نشرت صحيفة الرياض 7/4/1432ه تحقيقا صحافيا عن اتخاذ يوم السبت عطلة مع يوم الجمعة بدلا من الخميس، فتكون الإجازة الأسبوعية هي الجمعة والسبت، فكانت كل الأقوال تؤيد هذا الاتجاه، وحجج هؤلاء وكلهم من رجال الأعمال أن هذا الإجراء سوف يسهل للناس التعامل التجاري مع دول العالم الخارجي، حيث إن الإجازة الأسبوعية في تلك الدول هي السبت والأحد؛ فإذا أضفنا يوم السبت في إجازتنا الأسبوعية بدلا من الخميس فإن الوقت المتاح للتعامل التجاري مع تلك الدول سوف يكون أوفر وله مردود أحسن بصفة عامة. مضيفين أنه ليس ثمة تعارض مع ديننا الحنيف في هذه المسألة. وهذه كلها مغالطات بعضها فوق بعض!. أولا فإن هذا الذي يتحاشون الوقوع فيه هو قائم بين دول العالم كلها في مشارق الأرض ومغاربها، وما أقدم أحد من تلك الأمم على تغيير أعيادهم ولا إجازاتهم. وفارق الزمن باحتساب ساعات العمل بين دول أوروبا وغرب أمريكا مثلا هو نفسه الذي يتكلمون عنه بين المملكة وشرق أمريكا، فإن دوام البنوك والعمل التجاري في دول أوروبا ينتهي عند الساعة الخامسة مساء، ويكون العمل في نيويورك مستمرا لست ساعات أخرى بعد إغلاق الأعمال في أوروبا. وفي سانفرانسيسكوا في غرب أمريكا يبقى العمل لتسع ساعات أخرى، فكافة المدن التجارية في أمريكا تعمل في معظم أوقات دوامها اليومي في الوقت الذي تكون المحال والمكاتب التجارية مغلقة في دول أوروبا. ونفس الإشكال واقع بين اليابان ودول شرق آسيا من جهة، وأوروبا وأمريكا من جهة أخرى، فمن أين جاءت هذه الدعوى الباطلة من أن هناك نفعا تجاريا في تعطيل يوم السبت بدلا من الخميس؟! إضافة إلى أن كما هائلا من تعاملات المملكة وتجارتها مع أمريكا قد تحول في السنوات الأخيرة إلى الصين ودول شرق آسيا، بعد أحداث سبتمبر. فتصبح دعاوى هؤلاء والحال كذلك على نقيض مقصدهم في إطالة الوقت المشترك بين تلك الدول. وهناك مغالطة أخرى في هذه الدعاوى الباطلة؛ ذلك لأنه بسبب التعامل بالشبكة العنكبوتية (الإنترنت) فإن العالم كله في مشارق الأرض ومغاربها أصبح وكأن الناس جميعهم يعيشون في قرية واحدة صغيرة، لا حواجز فيها من زمان ولا مكان. فإن المرء اليوم أصبح وهو قابع في بيته في أية ساعة من ليله أو نهاره خلال أيام الإجازة أو في غيرها عنده أو عند من يتعامل معه يدخل هذه الشبكة ويبيع ويشتري ويعقد ما شاء من صفقات، وليس ثمة أثر ولا قيد أنملة لما يدعونه من نفع تجاري في تعطيل السبت أو الأحد أو يوم آخر. وثالثة الأثافي في هذه المغالطات أنه ليس ثمة تعارض في ديننا الحنيف في تعطيل الناس لأعمالهم يوم السبت بدلا من الخميس. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يوما السبت والأحد في دول أوروبا وأمريكا هما يومان من جملة الأيام أم أنهما عيدان دينيان؟ لا يجهل أحد من أصحاب هذه الدعوى أن السبت عيد ديني لليهود وأن الأحد عيد ديني للنصارى؛ فلقد شرع الله سبحانه وتعالى يوما عيدا للمسلمين، كما قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع...». كما شرع سبحانه وتعالى لليهود السبت عيدا، كما قال تعالى: «.. إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا...». وشرع سبحانه وتعالى يوم الأحد عيدا للنصارى. فتفضيل الأيام مثل الجمعة، أو الشهور مثل رمضان، أو البقاع مثل مكة، أو الرسل والأنبياء كما قال تعالى: «تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض»، كل هذه الأمور مرجعها إلى الله سبحانه وتعالى، فيكون اتباع تشريعاته فيها من باب العبادة، والعبادة الأصل فيها الوقف؛ بمعنى أنه لا يقدم المرء بشيء فيها ما لم يكن له في الشرع بخلاف العادات والمعاملات إذ الأصل فيها الإباحة، فلا يمتنع المرء عن فعل شيء منها ما لم يكن هناك نهي من الشرع فيه، كما بين ذلك ابن النجار في الكوكب (1/325) وابن قدامة في الروضة (22) والأسنوي في نهاية السول (1/154) والكمال في التحرير (1/172) والغزالي في المستصفى (1/63)؛ ولذلك يصبح طرح مسألة تعطيل يوم السبت في المملكة على طاولة المناقشة أمرا لا معنى له، إذ إن فرض المسألة هنا هو اتباع شرع الله فيها، فلا يكون لطرحها للمناقشة معنى، إلا من باب التقديم بين يدي الله ورسوله، وهذا أمر مردود، كما قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله...». أضف إلى ذلك أن الأعياد هي من شعائر الأمم والشعوب. وإظهار عيد غير المسلمين في بلاد الإسلام أمر مستهجن، كما قاله ابن تيمية في الفتاوى (22/462). ولذلك كان عمر بن الخطاب عندما فتحت الفتوحات ودخل غير المسلمين من اليهود والنصارى تحت حكم الإسلام كان يمنع غير المسلمين إظهار شعائرهم في ديار المسلمين. فالعبرة إذا في مسألة تعطيل يوم السبت بما جاء فيه من نصوص شرعية هي في موضع النزاع، وهو أن السبت يوم عيد لليهود، وإظهاره في بلاد الإسلام أمر مستهجن ولا يحسن الدعوة إليه، وهو منزلق لا يؤمن أن ينحدر الناس فيه تحت طائلة قوله تعالى: «أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله». والشيء بالشيء يذكر. فإن فريقا من أصحاب هذه الدعوى قد طالبوا قبل سنوات بإلغاء التعليمات الحكومية في إغلاق المتاجر أثناء الصلاة، بحجة أن أداء الصلاة في المساجد ليس بواجب، وأنه لا يوجد في الشرع ما يوجب هذا الإغلاق، وأن هذا لم يكن موجودا في عهد التشريع. وهذه كلها أيضا دعاوى باطلة. ولقد أمر الله بترك البيع للصلاة كما قال تعالى: «... إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع». والآية وإن جاءت في صلاة الجمعة إلا أنها تشمل كافة الصلوات؛ لأن لفظ الجمعة خرج مخرج الغالب، لأن غالب ما كانت التجارة تكثر في ذلك اليوم. كما أخرج ابن أبي حاتم في محاسن التأويل للقاسمي (7/215) أن ابن عمر كان يمشي في الأسواق فإذا أقيمت الصلاة أغلق الناس حوانيتهم ودخلوا المسجد للصلاة. فقال ابن عمر فيهم نزل قوله تعالى: «رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة...». وهذا نص آخر في موضع النزاع. ذكر هذا الرازي في التفسير الكبير (24/4) والقرطبي في الأحكام (18/279) وابن عاشور في التحرير (9/248) وأبو حيان في البحر المحيط (8/48). فمن أين جاء هؤلاء أصحاب هذه الدعوى بأن الناس في عهد التشريع لم يكونوا يغلقون متاجرهم؟! [email protected] فاكس: 6975040 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة