تمثل الانتخابات الرئاسية المبكرة مخرجا سلميا وحيدا تمسكت به كل الأطراف اليمنية، رغم أن المتابع لتنفيذ المبادرة يجد أن بعض بنودها التي كان من المفترض تنفيذها قبل الانتخابات قد تم تأجيلها إلى مابعد الانتخابات الرئاسية، فالصراع بين القوى المتنازعة مازال قائما، وكل طرف يعرقل مسارات التنفيذ ويتهم الآخر، والهدف من ذلك هو عرقلة الانتخابات الرئاسية، وهذا ما جعل المراقبين يتجاوزون تنفيذ تلك البنود والإصرار على الانتخابات الرئاسية باعتبارها النقلة الحاسمة في تنفيذ المبادرة، وستمكن الرئيس الجديد من ضبط إيقاع الصراع وحسم الاختلاف القائم بين الأطراف الموقعة على المبادرة باعتباره محور الشرعية القادمة، والمالك لحق اتخاذ القرارات في تنفيذ المبادرة وآليتها التنفيذية وبالتعاون مع حكومة الوفاق الوطني. تأتي أهمية الانتخابات باعتبارها أيضا مرتكزا محوريا لانتقال السلطة بشكل سلس وسلمي، وخيارا حكيما لطمأنة جميع الأطراف وتمكينها من الانتقال إلى فترة انتقالية لمدة عامين يتم خلالهما بناء الدولة ومعالجة المشاكل المختلفة التي تراكمت في الفترات الماضية والتي أفرزتها أحداث العام الماضي، واختيار هادي كرئيس توافقي كان قرارا عقلانيا مستوعبا لواقع النزاع ولتركيبة القوة الفاعلة في الساحة اليمنية، وضرورة لاستمرار التوازن ولضبط المتطرفين ، فلو لم تكن الانتخابات توافقية لكانت الانتخابات الرئاسية التنافسية مدخلا لتفجير حرب بين القوى المختلفة، ولو لم تكن من خلال الصندوق فإن شرعية الرئيس المقبل ستكون ضعيفة، وربما تؤسس لأفكار انقلابية لدى الطرفين المتنازعين. ونظرا لأهمية الانتخابات لإنجاح المبادرة وتنفيذ بقية بنودها فقد تم اتخاذ الكثير من الإجراءات لتكون مستوفية للمعايير الديمقراطية ولو بحدها الأدنى وبإسناد ودعم الدول المراقبة على تنفيذها والتي تمارس ضغوطا قوية على جميع الأطراف للحد من محاولة إضعافها، وعلى الرغم من دخول الأطراف الموقعة في هوس تأييدها لإثبات مصداقيتهم، ولكسب الرئيس الجديد إلا أن الانتخابات تعاني من إشكاليات في وسط مؤيديها ناهيك عن المقاطعين، ودخل اليمنيون في جدل واسع فيما بينهم وعلى ما يبدو أن الجدل سيستمر بعد الانتخابات. فالمؤتمر الشعبي العام حزب صالح يؤكد أنه من صنع المبادرة، وأن صالح ظل مصرا على خروجه من خلال الانتخابات بهدف ترسيخ الفعل الديمقراطي، وضبط التحولات حتى لا تبتلع حزبه ، وأن التسوية السياسية لم تحرم عليه ممارسة العمل السياسي، ويؤكد أن الانتخابات تمثل مدخلا ضروريا لتأكيد أن ما جرى في اليمن ليس إلا أزمة سياسية وليست ثورة مؤكدا أن خروج صالح مسألة طبيعية تفرضها المعايير الديمقراطية التي أسس لها صالح وحزبه، ففي ظل احتجاجات واسعة ضده فإن الانتخابات المبكرة صارت ضرورة ديمقراطية، محاولين إثبات قدرتهم على إدارة اللعبة السياسية بذكاء وحنكة فقد أفشلوا المخطط الانقلابي وتمكنوا من الحفاظ على قوتهم، وأنهم لم يخسروا كثيرا فأمين عام حزبهم من أمينهم