التفاضل والتكامل هما من «الجواهر» المميزة في عالم الرياضيات. يسافر عقلك من خلال هذا العالم العجيب إلى عالم آخر مليء بالجمال الحسابي الدقيق، فسواء نظرت إليهما كفلسفة لاستكشاف العالم المتناهي الصغر، أو كأدوات حسابية عبقرية في حد ذاتها، أو كنظريات ذكية جدا، ستتوقف وتتأمل في روائعهما. ذلك لأن أيا من هذه المحاور كافية بحد ذاتها لتجعلك تتوقف وتتأمل في العقل الجبار الذي اخترع كل هذا. ولكن العجيب في الموضوع أن هذا الاكتشاف الرائع جاء من عقلين مختلفين، في مكانين مختلفين، ولكن في نفس الفترة الزمنية. أحدهما كان دماغا في إنجلترا، وينتمي إلى العالم الفذ «إسحق نيوتن» الذي وضع كل الأسس لهذا العلم في النصف الثاني من القرن السابع عشر. وتزامن ذلك مع ما نشره عالم ألماني اسمه «جوتفريد ليبنيتز» في ألمانيا الذي قدم نفس الاختراع في نفس الحقبة التاريخية. وقالوا إنها ولا مؤاخذة «صدفة». وفي عالم الكيمياء، ستجد أن أحد أروع الاكتشافات على الإطلاق هي الجدول الدوري للمواد، وهو عبارة عن طريقة عبقرية لترتيب جميع المواد على كوكبنا من هيدروجين، وأكسوجين، وحديد، وذهب، وفضة، إلخ. يتم ترتيبها بطريقة ذكية جدا حسب «الأوزان الذرية» التي وضعت نسبة إلى معيار معين لتلك المواد وعددها حوالي 118. اكتشف طريقة هذه الجدولة العالم الروسي العبقري «ديمتري ليونتيف» عام 1869. ومن خلالها فتح مجالا خصبا لرؤى جميلة ومنطقية لروائع نعم الله من المواد المختلفة. الطريف في الموضوع أن الاكتشاف قد تزامن مع عمل عالم الكيمياء الألماني «جوليوس ماير» في عام 1870 لوضع نفس منطق الجدول الدوري. وقالوا أنها أكيد «صدفة». وفي عالم الطيران اخترع العالم الألماني «هانز أوهيرن» فلسفة جديدة في عالم محركات الطائرات الحربية، فبدلا من تعقيدات محرك الاحتراق الداخلي الذي يدور مروحة خارجية لدفع الطائرة، وجد اختصارا كبيرا في منظومة الدفع: كانت فلسفتها تتلخص في شفط الهواء، ثم ضغطه ضغطا هائلا، ثم حرقه تحت ذلك الضغط، وأخيرا طرده بسرعة هائلة ليخرج من جهة ويدفع الطائرة إلى الجهة المعاكسة لخروجه. وكان الطريقة أبسط وأقوى بكثير مما كان سائدا في عالم الدفع في مطلع العقد الرابع من القرن العشرين. وعليه فقد طارت أول نفاثة في العالم عام 1935 وكانت مجهزة بمحرك من طراز «يومو». وفي نفس الوقت كان المهندس الإنجليزي «فرانك ويتل» يعمل بنفس المبدأ لتنتج إنجلترا هي الأخرى أول محركاتها النفاثة لطائراتها المقاتلة في عام 1944 فتزامنت مع إنتاج ألمانيا للمحركات النفاثة. وقالوا إنها غالبا أن تكون مجرد «صدفة». ومن يراجع كل من تلك «الصدف» المذكورة أعلاه وغيرها، سيجد أن هناك تيارات فكرية كبيرة قد ساهمت في تزامن تلك الإنجازات والأحداث، فكل منها كانت لها أسس قديمة تبلورت عبر الزمان. أمنية هل من المعقول أن تتزامن أحداث مصر وتونس الشقيقتين ونعتبرهما ضمن تصنيف «الصدف»؟، وهل من الممكن أن لا تعكس تيارات مهمة تحتاج إلى التحليل الدقيق؟، أتمنى أن نراجع تيارات التغير دائما، وخصوصا تلك التي تتسم بالصدفة. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة