تشكل الشخصيات الكرتونية باختلاف أشكالها تأثيرا كبيرا على الطفل من حيث الهوية والعادات والتقاليد التي تقدمها، والتي تكون في أكثر الأحيان بعيدة عن الواقع الذي يعيشه الطفل. وتتخذ هذه الشخصيات أشكالا عديدة، فتارة تظهر علينا بأفلام كرتوينة وأخرى بدعايات ترويجية وثالثة عن طريق الألعاب ورابعة بكركترات تظهر علينا في المراكز التجارية، والملاحظ من هذه الأشكال كلها غياب الشخصية الكرتونية العربية فالغلبية العظمى لهذه الدمى هي لشخصيات غربية، بعيدة تماما عن ثقافتنا وقد تستخدم أحيانا لتمرير قيم تخالف ديننا وعاداتنا وتقاليدنا. المختصون والمهتمون اختلفوا حول المسألة، فمنهم من أكد أن الشخصيات الكرتونية تقدم للطفل الإيجاب والسلب إذا كان هناك مراقبة أسرية، وآخرون رأوا أن هذه الشخصيات تشكل غزوا فكريا خطيرا على قيم وثقافة أطفالنا. «عكاظ» طرحت الموضوع على طاولة المختصين واستعرضت آرائهم حيال الموضوع في السطور التالية: في البداية اتفق أولياء الأمور على المراقبة الأسرية التي يجب أن يحظى بها الأطفال خلال مشاهدتهم الرسوم الكارتونية؛ لكي لا تتحول تلك المشاهدة البسيطة لأمور سلبية تنعكس على حياة الطفل مستقبلا. حيث أشارت هني شايف إلى أنها توقعت في وقت سابق أن الرسوم الكرتونية لا تحتاج للمراقبة ولا تأثر بشكل سلبي على الأطفال؛ بناء على ما تعودت عليها في صغرها، ولكنها لاحظت بعد فترة من الزمن أن التأثير السلبي قد بدأ على ما يقدم الأطفال فقامت بمراقبة كل ما يشاهده أطفالها، حتى لا تتشكل في عقليتهم أمور سلبية تؤثر على حياتهم اليومية. ووافقها الرأي بشار محمد الذي رأى أن الرسوم الكرتونية الآن تشكل خطرا كبيرا على الأبناء؛ إذا لم تكن هناك مراقبة مستمرة من الأسرة على ما تقدمه فضائيات الأطفال. الصدق والأمانة واعتبرت المختصة في مجال الدعاية والإعلان علا السراج، أنه لا يمكن لنا أن نفصل المادة الكرتونية عن الطفل بقولها: نحبب الطفل بأي مجال تعليمي أو غيره من خلال تقديمه له هذه الشخصيات الكرتونية، ومنها شخصيات تشكل خطرا عليه مثل الشخصيات الدموية التي تدعو للقتال والحرب والحرب وتأثير سلبا عليه. وأضافت قائلة «في الجانب المقابل هناك شخصيات كرتونية محببة للأطفال ويتأثرون فيها، كالتي تقوم على تعليم الصدق والأمانة، ولا يمكن أن نصف المجتمع الغربي بأنه سيء بأكمله ففيه السيء والجيد»، داعية إلى أخذ الجيد من هذه الشخصيات وتقديمه لأطفالنا. وتمنت السراج أن يكون هناك جهود لتقديم شخصيات كرتونية للأطفال ترمز لهويتنا الإسلامية والعربية، وتقدم اقتباسات من عاداتنا وتقاليدنا، متساءلة عن المقصر في هذا الأمر. الدعم المطلوب وأكد أحد العاملين في مجال الشخصيات الكرتونية سليم سلطان، أن الدعم الكافي لتقديم شخصيات كرتونية تحمل ثقافتنا وعاداتنا وتقاليد يعتبر السبب الأهم لعدم وجودها على الساحة، مضيفا «الشخصيات الكرتونية لها تأثير كبير على الأطفال، فتجد بعض الشركات تتجه نحو التعليم في ألعابها، وهناك شركات تسعى في شخصياتها إلى منحى تجاري، ونجد أنها تستهدف الأطفال في كل مكان من التلفزيون للمولات إلى المراكز التجارية من خلال التأثير عليهم وجذبهم». وأشار إلى أن المنتج الذي يأتي إلينا يكون بعيدا عن واقعنا الذي نعيشه، قائلا: الشركات المصنعة التي تقدم تلك المواد الكرتونية للأطفال تسعى من خلالها لنشر ثقافتاهم وعاداتهم بعد تعريبها، ويقومون على دراسة أسواقنا بشكل مستمر دون الاهتمام بمسألة ثقافتنا وعاداتنا. واقع مستقبلي وبين أستاذ علم النفس في جامعة أم القرى الدكتور محمد السليماني، أن تلك الشخصيات الكرتونية تعتمد على عملية المحاكاة والتقليد لها من خلال المحاكاة في سلوكياتها وتصرفاتها أيا كانت، ومحاولة تطبيقها في الواقع. ولفت إلى أنه يمكن لنا أن نحمي الأطفال من خطر