يقولون إن المرء ابن بيئته، والبيئة ذات مفهوم شامل، إذ تتضمن الجغرافيا المحيطة بالفرد، تاريخه، عاداته وتقاليده، تراثه... إلخ. وما أظن الجغرافيا العربية بتلك التي تساعد على نمو الشخصية العدوانية التي تعشق الدماء، كما لا أظن أن التاريخ العربي كذلك، ولا عاداتنا ولا تقاليدنا، وبالطبع، فإن ديننا بريء من كل شبهة عشق للقتل، وغرام بالدماء، فهذا قرآننا عفو ندي بين أيدينا، نتلوه بألسنتنا، وكثير منا لا تتجاوز حروفه وكلماته الحناجر، وربما كان هذا مكمن الخلل، وسر القصور في الشخصية العربية المعاصرة. أكتب تلك الكلمات وأنا أراقب ما يحدث في وطننا العربي الإسلامي، وأقارنه بما أمرنا الله تعالى به في كتابه العزيز، الذي شكل الحضارة العربية والإسلامية على مدى أربعة عشر قرنا. فبم صور القرآن الكريم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم: «أشداء على الكفار رحماء بينهم»، لكننا عكسنا هذا الوصف، فصرنا رحماء بالكفار أشداء فيما بيننا، إذ لم يحدث في تاريخنا الحديث المؤسف أن حاربنا أعداءنا، كما نتقاتل فيما بيننا، بل إن دولا شقيقة لم تطلق قذيفة واحدة على الدول التي تحتل أرضها بينما تطلق جيوشها نيران أسلحتها وقذائف دباباتها على أفراد شعوبها. وبم طالبنا القرآن الكريم؟: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» لكننا قطعنا حبل الله، وتفرقنا شيعا وجماعات، وما السودان عنا ببعيد. والنهي القرآني واضح وصريح في عدم قتل أنفسنا: «ولا تقتلوا أنفسكم»، لكننا قتلنا أنفسنا، وقتلنا إخواننا الآمنين، والمشهد المأساوي في ليبيا يؤكد عدم الالتزام بهذا النهي الرباني. كثيرة هي مخالفات العرب في عصرنا الحديث لما جاء به الدين الحنيف، والكل يزعم إيمانه وإسلامه وإقراره بكتاب رب العالمين. فهل ما نشهده على الساحة في بلاد العرب يتفق حقا وأسس دينهم ومبادئ إيمانهم، أم أنهم يقولون ما لا يفعلون، بل يفعلون عكس ما يجب أن يكونوا به مؤمنين؟!. أين الخلل إذن.. ؟!. يزعم الغربيون وهم أرباب سفك الدماء وصناعه أن ما نحن عليه من اقتتال وسفك للدماء وتفرق وتشرذم، إنما مرده إلى الإسلام، والإسلام كما ذكرت بعض أوامره ونواهيه براء من ذلك، فالعيب والخلل في الشخصية العربية المسلمة التي تحتاج إلى إعادة تأهيل إسلامي، وهذا ما ينبغي أن يعرفه الغرب عنا، فالعيب فينا، والخلل في أنفسنا، وينبغي أن نحاكم على جرائمنا في حق أنفسنا، وفي حق إخواننا.. وقبل ذلك كله جرائمنا في حق ديننا. اللهم إننا بريؤون مما يفعل السفهاء منا.