عانى فيصل السيف في عمر ال 7 سنوات من اضطرابات نفسية، اثر تأثره ببعض الشخصيات الكرتونية التي كان يشاهدها لفترة طويلة، متسمرا على جهاز التلفاز، وحين مراجعته للعيادة النفسية بعد بلوغه 12 عاما، أكد أن بعض هذه السلوكيات اكتسبها من الشخصيات الكرتونية التي كان يحبها ويقلدها، وعاقبه والده فيما بعد على ذلك بعد أن نبهه المرشد الطلابي للمدرسة. السيف, واحد من مئات الأطفال الذين يستقون ثقافتهم من التلفاز خصوصا الأفلام الكرتونية، وبعد مراجعته العيادة النفسية ولفترة محدودة ومراقبة الوالدين له، ترك بعض العادات التي اكتسبها، ويجد السيف أقرانه خلال دراسته أنهم مختلفون عنه من ناحية السلوك والتعامل مع الآخرين، وينصح جميع الآباء عدم ترك الأطفال الذين هم في عمره للتلفاز دون رقابة، لأن الطفل لا يدرك بعض الصفات والسلوكيات الخاطئة سوى من توجيه الوالدين والقريبين له.
ثقافة أجنبية «اليوم» تلمست آراء المجتمع حيال ظاهرة الأفلام الكرتونية وانتشارها بين الأطفال وتأثيرها على سلوكياتهم وتعاملاتهم داخل الأسرة والمجتمع المحيطين بهم، يقول الطفلان ريم ونواف ، وهما شقيقان في المرحلة الابتدائية، ان بعض الرسوم المتحركة تتضمن ملابس غير محتشمة وكلمات نابية وخصوصا المسلسلات الأجنبية، حيث توجد قناة أطفال معروفة تعرض مشاهد غير لائقة، ويضيف نواف في حديثه : «إنني لا أشاهدها كثيرا فهي لا تعجبني لأنها «تخرب عقل الأطفال» ويمكن لبعض الأطفال غير المؤدبين أن يقلدوهم» ويضيف بغضب واضح : «ذات مرة شاهدت أطفالا يلعبون بالأطعمة». بينما تخالفه شقيقته ريم الرأي وتقول ببراءة : «لماذا لا ترون الجانب الإيجابي منه»، وفي نفس السياق يصف لنا الطفل خالد أن الأفلام الكرتونية ترسم على الشفاهِ الابتسامة والرفاهية. مضيفاً انه لم ير أمراً ضارا أزعج عينيه . بينما يعتقد أخوه عبد العزيز، ومن مبدأ (ليسوا سواء) أن بعضها صالح للمشاهدة والآخر طالح، معبراً : «أنا فقط أرى الصالح منه» . ولم تزد ديمة طالبة في المرحلة المتوسطة عن سابقها شيئا، قائلة : «من المؤكد أنه توجد مشاهد وألفاظ غير مناسبة ولكنني أتابع الأفلام الكرتونية بشدة ليس لسماع مثل هذه الألفاظ، إنما لأنني لم أجد ما يسليني ويلفت انتباهي مثلها». الذوق العام وتشمئز لطيفة - أم لأربعة أطفال - من المناظر البشعة التي تستفز المشاهد ، فهي - كما تراها - تثير الاشمئزاز، إضافة إلى تشجيعها على التغذية غير الصحية ، أما أكثر ما يضاعف حزنها فهو دمج اللهجة العامية باللغة العربية الفصحى ما يسيء إلى هذه اللغة الرائعة التي تستحق أن يفخر بها أبناؤها، و تضيف عن البرامج الهادفة : «بالطبع نجد أحيانا برامج هادفة تنمي الإبداع وتحفز الطفل على التعلم وممارسة الأعمال اليدوية». اكتساب العنف ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للأب خالد.ع الذي كان يتخذ تجاه هذه البرامج موقفاً مضاداً يركز على مخزون العنف الذي تورثه في روح الطفل وينفجر بطريقة مرعبة لا يمكن التنبؤ بها دائما، ويندد بحالة الكسل والركود الجسدي اللذين يغزوان بيوتنا ويحرمان عالم الطفولة من النشاط البدني اللازم والملازم للنمو العقلي والمعرفي والمهاري وهذا يفسر تسارع وتفشي سمنة الأطفال أكثر من أي وقت مضى، وأضحينا نألف أطفالاً مصابين بالسكري ومضاعفاته في أعمار مبكرة في المرحلة الابتدائية بل وفي الصفوف الدنيا، وهذا يدق أجراس الخطر ويوجه أصابع الاتهام إلى بعض القنوات التي لا تتوقف ولا تأبه لكل ما يحل بسببها، ويتساءل المواطن إبراهيم، لماذا لا تعرض الأفلام الكرتونية على أخصائيين نفسيين قبل بثها على الفضائيات وقنوات الأطفال؟.
