«القوقعة» هنا ليست على الشاطئ، بل عند وكيلين تجاريين حصريين في المملكة، حددا سعرها من 90 إلى 120 ألف ريال، والسر في ارتفاع السعر، قدرتها على إعادة سماع الأصوات للصم، ولا خيار أمام أسر 35 طفلة وطفلا، يمثلون أكثر من 40 ألف أصم في أنحاء البلاد، سوى الاجتماع اليوم في استراحة شرقي جدة، للتباحث عن دواء بات داء بسبب غلائه، وتبعاته التي لا تنتهي، مهما كلف الثمن. المواطن ماجد الزهراني نجح في توفير «القوقعة الإلكترونية»، رغم سعرها الجنوني، لابنتيه لميس (5 سنوات)، و دانة (4 سنوات)، لكن فرحته وزوجته لم تدم طويلا ببدء ابنتيهما سماع ضجيج هذا العالم، فالسماعة بحاجة إلى صيانة، وأخصائيين في تخصصات السمع والتخاطب واللغة، والطب النفسي السلوكي، والتربية الخاصة، والتأهيل في مجال الصم، وضعاف السمع. ويبين ماجد الزهراني، وهو موظف في قطاع حكومي، أن مشكلته، ومشكلة أكثر من 20 أسرة، أطفالها يعانون من فقدان السمع، افتقاد دور ملموس من القطاعات الحكومية المتمثلة في وزارتي الصحة والتعليم، إذ يطالب بأن تسهم في الخطوات الأهم في تأهيل الأصم البادئ في السمع بعد إجراء العملية. ويقول ماجد الزهراني، إن أهالي «أطفال القوقعة»، كما يطلقون على أنفسهم عبر تجمعهم الإلكتروني المولود منذ ثلاثة أشهر، يعانون في تأهيل أبنائهم بعد تركيب «القوقعة الإلكترونية»، كون المستشفيات الحكومية الكبرى لا يتوافر لديها اختصاصيون في لغة التخاطب وقراءة الشفاه، والبطاريات الخاصة بالقوقعة بحاجة إلى تغيير شهريا، وللحصول عليها لا بد من التوجه إلى الوكيل، والتكلفة الشهرية 250 ريالا شهريا. ويضيف «لا تتوقف المشكلة بتركيب القوقعة، فهي دون فائدة إذا لم يل تركيبها توافر اختصاصي في لغة التخاطب وقراءة الشفاه، واضطررت للتعاقد مع أخصائية عربية انتقلت إلى المملكة بعد زواجها أخيرا، وعن طريق الصدفة، بمبلغ 2000 ريال شهريا». ورغم وجود مركزين صحيين يوفران جلسات تأهيل لأطفال القوقعة، بيد أن الجلسة الواحدة تبلغ 250 ريالا، والطفل الواحد بحاجة إلى 12 جلسة شهريا، ما يحمل عاتق الأسرة ثلاثة آلاف ريال شهريا. وكون القوقعة التي توصل إلى اختراعها فريق طبي فرنسي بعد بحوث دامت ثلاثة عقود، تتكون من ثلاثة أجزاء، لكل جزء منها صيانة خاصة، وبطاريات، وأجهزة مختلفة كجهاز سحب الرطوبة، وتكلفة هذه الصيانة مضافة إلى التكاليف السابقة تقتص من أجر ماجد الزهراني البالغ سبعة آلاف ريال شهريا، نحو أربعة آلاف ريال. بيد أن والد لميس ودانة يعد محظوظا، مقارنة بأولياء أمور «أطفال القوقعة»، الذين يعيشون في مناطق لا تتوافر فيها مراكز صحية أو تعليمية تهتم بهذه الفئة، ما يدفعهم إلى التوجه نحو العاصمة الرياض، أو جدة للحصول على القليل من التأهيل، ولفترة زمنية محدودة، وهدر مالي لا ينتهي في كافة المراحل. ويعتزم أهالي «أطفال القوقعة» في اجتماعهم اليوم في جدة، وضع خطط تسهم في تسليط الضوء الحكومي والإعلامي على أطفالهم، ودعم دراسات توفر وسائل تأهيل أسهل وأرخص، والتشجيع على تقديم خدمات استشارية وبحثية في مجال الإعاقة السمعية وزراعة القوقعة الإلكترونية، عن طريق الاستشاريين المختصين والأطباء والمهتمين في هذا المجال، والعمل على دمج زارعي القوقعة بالمجتمع وتهيئة البرامج المساعدة. وإذا كان أسر الأطفال المجتمعون اليوم يسعون إلى تذليل الصعاب لاقتناء «قوقعة»، فهم من زاوية أخرى يزرعون «قوقعة» في آذان المجتمع لسماع أصواتهم، والذي لم يحرك ساكنا بعد إعلان تعثر إنشاء أربعة أندية للصم على لسان رئيس النادي سعيد القحطاني. ووسط الحاجة لإيجاد مراكز واختصاصيين، يقف مئات الخريجين المختصين بتعليم وسائل التخاطب في طابور البطالة يبحثون عن «قوقعة مهنية».