هذه الشخصيات من خلال التوجيه والمتابعة بعد أن حاكى ذلك، ويكون الأب والأم قادرين على عملية التوجيه والإرشاد بالشكل المناسب، إلا من خلال المنع النهائي وهذا أمر لا يمكن حدوثه، مضيفا «كل الأمور التي يمر فيها الطفل لها انعكاسات سلبية وإيجابية وأكبر رسالة على ذلك المراهقين، وهي عبارة عن انعكاسات اختزلوها في ذاكرتهم وتظهر في سلوكياتهم فيما بعد إن وجدوا البيئة المناسبة لذلك». وأضاف «هناك العديد من الدراسات على برامج التلفزيون المختصة بالأطفال، حيث وجد أن الأطفال يتأثرون ببرامج الرياضة والمصارعة والتي تعد كالمغناطيس، وينتج عنها أمور عديدة من أهمها اكتساب الطفل للعنف وتطبيقه على الآخرين من خلال مشاهدته لمشاهد العنف». إعلام تجاري وأشارت الإعلامية إيمان العقيل إلى أن الإعلام أصبح يسير عكس رسالته الإسلامية، بقولها «عندما تكون الرسالة مشاهدة وتضاف إليها أمور ملموسة سنجد أن المادة الإعلامية ستكون سهلة الوصول والتأثير بالإضافة لكثرة المشاهدة لها، وانتشارها في الأسواق دليل يثبت على أن هناك زبائن لتلك المنتجات يساعد على انتشارها أكثر فأكثر، ونجد أن رسومات الكرتون قد طغت على ملابس الأطفال بدلا الزهور والورد التي كانت سابقا، والإعلام يقوم بتسويق الرسالة الكرتونية، مقابل الدفع له وهو تجارة في كثير من الأحيان وهذا عكس رسالة الإعلام من حيث الهدف القيمي والأخلاقي». وأضافت: الاهتمام بتلك الرسوم إذا لم نقل عليه سلبيا فليس إيجابيا، ويمكن للطفل أن يكرس وقته لحفظ القرآن والأدعية في سن الثلاثة أعوام، بدلا من الاهتمام برسوم الكرتون، حيث إنه في هذا العمر لديه القدرة على التحصيل العديد من الأمور الإيجابية. وألمحت إلى أن تأثيرها (الدمية، الرسمة، الأغنية، والأنشودة) على الطفل غير مباشر الذي لا ينتج تأثيرا عاليا على الطفل. واسترجعت العقيل برامج الأطفال العربية قبل سنوات طويلة والتي لم تستمر، فقالت «قبل 30 سنة وجد (افتح يا سمسم) وكان له تأثير كبير والقائمون عليه كانوا مختصين بالمجال النفسي والاجتماعي، لكن لم يتسمر، حيث إن المشكلة تكمن في الاستمرار والمتابعة وليس إيجاد الشخصية». وطالبت العقيل بأن يكون هناك أفلام كرتون تمثل الهوية والعادات والتقاليد التي تمس واقعنا. مصدر المنتج وأكدت المستشارة الأسرية الدكتورة هاجر نياز، أنه ليست كل الشخصيات الكرتونية تنتج لنا سلبيات، بقولها «نحن لا نستطيع الجزم بأن هذه الشخصيات تكون 100 في المائة سلبية؛ لأننا سنكون مجحفين وفي نفس الوقت لا يمكن أن ننكر أن لها سلبيات، لكن في المقابل لها تأثيرات إيجابية بحيث يمكن أن نحكم على ذلك من خلال مصدر المنتج، وبعض المنتجين يحاولون أن يوظفوا القيم بشكل مناسب في رسوم الكرتون». وأضافت: الشخصيات الكرتونية من احتياجات الطفل وإذا فصلناه عن هذا الشيء نجده يتجه إلى أمور أخرى، ويوجد أفلام كرتون لها تأثيرات سلبية عديدة ويكتسب منها الطفل عادات وقيما سيئة، ونجد أن المسيء يتجاوز الجيد بكثير، والأسرة لها دورها في هذا الأمر بشكل كبير، حيث إن الأسرة يجب أن تختار الجيد وتعطيه لأبنائها، وإذا لم تجد غير هذا يمكن أن تدعه يشاهد بعين ناقدة له. وأشارت إلى أن هناك أمورا إيجابية يكتسبها الأطفال من جراء رسوم الأطفال، بقولها «وجدت طفلا يتحدث باللغة العربية الفصحى؛ لأن أهله قاموا بتوظيف أفلام الكرتون بشكل مناسب لأبنائهم واكتسبوا ذلك من أفلام الكرتون، وجعل الطفل مبدعا». مشيرة إلى وجود تأثيرات سلبية لها كالأفلام التي تحث على القتال، واستشهدت بقصص على ذلك، ومنها قصة الطفل الذي يبلغ من العمر خمسة أعوام الذي غرس سكينا في بطن أخته الصغيرة عندما كانت والدته في دورة المياه، وعندما علم أهله سألوه عن سبب ذلك، فقال لهم «سوف تنهض الآن، لا تخافوا، أنا شاهدت ذلك في أفلام الكرتون».