السموم الكرتونية في حين وصفت الطالبة الجامعية دانة، الرسوم الكرتونية ب»السموم»، وترى على حد قولها، أنها المربي الأول للصغار، كما أنها تعمل على تنويم الأطفال مغناطيسيا دون الشعور بالخطر الذي يلاحقهم ، وحذر محمد الوابل طالب جامعي من الأثر السلبي الذي تتركه الرسوم الكرتونية، وأنه على كل شخص أن يفكر ألف مرة قبل أن يبتسم ويتنفس الصعداء، وهو يراقب ابنه الذي يحدق صامتا في الشاشة الصغيرة فهي تحمل أشياء أكثر بكثير مما قد يظن. اللغة المشوهة ولفتت ايمان الكناني، الى كثرة السب والشتم غير المباشر، ولكن بالعمل السيئ والرفض واللغة المشوهة التي ينقلونها للأطفال، بالإضافة إلى تلقين الصغير لهجة السخرية والتحريض على الاستهزاء فيجد في أقرانه ضالته المثلى، وتضيف : «لا تتصوروا أن دور الأم يحول دون ذلك أو حتى الأهل ورقابتهم فمن الاستحالة أن تترك كل شيء جانبا لتراقب ابنك بصورة دائمة ثم ان المجتمع كاملا يزخر ويمتلئ بالحديث والدعاية المجانية التي تدعم هذا التوجه المأساوي السقيم». . وتشاركها الرأي أم محمد وكيلة مدرسة بقولها : «ما نراه اليوم على التلفاز شيء سيئ جداً ويغذي أفكارا ومعتقدات أجنبية غريبة عنا ولا تمت لديننا بصلة بالإضافة للمناظر المخيفة والأحداث المرعبة التي تضر وتؤذي مشاعر الطفل والأسوأ أنها تهز بنيته النفسية».
أخصائيون يحذرون: ترك الأطفال للأفلام الكرتونية جريمة تربوية وجه تربويون نقدا لبعض أفلام الكرتون الرسوم المتحركة التي تخلو من المضامين الهادفة والبناءة، والتركيز على بعض الأفلام والمشاهد التي تؤثر على الطفل سلوكيا وأخلاقيا, من ناحية القيم والتعامل مع أقرانه، ووصفوا هذه الأفلام بالدخيلة على المجتمع والتي لا تمت لثقافتنا وحياتنا بصلة علمية أو منهجية، في حين اشتكى بعض المختصين في شؤون الطفل من عدم تفعيل دور أفلام الكرتون في الوسائل التعليمية، والتي يقتنع بها الأطفال وينجذبون إليها دون صعوبات كبيرة في تلقيها واستيعابها. وتحدث المرشد الطلابي جهاد بركة عن التأثير السلبي لبعض أفلام الكرتون والذي يأتي على رأسه التقليد الأعمى والمحاكاة التامة من قبل الصغير، ويقول : «قابلتني أثناء عملي في الإرشاد الطلابي حالات لطلاب مارسوا عنفا ضد أقرانهم ، وحين نتحقق من الدوافع نجد الطالب يعترف بأن هذا السلوك ليس إلا تقمصا عفويا لتصرفات وحركات وانفعالات شاهدها مسبقا مرارا و تكرارا من خلال التلفاز حتى ألفها واستساغها واختزنها في لا وعيه، ومن ثم جاء التطبيق كمرحلة لاحقة بطبيعة الحال فالموضوع تراكمي من الأساس». وأضاف بركة «بالنسبة إلى هذا التأثير ، فهو يختلف بحسب درجة الرقابة الأسرية ومدى فاعليتها ، أضف إلى ذلك المدة التي