نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خريج مدرسة القصر.. الحكمة منذ عهد الصبا
سيرة نايف1
نشر في عكاظ يوم 18 - 06 - 2012

سيرة ومسيرة حياة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، رحمه الله، سيرة ثرية ومسيرة مكللة بالفخر، تتميز بمحطات ناصعة البياض وبهاء المواقف وشموخ الحكمة وصناعة التاريخ للوطن المضيء.
أنتم أحرار في تحديد مستقبلكم، لكني أذكركم بأن الصلحاء والأقوياء من الناس هم الذين يعرفون كيف يخططون لمستقبلهم، وليكن لديكم معلوما أن الأهداف لن تتحقق ما لم تدعموها بالعلم والمعرفة والخبرة والخلق القويم، وفوق كل هذا بالإيمان بالله وكتبه ورسله.
الملك عبدالعزيز
النشأة:
لم يمر عام واحد على توحيد المملكة العربية السعودية حتى جاءت ولادة الابن الثالث والعشرين للمؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.
ففي تلك الأجواء المليئة بالانتصارات والمشحونة بالوحدة والمدفوعة بعقيدة دينية صادقة والمكتنزة بالعزم على تطوير البلاد ونبذ الخلافات وتوحيد الصفوف جاءت ولادة نايف في مدينة الطائف عام 1353ه الموافق 1934م. كريم من كريمين، فوالده الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ووالدته الأميرة حصة بنت أحمد بن محمد السديري الزوجة السادسة من بين زوجات الملك المؤسس، المولودة عام 1318ه 1900م، وهي ابنة خال الملك، أنجبت له فهد وسلطان وعبدالرحمن وتركي (الثاني) وسلمان وأحمد وفلوة (توفيت صغيرة) وشعيع (توفيت صغيرة) وموضي (توفيت شابة) ولولوة والجوهرة ولطيفة (توفيت مؤخرا). لقد حظيت الأميرة حصة والدة الأمير بمكانة كبيرة ومنزلة عالية عند الملك عبدالعزيز نتيجة لأخلاقها الرفيعة وأدبها الجم، إذ يروى أن الملك عبدالعزيز كان يقول إنه لم يسمع منها يوما ما كلمة تسيء إلى أحد، ونتيجة لهذه المكانة فقد كانت من أحب زوجاته إلى نفسه. وقد عمرت رحمها الله بعد الملك عبدالعزيز وتوفيت في أواخر 1389ه 1969م.
وكانت الأميرة حصة امرأة بالغة الحنان والحب، فقد وهبت نفسها بإخلاص لتنشئة أبنائها. كانت الأميرة حصة من فضليات النساء، ومن أعقلهن وأقربهن إلى قلب الملك عبدالعزيز، وقد دأب على الإشارة إلى احترامه لها والإشادة بعظمتها وحصافة رأيها ودينها في أكثر من مناسبة.
كانت تعقد مع ابنائها اجتماعات خاصة تستعرض فيها حسن سير تقدمهم في دراستهم وشؤون حياتهم وتناقش معهم بصراحة ووضوح كل ما يهمهم. كانت شديدة الاهتمام بالغة الحرص على تمسكهم بالدين القويم، والولاء الشديد لأسرتهم ووالدهم، وقد كان الملك عبدالعزيز يقدرها حق قدرها حتى آخر رمق في حياته. كانت رحمها الله فخورة أيما افتخار بأبنائها جميعا، وكانت تعتز بتقدمهم ونجاحهم في حياتهم واهتمامهم بخدمة والدهم العظيم الملك عبدالعزيز.
التحق سمو الأمير نايف بمدرسة القصر، وهي عبارة عن غرفة واسعة الأرجاء تحتل حيزا في الطابق العلوي إلى جوار مكاتب الملك عبدالعزيز في بادئ الأمر ثم انتقلت إلى مقر المدرسة القديمة التي أسست في نهاية قصر الديرة من الغرب بجوار مخازن القصر، وتقع في الدور الأرضي، حيث أنشئت حين أنشئ قصر الديرة عام 1328ه الموافق 1910م، وقد درس فيها الجيل الأول من أبناء الملك عبدالعزيز وعدد من الأمراء والطلاب. كان يقوم بالتدريس في تلك المدرسة محمد بن عقيف، وعبدالرحمن بن عقيف، وناصر بن حمدان، وهم من حفظة القرآن الكريم ومن طلبة العلم الشريف. ثم أنشئت مدرسة الأمراء التي رعاها الملك عبدالعزيز واهتم بها امتدادا لاهتماماته بالعلم والتعليم حيث أحضر لها عددا من المدرسين المجيدين بإدارة أحمد العربي، وصالح خزامي، وأخيرا تسلم إدارتها عبدالله خياط، وأحمد علي الكاظمي، وحامد الحابس. أما المدرسة التي أشرنا إليها سلفا فهي مدرسة متوسطة من حيث الترتيب بين الأولى والأخيرة وكان يقوم بالتدريس فيها الأستاذ محمد الحساوي المتقن لفنون التدريس والخط وتعليم الفنون الشائعة آنذاك وهو من أهل الرياض، وكان يطلق عليه لقب«الحساوي» لكثرة زياراته وأسفاره للأحساء وبلدان الخليج، إلى جانب مدرسي المدرسة الأولى، ممن جئنا على ذكر بعض منهم.
وكان يقوم بتدريس المواد الرياضية والخط وبعض الفنون الشيخ محمد بن عبدالله العماني الملقب ب«السناري» وهو أستاذ كبير في شؤون التربية والتعليم، ويتقن العديد من الفنون المعرفية.
وكان الشيخ السناري أول من أدخل في تلك المدرسة طريقة تعليم الكسور في الرياضيات على الطريقة التجارية، وهي طريقة تختلف عن الطرق الحديثة في الكسور الاعتيادية والعشرية، حيث كانت تلك الطريقة تضع مصطلحا خاصا لأرقام النصف والربع والثلث والعشر.. الخ، وذلك قبل تطور علم الرياضيات في بلادنا، وكانت هذه الطريقة شائعة في الحجاز وفي بلدان الخليج بعامة، وقد هجرت تلك الطريقة في عهدنا الحاضر. ويظهر أن الشيخ السناري لم يستمر في تلك المدرسة حيث أعطاه الملك عبدالعزيز إذنا بفتح مدرسة خاصة في مدينة الرياض، فكان أن أسس مدرسة السناري المشهورة في «دخنة» مع الشيخ المرحوم ناصر بن عبدالله بن مفيريج وذلك في عام 1354ه الموافق 1935م.
ومنذ ذلك الحين تغير وضع مدرسة الأمراء بالرياض حيث أمر الملك عبدالعزيز عام 1354 ه الموافق 1935م بتنظيم مدرسة الأمراء في الرياض، وعهد بالقيام بأمرها إلى الأستاذين أحمد العربي، وحامد الحابس، وفي عام 1356ه الموافق 1937م أسندت إدارة تلك المدرسة إلى الشيخ المرحوم عبدالله خياط فاختار معه عددا من الأساتذة منهم الأستاذ أحمد علي الكاظمي، والأستاذ صالح خزامي، وقد استقبلهم الملك عبدالعزيز بنفسه عند افتتاح المدرسة بنظامها الجديد، وتحدث معهم بصراحة عما يريده لتعليم أبنائه، مؤكدا على أنه يريد قبل كل شيء الاهتمام بالقرآن الكريم والكتابة وبعد ذلك بقية الدروس، ثم أوضح لهم جلالته ما يود أن يكون عليه سيرهم مع الأمراء وأن يبدأوا معهم باللين والحسنى، وألا يتشددوا ويشددوا عليهم في أول الأمر فينفروا من التعليم.
وكان موقع المدرسة الجديد في الدور الثاني من قصر الديرة قريبا من الشعبة السياسية وهي عبارة عن عدد من الغرف ومنافعها.
