«أفادا كدفرا»، «نوكس»، «لاموس»، «ريباريو»... هذه الأسماء ليست أسماء لرسامين مبدعين عاشوا في القرون الوسطى أو شعراء من الإغريق، ولا حتى أسماء لرياضيين شهيرين. ليست سوى قائمة بمسميات لتعويذات سحرية أملاها الطفل فارس على والدته واشتقها من سلسلة أفلام الساحر الصغير هاري بوتر المفضلة لديه، مطالباً إياها بشرائها له هدية نجاحه في الروضة. ويبرر رغبته في الحصول عليها، بقوله: «أريد التعويذة القاتلة، للفتك بأعدائي، وتعويذة التحكم لأسيطر على رفاقي، وتعويذة النار لإشعالها في الغابات وحرق كل من لا يعجبني، أما تعويذة الدغدغة فسأستخدمها لهزم خصومي». متطلبات فارس وطلباته ومبرراته جاءت وسط دهشة الأم التي اكتشفت أن الأفلام التي يدمن عليها طفلها، استطاعت التأثير فيه لدرجة أنها تشير إلى أن أعظم آماله وأمنياته تتمثل بالتحاقه بمدرسة تعليم فنون السحر «هوجورتس» والطيران بواسطة مكنسة العجوز السحرية، الأمر الذي حرضها على إتلاف أفلامه، وتصحيح مفاهيمه الخاطئة التي اكتسبها بطريقة عفوية. يتأثر ملايين الأطفال حول العالم بالرسوم المتحركة وأبطالها، لكن المشكلة بحسب مراقبين تبدو أكبر في العالم العربي والإسلامي، خصوصاً أن بعض هذه الأفكار يناقض التعاليم الإسلامية والتقاليد العربية. تنافس كبير بين «الأنمي» اليابانية و «الأنيميشن» الأميركية على الاستحواذ على الشعبية الأكبر من أطفال العالم، بشخصياتها الافتراضية الخارقة أحياناً والرومانسية أحياناً أخرى، وإثارة شغفهم الدائم إلى معرفة نهاية أحداثها الخيالية، بل أن بعض الأطفال عمد إلى حضور أفلامها في دور السينما، بينما فضل آخرون أن يجسدوا حياة ممثليها من طريق ألعاب «بلاي ستيشن» و«اكس بوكس». وبينما يرى تربويون ومختصون أن إدمان الأطفال على مشاهدة أفلام الكرتون الأجنبية المستوردة، ما هو إلا طريقة غربية مثلى لحشو الأدمغة العربية بما تمليه عليها مبادئها وقيمها الهزيلة، يناشد آخرون وزارات الإعلام العربية التعاضد لتكثيف إنتاج أعمال كرتونية ايجابية تدعم المفاهيم الإسلامية. ولم تُجدِ توسلات رنا (4 سنوات) لشقيقتها رشا (6 سنوات) نفعاً، ما دفعها إلى الانحناء والركوع لها رغبة منها في الصفح عنها وطمعاً في كسب رضاها، فضلاً عن تقديمها عروستها العزيزة «قرباناً» لشقيقتها. وعندما نهرتها والدتها عن القيام بذلك، بررت ذلك بقولها: «ماما، لقد فعلت مثل ما صنع القط توم عندما أراد الاعتذار من الفأر جيري». تقول والدة الطفلتين هيا: «في أحد الأيام، تعجبت من إصرار ابنتي الصغرى على شراء بذور وغرسها في حديقة المنزل، وعند سؤالي لها عن السبب، أجابتني: أريد أن أزرعها حتى تنمو وتصبح شجرة عالية أتسلقها وأجلس على متن السحابة وأنظر إلى أجنحة الملائكة». وشهد قسم الطوارئ في مستشفى الملك خالد الجامعي في الرياض، وفقاً لما ذكره الطبيب المناوب مجدي محمد سقوط الطفل فيصل من الطبقة الثانية من المنزل وإصابته بكسور متفرقة، وخضوعه إلى جراحات عدة، بسبب «إدمانه على مشاهدة فيلم «بات مان الطائر»، وهو ما أثر فيه لدرجة تعليقه فوطة على ظهره