يقضيها الابن أمام التلفاز «، ودعا إلى غربلة الرسوم المتحركة وتقنين مشاهدتها مع تحديد أوقات معينة تخصص لمشاهدة برامج نافعة في قنوات تربوية هادفة، وردا على سؤال «اليوم» ما إذا كان غياب دور أدب الأطفال سببا ينعش سوق أفلام الكرتون، أوضح، أن هذا العامل غيض من فيض يضاف إلى مؤثرات أخرى، وروى لنا أن منظومة التربية سلسلة متسعة جدا فجزء منها يكمن في القدوة ، وتارة التشجيع ، ويراعى التنويع والانتقال بين هذه الطرائق. وسائل عصرية وقالت المشرفة التربوية خلود السديري : أناشد ذوي الاختصاص بإنشاء مراكز ترفيهية تعليمية تتوفر في كل حي بكثرة وتتميز بحيث تبحث هي عن الأطفال ولا يبحث الأطفال عنها، مشددة أنه لابد أن تكون هذه المراكز جاذبة للطفل في هذا العصر مقارنة بمغريات العصر الحديث، وأن يتحقق إنشاء المراكز المتنوعة من الوسائل الترفيهية والخيارات المتعددة سريعا لكي يستثمر المجتمع أغلى ثروة على وجه الأرض. فترة ذهبية وتشير هيفاء الحمد - مشرفة تربوية - إلى أن السنوات الأولى من عمر الطفل هي الفترة الذهبية لغرس ما نود غرسه كمربين في عقل صغيرنا الذي يمتاز بكونه متلقيا بارعا في هذه المرحلة نظرا للفراغ الكبير في عقله والرغبة الملحة لديه في الاكتساب حيث تنتظر الإشباع الفكري، وشددت الحمد على ضرورة مراعاة عمر الطفل عند تطعيم الرسوم بالأخلاقيات والسلوكيات الجميلة، هذا وتكشف عن صعوبة سيطرة الأهل على الطفل إذا ما وصل الى حد يندمج ويتوحد فيه معها .
استشاري نفسي: سجلت حالات نادرة ل «الصرع» بسبب متابعة التلفاز وحول الطب النفسي، قال استشاري الأمراض النفسية الدكتور سمير الحلواني ل « اليوم «، أن معظم حالات الأطفال التي يستقبلها في عيادته هي لأطفال بين الثامنة و الثانية عشرة من العمر يعاني كثير منهم توترات وقلقا و قلة تركيز وتراجعا في التحصيل الدراسي، كما أن إصابة الأطفال باضطرابات سلوكية كالكذب و العدوانية و الانزواء و إيذاء الغير دون أدنى شعور بالذنب أو تأنيب الضمير، يأتي كل ذلك الى طول الأوقات لمشاهدة التلفاز وأفلام الكرتون، حيث وصلت حالات تشكو من فرط الحركة و قلة الانتباه. ويكون المشاهد للتلفاز بشكل مستمر ضمن جملة من العوامل المساعدة على الإصابة بمرض ( فرط الحركة ) منها على سبيل المثال الوراثة و قسوة الوالدين أو سوء معاملتهم، و في حالات نادرة تقارب نسبتها الى 1% أدت طول المتابعة للتلفاز إلى تشنجات عصبية وصرع، وهذا الوضع يعد الأسوأ وناتج عن استثارة الخلايا العصبية، ويضيف الحلواني ناصحاً : «على الأهل ضرورة أخذ الضرر والضريبة الممكنة الحدوث مستقبلا، وعلى المدى البعيد، وهذا إن حصل يعد جريمة وانتهاكا لحقوق الطفل، وهو عنف موجه ضدهم « .