وكان الملك عبدالعزيز يزور أبناءه في تلك المدرسة. و يقول لهم: أنتم أحرار في تحديد مستقبلكم، لكني أذكركم بأن الصالحين والأقوياء من الناس هم الذين يعرفون كيف يخططون لمستقبلهم، وليكن معلوما لديكم أن الأهداف لن تتحقق ما لم تدعموها بالعلم والمعرفة والخبرة والخلق القويم، وفوق كل هذا بالإيمان بالله وكتبه ورسله.
هكذا كان جلالة الملك، وهكذا كانت الأميرة حصة رحمهما الله، أما الطائف فهي مدينة مرتفعة تابعة لمنطقة مكة وتقع على قمة جبل غزوان، وهي مصيف يتميز بطبيعة خلابة وجو بارد معتدل وموقعها استراتيجي بين مناطق مكة ونجد من جهة والمنطقة الجنوبية من جهة أخرى. وتعتبر العاصمة الصيفية للمملكة العربية السعودية. يبلغ عدد سكانها 885 ألف نسمة حسب إحصاء عام 2004 منهم 82% سعوديون.
لم يكن فتح الطائف ودخول جيش الملك عبدالعزيز إليها سهلا ولم يكن ضربا من ضروب الخيال في فترة ماجت بالمواجهات الصعبة حتى استقرت الأمور في يد المؤسس الموحد الملك عبدالعزيز لتبدأ نهضة جديدة للبلاد في هذه المرحلة.
كانت الطائف مدينة صغيرة يعتبرها أهالي مكة مصيفا فيقصدونها في فصل الصيف ثم أصبحت عاصمة صيفية للحكومة وشهدت تطورا مطردا شأنها شأن بقية المدن والقرى السعودية وفقا لخطط استراتيجية وضع بذراتها الأولى الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه.
كانت الطائف في طور التشييد الحديث لم تتجاوز أحياؤها الرئيسة أربعة أحياء متقاربة تحيط بمسجد العباس ومن أهم معالمها قصر شبرا الذي تم اتخاذه مقرا للديوان الملكي كما كانت حاضرة لعدد كبير من القرى تحيطها من جوانبها الأربعة لتصبح تلك القرى جزء من أحياء داخلية بفعل التطور الذي شهدته في غضون سنوات قصيرة شأنها شأن بقية مدن وقرى المملكة.
الأمير الشاب
العرب قادرون على إعادة المكانة والسيادة لكل دولة عربية عن طريق الاعتماد على الله ثم التسلح بعزيمة الرجال والقوة التي تعتمد على العقل.
نايف
لم يتجاوز نايف من العمر 18 عاما حتى عين نائبا لأمير الرياض آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز حيث صدر قرار تعيينه بالأمر الملكي رقم 1264 في تاريخ 17/6/1371 هجرية.
أما قرار تعيينه أميرا للرياض وملحقاتها فقد صدر وفقا لمرسوم ملكي في تاريخ 3/4/1372ه حيث باشر مهامه العملية بالاهتمام بشق الطرق والشوارع مثل شارع الثميري والسويلم والشميسي إضافة لوضع استراتيجية لتوزيع الأراضي على المواطنين إيمانا منه بأهمية تنمية العاصمة وتعميرها.
يذكر الشيخ ثنيان الثنيان رجل الأعمال ورفيق درب الأمير أن نايف «أمير الرياض» امتلك بعد نظر أدرك معه أهمية التوسع مشيرا إلى أن أمير الرياض آنذاك وقف على مشروع مستشفى الشميسي إبان التأسيس وأمر بتوسعته لاستيعاب قاصديه لاحقا معارضا المؤكدين لكفاية مرحلة التأسيس كما ساهم في تنمية الرياض بسن القوانين الإدارية الرامية لتطويرها مهتما في البدء بالخطط والدراسات المستقبلية.
استقال الأمير نايف متفرغا للعلاج فصدر أمر ملكي بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز خلفا له.
وكانت إمارة العاصمة قد تعاقب عليها أمراء عدة فقد تولى أمرها صاحب السمو الملكي الأمير ناصر بن عبدالعزيز كأول أمير من أسرة آل سعود في عام 1356ه وظل أميرا لمنطقة الرياض حتى عام 1365ه، حيث قدم استقالته بعد أن ترك بصماته ظاهرة على صفحات تاريخ الإمارة.
ثم خلفه في إدارة شؤونها عام 1365ه، 1947م سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز حيث عين الأمير نايف في ذلك الوقت وكيلا للإمارة بموجب الأمر الملكي رقم 1264 وتاريخ 17/6/1371ه ثم عين سموه بعد ذلك أميرا لمنطقة الرياض بموجب المرسوم الملكي المؤرخ 3/4/1372ه وحتى 25/8/1374ه.
في 8/10/1395ه، صدرت الإرادة الملكية بالمرسوم الملكي رقم أ/236 بتعيين الأمير نايف وزيرا للداخلية سبقها بالطبع عمله نائبا لوزير الداخلية عام 1390ه ثم نائبا للوزير بمرتبة وزير من خلال الأمر الملكي الكريم رقم أ/165 في 17/9/1394ه حيث كان فعالا في تنفيذ ما من شأنه النهوض بالمستوى الأمني في الوطن. استطاعت الوزارة بناء استراتيجية عمل واضحة المعالم وتعاملت وفق خطط دقيقة للارتقاء بمستوى وعي المجتمع بالتزامن مع رقي الخدمات إلى أن تشعبت قطاعات وزارة الداخلية لملاءمة العصر حتى بتنا نتعامل مع جهاز بالغ الشفافية فكان أول القطاعات التي سمت متحدثيها الإعلاميين وحثتهم على انتهاج المصداقية في كافة الفضاءات الإعلامية بما يتواكب مع الحاجة الحضارية والأمثلة كثيرة جدا. بدأ نايف مشمرا عن ساعديه لتقديم نتائج مذهلة حيث جاءت طلائع الأعمال مرتكزة على التخطيط المستقبلي لبناء منظومة عمل متكاملة ليست حكرا على خدمة مجال دون الآخر، فوزارة الداخلية تقوم بمجموعة من المهام التي يمكن اعتبارها جساما وذات شمولية، ذلك أنها مسؤولة عن الفرد منذ الولادة حتى الوفاة، ولولا أن القائمين على هذه المسؤولية يدركون هذه الأهمية ما استطاعت توفير الأمن والاستقرار للوطن والمواطن في غضون سنوات قصيرة، وتنفيذ أحكام الله في العابثين والمنحرفين والمفسدين في الأرض بعد إجازتها من السلطة القضائية، والفصل في قضايا الحقوق الخاصة والعامة بين المواطنين، والإشراف على التحقيق في القضايا العامة والخاصة عن طريق أجهزة التحقيق المختصة، ولولا عزيمة القائمين عليها ما استطاعت وزارة الداخلية توعية المواطنين أمنيا ومحاربة الجريمة على مختلف أنواعها وأشكالها، وتنمية الإدارة المحلية والعمل على تحقيق مكتسبات التنمية وتوفير الأمن بمفهومه الشامل.. لولا هذه العزيمة لما أمكن تنظيم أوضاع الأجانب عن طريق مكاتب الاستقدام والمديرية العامة للجوازات وتوفير الأمن الجنائي، والمحافظة على أمن حدود المملكة، ومكافحة الجريمة والإرهاب وتنظيم أمن الحج بكفاءة عالية لفتت الأعناق لقدرة المملكة في إدارة الحشود. لا شك أن مهمات كتلك مضنية ومجهدة وتحتاج لعمل دؤوب وقدرة مضاعفة بل ووقت يفوق بكثير سنوات قصيرة ليست مقياسا لنهضة الشعوب قفزت من خلالها المملكة لتصل إلى مصاف الدول المتقدمة وفي غضون سنوات معدودة وظروف مختلفة وعوائق متعددة.
لم يكن نايف أول وزير للداخلية فقد سبقه لإدارة وزارة الداخلية كوكبة من أصحاب السمو الملكي وتلك مهمة صعبة خاصة إذا وضعنا في الاعتبار قول خير الدين الزركلي الذي نقله عن روم لندو من أن جزيرة العرب «كانت قبل عهد الملك عبدالعزيز ممزقة الشمل بسبب الثارات بين القبائل وكان السلب والنهب من المهن المعترف بها ولم تكن طرق القوافل أو قطعان الماشية من غنم وإبل في مأمن من التعدي».