ونائب رئيسهم صالح سوف يكون رئيسا لليمن، وهذا الطرح تستغله الأطراف المقاطعة للانتخابات من مستقلين وحوثيين وتكوينات الحراك الجنوبي ويتهمون أحزاب المعارضة أنها خانت الثورة وعقدت صفقة لاقتسام السلطة، وأنهم مستمرون في ثورتهم حتى تحقق أهدافها. الإشكالية الأكثر تعقيدا والتي يزيد من تعميقها طرح المؤتمر والمقاطعين تعاني منها المعارضة التي لم تجد لتفكيك الطاقة التعبوية لمدة سنة ضد النظام ومرتكزاته ولمواجهة من ينتقدها إلا أن تتبنى خطابا تبرريا للانتخابات باعتباره فعلا ثوريا لإتمام رحيل صالح والقضاء على نظامه، واستكمالا لأهداف الثورة، والتأكيد أن الثورة مستمرة في مواجهة بقايا النظام والخونة العملاء المقاطعين للانتخابات لأهداف صغيرة لا علاقة لها بالتغيير وأمن اليمن واستقراره. وفي خضم الحملة الانتخابية فإن أحزاب المشترك المعارضة في وجهتها لخصومها ولإقناع أعضائها وأنصارها بالانتخابات أدخلها في تناقضات كثيرة مما ورطها في ممارسة تضليل إعلامي؛ فهي تتعامل مع الانتخابات كقرار تم التوافق عليه لا يمكن رفضه ومن جهة أخرى تؤكد أن قبولها كان كرها ونتيجة لضغوط دولية وإقليمية، وأن الانتخابات شكلية لكنها ضرورة وواجب ديني وتتعامل معها كمدخل خلاصي. وهي بهذه الطريقة تقع في ورطة تهديد شركائها وإخافتهم وتعيد تعبئة الشارع لجولة صراع قادمة، وهنا مكمن الخطر الذي قد يهدد التوافق، ويدخل اليمن في نزاع وصراع عبثي قد يقودنا إلى إنتاج ديكتاتورية مرنة إن ظل اليمن متماسكا. الانتخابات من ناحية عملية واقعية ونتاج حكمة مدركة لواقع اليمن ولطبيعة الصراع، فتركيبة القوة وانقسام المجتمع والتناقضات العميقة على مستوى الواقع قبليا وطائفيا ومناطقيا، ناهيك عن انقسام الجيش وعجز كل طرف عن الحسم، وكارثة لجوء أي طرف للقوة على مصالحه وعلى اليمن كل ذلك جعل جميع الأطراف تقتنع بالتسوية السياسية وانتقال السلطة من خلال انتخابات مبكرة. و نلفت النظر إلى أن أغلب المقاطعين للانتخابات لديهم قناعة أن الانتخابات ليست إلا تحصيل حاصل لإتمام تنصيب عبدربه منصور هادي الذي أصبح رئيسا بمجرد توقيع المبادرة الخليجية من قبل صالح، وتوافق القوى الفاعلة على المستوى الواقع على أن يكون مرشحهم التوافقي، وتأييد إقليمي ودولي قوي وحاسم، من جهة أخرى يدرك الرافضون للتسوية السياسية أن الانتخابات ستتم وستكون محمية من الغالبية العظمى من أبناء اليمن، وسيعترف بها العالم، وأنه لا يمكن التشكيك بشرعيته أو إفشال تنصيبه كرئيس للجمهورية اليمنية؛ لذا فالمقاطعون يترقبون نتائج الانتخابات ويمارسون ضغطا قويا لصالح المقاطعة وقد استخدمت بعض الأطراف العنف لعرقلة أعمال اللجان الانتخابية من ممارسة عملها، ولتخويف الناس من الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وهذه الممانعة ربما تهدف إلى إثبات أن قوتهم الفعلية في الميدان كبيرة حتى يتمكنوا في مرحلة الحوار القادم من فرض أجندتهم وأهدافهم، أو تبرير أي أعمال في المرحلة القادمة.