الطفل يتأثر تراكميا بمشاهدة العنف والسحر أثبتت الدراسات أن تأثير مسلسلات الكرتون على الأطفال يكون تأثيراً تراكمياً أي لا يظهر هذا التأثير من متابعة هذه المسلسلات خلال شهر واحد أو شهرين بل هي نتيجة تراكمات يومية قد تؤدي إلى نتائج وخيمة، خصوصا المسلسلات التي تعرض كماً كبيراً من العنف والخيال والسحر، وبعض السلوكيات في المبادئ والعقائد بأسلوب غير مباشر, وإن أفلام الكرتون والرسوم المتحركة الموجهة للأطفال من الممكن أن تكون خطرًا حقيقيّا وتتحول إلى سموم قاتلة، ووجه الخطر في هذا عندما تكون هذه الأفلام صادرة من مجتمع له بيئته وفكره وقيمه وعاداته وتقاليده وتاريخه. وهذه الأفلام الكرتونية التي تتنوع في مضامينها يمكن أن تقدم القيم والأخلاق الإيجابية للطفل ولكنها تجعله يتلقى هذه القيم والأخلاق من خلال بيئة جديدة بعيدة كل البعد عن البيئة والثقافة العربية الإسلامية التي يعيش في كنفها، فيحاول أن يتعامل معها ببراءته المعهودة، فتنمو لديه دوافع نفسية متناقضة، بين ما يتلقاه، وما يعيشه داخل الأسرة والبيئة والمجتمع، فيكون ذلك بداية الانحراف. وتكرس بعض الأفلام الكرتونية في مضمونها بعض الحياة الغربية في الملبس والمأكل والمسكن مما يورث الأبناء نوعاً من التمرد على حياتهم يصل إلى درجة انسلاخ الطفل عن واقعه وارتباطه بالمجتمعات الغربية ، وخاصة أن القدوة المقدمة له غالبا ما يكون اسمها غربيا ولباسها وعاداتها كذلك، وكثير من الأفلام والمسلسلات تقدم مبادئ وأساليب الجريمة التي تهون من قيمة الإنسان، حيث يظهر الإنسان فيها أشبه بالجرذان الضالة وأدنى من الحشرات فيهون قتلها، كأن يطل علينا بطل المسلسل وهو يتفنن في غرس أنيابه وأظافره في جسد عدوه وربما كان فرحاً مسروراً برؤية الدماء وركل جثته أو الوقوف فوقها. وعبرت نورة الحائلي معلمة رياض أطفال، عن استيائها من أفلام الكرتون الجديدة، ووصفتها بالدخيلة، والخيالية، و الخطرة على دماغ الطفل، مشددة على معارضتها هذا النوع من الرسوم التي تحاصر عقل الطفل وتقتحم عالمه بقسوة، وذكرت أنها «فوجئت بطفل مهووس بأفلام الكرتون يجيبني عند سؤاله عن اسمه بأن اسمه هو اسم الشخصية التي يحبها بجنون و يتقمصها و يذوب فيها بكل تفاصيلها و كامل أدوارها و تصرفاتها بل و يرفض مناداتي له باسمه ما صدمني بشدة» و تتابع قائلة : « يؤسفني بعمق أن نرى أطفالنا بعقول فارغة و لا يفكرون بشيء يبني مستقبلهم، والحقيقة إنني أخشى ما هو أدهى ، أن نخسر جيلا كاملا كان يمكننا تفعيل طاقاته بطريقة موجهة و أسلوب صحيح «و تستطرد في حديثها « أنه يمكن أن تتضمن هذه الرسوم المتحركة مجموعة كبيرة من الأخلاق والمهارات و القيم التي تفيد الطفل و تعينه على تدبر أمور حياته، واستغرب تغييب و عدم تفعيل دور أفلام الكرتون التي عدتها أسرع و أنجح وسيلة تعليمية يقتنع بها الأطفال و ينجذبون إليها و يطبقون محتوياتها».