شكل تنفيذ أغلب بنود المرحلة الأولى من الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، البنية التحتية الضرورية لانطلاق الحوار الوطني، وأي تأخير في الحوار لا محالة سيزيد من تعقيد وضع معقد أصلا، ويفتح أبواب الشر لإنتاج صراعات عبثية تنسف ما تم إنجازه. وخوض غمار الحوار الوطني لا يعني تجاهل المشاكل التي أنتجتها المرحلة الأولى، فالاعتراف بها وفهمها والتعامل معها بواقعية، والسعي لحلها بعقلانية ضروري لتجاوزها، أما توظيف تلك المشاكل لإعاقة الانتقال إلى المرحلة الثانية، وتأجيل الحوار فإن ذلك يؤدي إلى إضعاف التسوية السياسية، وإنتاج أزمات مركبة معيقة للتغيير الذي انطلقت مسيرته بخارطة طريق حكيمة وواضحة. من يتابع ما يجري في الساحة اليمنية لابد أن يلاحظ أن إعاقة تنفيذ الآلية مرتبط بطبيعة الصراع الذي يتحرك خارج سياق التسوية السياسية، فالقوى الفاعلة تعاني من فوبيا ماذا بعد؟ وكيف يمكن ضبط نتائج الصراعات التي أخذت في بعض ملامحها أبعادا ثأرية وانتقامية. في ظل واقع مضطرب وقلق أنتج توازنا هشا ومازالت بعض القوى الأكثر تأثيرا تطمح بحسم المعركة لصالحها خارج نصوص المبادرة، وبما يتناقض مع التسوية السياسية، دون إدراك أن انهيار التوازن الحالي سيكون انتحارا لإطرافه وللدولة. الأمر بحاجة إلى فتح أفق التواصل والاتصال، وإعادة بناء الثقة وطمأنة كل طرف على مستقبله، وهذا يحتاج إلى بناء مصالحات ثنائية وجماعية بين الأطراف الفاعلة، وضبط الأداء الإعلامي وحركة الساحات المحتجة، وسلوك مراكز القوى. ومن المهم تحرير الإدارة العامة من التسييس حتى تتمكن المؤسسات من تأدية وظيفتها خارج سياق الصراع السياسي، بما في ذلك إعادة هيكلة الجيش والأمن ففي هذه اللحظة الغامضة من المفترض أن تركز وظيفة الأمن والجيش على مواجهة الإرهاب، وضبط الأمن في الجغرافيا اليمنية مع ضرورة الالتزام الكامل بوظائفها الدستورية، وفي الوقت نفسه تطوير أدائها، وإعادة بنائها وهيكلتها بالتدريج وفق خطة منهجية واضحة بما لا يخل بقدراتها على مواجهة التهديدات التي تواجهها الدولة والمجتمع. وعلى الأطراف المتنازعة أن تستوعب واقعها، وأن تغادر أوهامها، وأن تدرك أن تركيبة القوة في اليمن لا يمكن تغييرها بأدوات القسر والعنف في ظل التحولات التي أفرزتها السنة الماضية، وفي ظل تسوية سياسية مسنودة إقليميا ودوليا.