لاستخدامها كوشاح يمكنه من الطيران». وكانت الصدمة شديدة على معلم المرحلة الإبتدائية ياسر الجريدي، عندما خلصت نتيجة سؤال قدمه ضمن مسابقة للطلاب عن أعظم قدوة وأحب شخصية إلى نفوسهم يطمحون للتحلي ببعض خصالها، إلى أن الرجل العنكبوت حظي بغالبية الأصوات، يقول: «للأسف اعتبر أكثرهم الرجل العنكبوت قدوتهم، لمحاربته الأشرار عبر إطلاقه خيوطه عليهم لمساعدة الآخرين»، مشيراً إلى أن ذلك دليل على ضحالة فكر بعضهم وعيشهم في عالم افتراضي، دعمت بنيانه وشجعت أساطيره أسرهم من دون قصد. في المقابل، توالت شهادات التهنئة على ربة المنزل عائشة العمر (36 سنة) من قبل إدارة المدرسة التي تدرس فيها طفلتها، نظير حرصها على تفوق ابنتها وتميزها عن الأخريات، باتساع أفق تفكيرها واكتناز ذاكرتها بالكثير من المعلومات، فضلاً عن شخصيتها المهذبة ومساعدتها لزميلاتها. وبررت أم رهف ذلك بأنها حريصة على تخصيص وقت للتحاور مع ابنتها وغرس القيم والمعلومات في عقلها من طريق سرد القصص والحكايات وذكر بعض سير السلف المبسطة حيناً. وفي ما يتعلق بأفلام الكرتون، تشير العمر إلى أن زوجها عمد إلى شراء ريسيفر خاص لها تقتصر قنواته على عرض أفلام كرتون ذات إنتاج عربي وأفلام من شأنها توسيع مداركها. ووفقاً لبحوث نفذتها مجموعة من طالبات كلية دار الحكمة في جدة حول المساعي اليهودية لنشر مفاهيم الماسونية من طريق الرسوم المتحركة وخطر ذلك على الأطفال، أكدت النتائج أن «يوجي أوه» ( YO GI OH) خير دليل على ذلك، فهو يوصل للطفل فكرة الشرك بالله إضافة إلى إحيائه روح الفرعون الأول بواسطة عثوره على أحجية الألفية الثالثة، التي تمكنه من السيطرة على العالم، فضلاً عن وضع شعار الماسونية الشهير (الزاوية القائمة والفرجار) ونجمة داود السداسية. وأكدت دراسة نفذتها إذاعة وتلفزيون الخليج وأجراها الدكتور أيمن حبيب حول أفلام العنف وأثرها على تنشئة الطفل في دول الخليج العربي، أن بعض الأسر تدفع أطفالها قسراً لمشاهدة التلفزيون للتخلص مما يثيرونه من مشكلات داخل المنزل، وأوضحت أن 60 في المئة من أفلام الكرتون المستوردة تمتزج بالعنف والمشاهد غير المرغوب فيها. وأوضحت اختصاصية علاج السمنة في أحد المراكز الطبية، مي خليل أن عزوف كثيرين من الأطفال عن ممارسة الألعاب الحركية وتمضية أوقاتهم بالجلوس أمام التلفزيون لمشاهدة القنوات الفضائية أو ممارسة الألعاب الإلكترونية وتناول كم هائل من السكريات والنشويات أثناء ذلك، ساهمت في ازدياد نسبة الإصابة بأمراض ارتفاع ضغط الدم والسكري وازدياد نسبة السمنة المفرطة». أما الاختصاصية الاجتماعية ليلى الغامدي فأكدت أن الكسل والخمول واللامبالاة لدى الطفل تنتج من تعويده على أن يكون «جهة استقبالية» وسبب ذلك من وجهة نظرها قضاء معظم وقت الطفل أمام التلفاز. وطالبت القائمين على الإعلام بانتقاء الأفلام الموجهة للطفل وتكثيف جهودهم لصناعة إعلام عربي محلي، كما ناشدت أولياء الأمور توجيه أبنائهم لتوزيع أوقاتهم ما بين ممارسات حركية وأخرى عقلية إضافة إلى تكريس لغة الحوار بين أفراد الأسرة الواحدة.