ولذلك كان نشر الأمن في ربوع المملكة هدفا رئيسيا من أهداف المليك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود يرحمه الله، وهو ما تحقق بفضل الله ثم برعاية وزارة الداخلية. وقد مر تاريخ وتشكيل الوزارة وقطاعاتها المختلفة بتطور إداري وتنظيم متواصل أهلها لتحمل مسؤولية ألأمن في وطن بحجم قارة.
لم تكن وزارة الداخلية في ذلك الوقت أكثر من منظومة أمنية ذات تخصصات محدودة تعنى بأمن البلاد ولم تكن الجرائم متشعبة ومتنوعة ومعقدة ومنظمة، وكان القيمون على الأمن يبذلون جهدا جهيدا في استتبابه بفضاءات الوطن معتمدين على إمكانات تلائم تلك المرحلة بدءا بالعسس وانتهاء بحرس الحدود مرورا بأمن الداخل وتسيير حياة الناس، فالحياة في جلها لم تكن معقدة والجرائم محدودة في الشكل والنوع معظمها يتركز بالمشاكل الخلافية والنزاعات القبلية على اعتبار أن المجتمع آنذاك مجتمع قبلي صرف. البداية كانت عام 1344ه عند تكوين النيابة العامة لتشرف على منطقة الحجاز إداريا، وعندما صدرت التعليمات الأساسية في 12/2/1345ه كانت الأمور الداخلية جزءا من النيابة العامة وكانت تضم الأمن العام والبرق والبريد والصحة العامة والبلديات والتجارة والزراعة والصناعه والمعادن وسائر المؤسسات الخصوصية، وهي بمجموع تشكيلاتها تدار من النيابة العامة.
في العام 1350ه، وبالتحديد في 19/8 صدر نظام الوكلاء ونص في مادته العشرين على أن «يحول اسم النيابة العامة الحالية إلى وزارة الداخلية ويصبح اسم الديوان ديوان النائب العام ورئاسة مجلس الوكلاء».
وطبقا لهذا القرار فقد اشتملت وزارة الداخلية على الصحة والمعارف والبرق والبريد والمحاكم الشرعية والشركة العامة والبلديات والأوقاف.. وكانت ضمن المسؤوليات التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالعزيز، رحمه الله.
استمرت الحال هكذا حتى 9/3/1353ه حين دمجت اختصاصات الوزارة لرئاسة مجلس الوكلاء.. وفي عام 1370ه أعيد إنشاء وزارة الداخلية بمرسوم ملكي فأصبحت مسؤولة عن الإدارة المحلية الممثلة في إمارات المناطق والقطاعات الأمنية في منطقة الحجاز، وبعد أن انتقلت الوزارة من الحجاز إلى الرياض في عام 1375ه تولت الإشراف بالتدريج على مناطق المملكة حتى اكتمل إشرافها في عام 1380ه.
وقد تولى المسؤولية المناطة بوزارة الداخلية في بادئ الأمر صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، ثم صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل في الفترة من 26/8/1370ه وحتى 20/9/1378ه. ثم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، في الفترة من 20/9/1378ه وحتى 8/1/1380ه. ثم صاحب السمو الأمير مساعد بن عبدالرحمن، رحمه الله، في الفترة من 8/1/1380ه وحتى 3/7/1380ه. ثم صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، في الفترة من 3/7/1380ه وحتى 1/4/1381ه. ثم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن تركي بن عبدالعزيز، رحمه الله، في الفترة من 1/4/1381ه وحتى 3/6/1382ه. ثم صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبدالعزيز آل سعود (خادم الحرمين الشريفين)، رحمه الله، في الفترة من 3/6/1382ه وحتى 17/3/1395ه. ومنذ ذلك الحين وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود هو الذي يتولى مهام وزارة الداخلية بالأمر الملكي رقم 1/53.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.