستفيدين، كان التوجه الراهن إلى تبني مشروع التنظيم الشامل لأجهزة ومؤسسات الدولة. وإذا كانت جهود الإصلاح الإداري في عقد الثمانينيات والتسعينيات الهجرية أسهمت في وضع كثير من الأسس لبناء مؤسسات الدولة وأنظمتها الضرورية في تلك الفترة، فإن جهود التطوير الإداري الراهنة تهدف إلى تحقيق نقلة نوعية من خلال تحديث الأنظمة لتواكب المستجدات الحديثة، وبناء جهاز إداري يتفاعل باستمرار وبنجاح مع هذه المتغيرات، ويتمكن من تقديم خدمات تتصف بالجودة للمستفيدين، والقيام بتنفيذ سياسة الدولة بفاعلية في مجالات التنمية المختلفة في كل من القطاع الحكومي والأهلي على حد سواء. وتعنى هذه اللجنة التي ترأسها الأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز يرحمه الله بتنفيذ مشروع وطني متكامل باسم (مشروع التنظيم الإداري للأجهزة الحكومية). ويهدف المشروع إلى إعادة الهيكلة الإدارية لمؤسسات الدولة، ودراسة نظام الموظفين، وحجم الوظائف وأعداد الموظفين ومدى الحاجة إليهم، ومدى حجم كل مصلحة أو وزارة قياسا للمهام المنوطة بها، والنسبة والتناسب للرتب والمراتب. ومشروع التنظيم الإداري للأجهزة الحكومية بشكل عام يهدف إلى تطوير الجهاز الحكومي وتحديثه، الساعي لرفع كفاءة وفاعلية الأداء في الأجهزة الحكومية، تطوير الأنظمة واللوائح المالية وخفض وترشيد تكاليف أداء العمل الحكومي، تطوير الأنظمة واللوائح الوظيفية وتفعيل تطبيق مبدأ الجدارة في التوظيف، ورفع مستوى أجهزة الرقابة والمساءلة الإدارية، وتخصيص أقصى ما يمكن من الخدمات الحكومية، وإدارة ما يلزم إدارته من النشاطات الحكومية بأسلوب الإدارة التجارية، والتوسع في إدخال أنظمة الحاسب الآلي بكثافة في الأجهزة الحكومية. وتتم الدراسات الميدانية للمشروع من خلال فرق عمل فنية متخصصة، تشارك فيها وزارة الخدمة المدنية، ووزارة المالية، ومعهد الإدارة العامة، وممثلون عن الجهات التي لها علاقة بموضوع الدراسة، وتشرف على سيرها «الأمانة العامة للجنة الوزارية بمعهد الإدارة العامة». وتم تعيين أحد المتخصصين من أعضاء هيئة التدريب بمعهد الإدارة العامة «مديرا للمشروع» على أن يرتبط مباشرة بأمين عام اللجنة العليا للتنظيم الإداري، ويتولى مسئولية الإشراف المباشر على أعمال ونشاطات ودراسات فرق العمل. وتأتي جهود الأمير نايف في هذا المجال بعد أن أصبحت التنمية المحلية جزءا مهما في عمليات التنمية الوطنية الشاملة، وفى ظل العولمة أصبح للتنمية المحلية بعد عالمي يتجاوز الوضع المحلي إلى العلاقات مع الدول الأخرى ، إذ إن التنمية والاستقرار في أي منطقة يعدان عاملين محسوبين في الانفتاح على العالم الخارجي وبناء العلاقات الخارجية، وجذب الاستثمارات الأجنبية. وفي هذا الشأن رعى الأمير نايف المؤتمرات والندوات العالمية لمناقشة التنمية المحلية ومحاولة تبادل المعلومات من أجل تحقيق معدلات أعلى في التنمية المحلية. والواقع أن الإدارة المحلية في المملكة العربية السعودية قامت بدور مؤثر في التنمية المحلية. وسعى الأمير الراحل إلى اللحاق بركب الدول المتقدمة في الأخذ بنظم الحكم المحلي ونظم الإدارة المحلية، وليس هذا الاتجاه إلا نتيجة طبيعية لعدة متغيرات حدثت في العالم في القرن العشرين، خاصة في النصف الثاني من هذا القرن. وإيمانا منه بأهمية التطوير الإداري والتدريب أهمية بالغة في جميع أجهزة ومؤسسات الدولة، أنيط بالمجلس دور حيوي له أهميته كالتنظيم الإداري، والهياكل التنظيمية، ودراسة الإجراءات، والعمل على تبسيطها من خلال توزيع القوى العاملة وتطويرها بإتاحة فرصة الابتعاث والتدريب وتهيئة البيئة المناسبة لعملهم، وتوفير وسائل العمل التي تمكن الموظفين من الإنجاز بأعلى مستوياته من حيث الكم والنوع. ويهدف التطوير الإداري إلى رفع مستوى الوعي الإداري والفني لدى الموظفين وإلقاء الضوء على جوانب مختلفة من عمليات التطوير التي تختص ببيئة العمل، ويعمل على تسهيل أداء الخدمة والرقي بها عبر اقتراح أفضل السبل وأوضح الطرق مع الاستعانة بما توفره التقنية الحديثة من إمكانات تعين على تحقيق الأهداف العامة والسامية لأي إدارة، كما يهدف التدريب إلى الإسهام في تحقيق التنمية الإدارية ومواجهة التحديات الإدارية القائمة والمستقبلية، بما يخدم قضايا التنمية الشاملة في المملكة، ويعتبر شيئا أساسيا لإعداد الكفاءات البشرية وتطوير أداء الموظفين في المجال الإداري، وتنظيم الجهاز الحكومي والارتقاء بمستوى أدائه.