من الواضح أن جدة تحتاج إلى هيئة عليا لتخطيطها من جديد وتطويرها وحمايتها، هيئة توظف أفضل العقول المحلية والجهات الاستشارية الخارجية وتكسر الروتين البطيء وتتعامل مع وزارة المالية لترسية المشاريع الضرورية على أفضل الشركات التي تستطيع أن تنجز العمل بالسرعة اللازمة وعلى أفضل المستويات.. ويجب أن تحتوي هذه الهيئة على العدد الكافي من الكفاءات المتفرغة التي لا تنشغل بأمور أخرى والتي يمكنها أن تتحمل المسؤولية بالكامل وأن تضع الأولويات ولا تتشتت جهودها أو تضيع في التفاصيل الأقل أهمية. من الواضح أننا نحتاج إلى خرائط طوبوغرافية حديثة شاملة لجدة مستندة على الصور الجوية الدقيقة من الطائرات والأقمار الصناعية ومن المسوح الميدانية على الأرض لتوضيح أدق التفاصيل لتضاريس هذه المدينة وإلى صور توضح أماكن تجمعات المياه بعد كارثتي الأربعاءين، وكيفية ضبط الميول لتصريفها. من الواضح أن الذين خططوا سابقا لجدة لم يأخذوا في الاعتبار أخطار السيول ولا كمية الأمطار التي يمكن أن تهطل على المدينة، وأنهم بسبب غفلتهم أو جهلهم أو استغلال بعضهم أدخلوا المدينة في دوامة لا نهاية لها بعد أن سمحوا ببيع مخططات لإراض سكنية تقع في مجاري السيول وسمحوا للمواطنين البسطاء بالسكن فوقها، وهكذا تقف جدة محتارة في كيفية معالجة هذا الوضع. الآن يجب أن نخرج من هذه الدوامة وأن نبدأ في تطبيق الحلول الصحيحة الدائمة حتى وإن كانت أصعب من غيرها وأكثر تكلفة. من الواضح أنه ينبغي تحرير وديان جدة الأساسية، في البداية سمعنا أن هناك أربعة وديان رئيسة ثم صار الرقم ثمانية وأصبح بعد ذلك 12 واديا، مما يدل على أن هناك جهلا كبيرا حتى من الجهات الأساسية المسؤولة عن التخطيط، ولذا يجب إيضاح كافة المعلومات الجغرافية للمواطنين بدقة، وعمل خطة واضحة للتعامل مع هذه الوديان من منابعها إلى مصابها. وجدة ليست المدينة الوحيدة التي تهطل عليها الأمطار أو تخترقها الوديان، بل إن من حظها أنها تقع على الساحل الذي يستوعب كافة السيول والأمطار. من الواضح أن هناك عوامل كثيرة ساهمت في إغراق جدة ربما من أولها: إقفال الواجهة البحرية حيث تصب السيول، هذه الواجهة يجب إعادة فتحها في كل المناطق المتاحة أو التي يمكن استعادتها وخاصة مصاب السيول، كما يجب أن يتم إيقاف أي مبان جديدة تغلق أي جزء من الواجهة البحرية وتعيق وصول السيول أو الناس إليها. ومن أهم هذه العوامل كما يقر الجميع البناء على مجاري السيول، ولحل هذه المشكلة يجب إعادة تحديد مجاري السيول وتحريرها، سواء كانت ثمانية أم 12، ولا يعني تحرير مجاري السيول إزالة أحياء كاملة فقد لا يتطلب الأمر سوى إنشاء قنوات متوسطة الاتساع والعمق حسب حجم الوادي، لكن المهم أن تكون هذه القنوات مفتوحة لتجد طريقها إلى البحر بينما تصب شوارع الأحياء في هذه القنوات. أما العامل الثالث الأساسي الذي ساهم في إغراق جدة هو قلة المساحات المفتوحة التي يمكن لها استيعاب فائض مياه المطر، سواء كانت حدائق خضراء مزروعة أو حتى ساحات رملية مفتوحة؛ وسبب هذا هو الاستحواذ على كثير من الحدائق البلدية والمتنزهات بوضع اليد وتحويلها إلى مساكن ومبان، أو التقصير أساسا في تخصيص المساحات الخضراء الكافية وخاصة في الأحياء المزدحمة حتى لم يعد هناك أماكن لتفريغ المياه المزاحة من الطرق الرئيسة بعد الأمطار فاضطرت الأمانة للاستعانة بالأنفاق والطرق الفرعية لتفريغها فيها. والواجب الآن إعادة أكبر قدر من الحدائق العامة لجدة، خاصة على ضفاف الوديان التي يعاد تحريرها. ويمكن بناء خزانات تحت هذه الحدائق لجمع مياه الأمطار واستخدامها في ري الحدائق نفسها. وهناك اقتراح من هيئة المساحة الجيولوجية ببناء خمسة سدود على بعض الوديان لحماية أحياء معينة يصعب حل مشكلتها بطريقة أخرى. وهذا الحل يتطلب نزع ملكيات في أماكن تشكيل البحيرات خلف هذه السدود، كما يتطلب إيجاد قنوات تصريف لهذه السدود، وهو لذلك يعتبر اقتراحا إضافيا وليس بديلا عن الحلول الأساسية التي تعتمد على شبكتي تصريف السيول والصرف الصحي. ويجب وضع المواصفات المناسبة للسدود حتى لا تتكر مأساة تحطم سد أم الخير في الكارثة الأخيرة. لقد كانت الخسائر الفادحة في الأرواح بعد كارثة الأربعاء الأولى أكبر من أن توصف، أما بعد الكارثة الأخيرة، فبالإضافة إلى بعض الخسائر في الأرواح الغالية كانت معاناة أهالي جدة كبيرة بكل المقاييس، وكثير منا كانت له قصة غرق لسكنه أوخسارة في الممتلكات أو السيارات أو الحجز والانتظار لساعات طويلة أو الخوض في الماء والتعرض لخطر الغرق أو الالتماس الكهربائي. جدة تريد خطة علمية واضحة ومقنعة وشاملة ومعلنة لحل مشاكل الأمطار والسيول، وتريد أن ترى سرعة ودقة واتقانا وتكاتفا في تنفيذ هذه الخطة. وربما تقودنا الكارثتان الماضيتان لاتباع منهج علمي في التخطيط والتنفيذ يساعدنا بعون الله على حل بقية مشاكلنا. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة