حب الوطن، والوفاء له، والتضحية من أجله.. مفاهيم عميقة ودقيقة، لكنها تبقى نظرية ما لم تُصغ في قوالب عملية، تؤكد حقيقة الإيمان بتلك المبادئ، فأداء الأمانة والمسؤوليات، وحفظ الحقوق، وبذل الجهود، والمساهمة في البناء والنماء صور من الصور المتعددة للوفاء للوطن. ولكن صورة التضحية بالنفس هي أسمى تلك الصور الرائعة للممارسات العملية لأرقى المفاهيم الوطنية، التي تؤكد علو الهمة، وقدم السبق، وتلك المبادئ والمثل تزداد رقيًّا وشرفًا حينما يكون الوطن في حجم مكانة المملكة العربية السعودية، حاملة لواء الإسلام، ومأرز الإيمان، ومهد الحضارات.. البلاد الطاهرة المباركة التي شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين، فالدفاع عنها، والذود عن حياضها واجب شرعي ندين الله به.. وحينما يستشهد رجال هذا الوطن في مختلف ميادين الشرف، سواء ممّن يدافعون عن حدود بلادنا، أو ممّن يتصدون لمن يريد أن يخترق وحدتنا الوطنية، وإخوتنا الإيمانية، وبث الرعب والخوف والإرهاب بين الصفوف، فيقتل الأنفس البريئة، ويهلك الحرث والنسل في البلد الحرام الذي يطبّق شرع الله حكمًا ومنهجًا، ولا يقل عنهم قدرًا أو فضلاً إخواننا الذين يستشهدون في عمليات القبض على المفسدين في الأرض من مروّجي المخدرات، ورجال الدفاع المدني الذين هم أيضًا على ثغر عظيم في التصدّي للكوارث، ومخاطر السيول والحرائق يحيون -بإذن الله- أنفسًا بريئة، وينقذونها من براثن الأخطار.. «ومَن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا»، فمَن يُقتل من كل هؤلاء نحتسبهم شهداء عند الله، «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون». فلا شك أن أولئك الرجال قد تجاوزت مفرداتهم الوطنية كل المفاهيم؛ لتعبّر وبجلاء عن أجمل معاني المواطنة الحقة في صور من العطاء والإخلاص والفداء، إنها قلوب أُسد في صدور رجال، ورياح زعازع في ثبات جبال، هم على الأعداء بلاء واقع، وسم ناقع، وعلى إخوانهم دواء وبلسم شافٍ «أشداء على الكفار رحماء بينهم» اقتحموا حياض المنية بنفوس وثابة أبية، فما أعظمهم من مفقودين، وما أكرمهم من ملحودين، قدّس الله أرواحهم، وألبسهم ثياب الغفران في أعلى الجنان.