تلقيت رسالة إلكترونية يقول صاحبها: إنه كثير الأسفار، واسترعى انتباهه في إحدى الدول التي زارها سلوك ينم عن الولاء المجتمعي بأنصع صوره وأعمقها. وضرب مثلا يقول: ذات مساءٍ وبينما كنت أترجل في أحد شوارع المدينة، وإذا بأحدهم يرمي عقب سيجارة، فاستوقفه أحد مواطنيه غاضبا ومستاء وأنبه على ذلك السلوك المستهجن.. وما كان من الأول إلا أن التقط العقب مطأطأ رأسه من شدة الحياء ورماه في المكان المخصص، وتأسف صاغرا على فعلته، وكأني به يستجدي مواطنه ليصفح عنه ويسامحه، ولم يكتف بذلك بل شكره بإكبار على حرصه وغيرته على بلدهما، متعهدا عدم معاودة ذلك السلوك. مرددا وبافتخار هذه المرة مصلحة البلد ومقدراته ملك الجميع وبمقتضاه يتقاسم الجميع بدون استثناء مسؤولية حمايتها والمحافظة عليها، ويعرج الكلام ما زال للمرسل أما عندنا .. فالاسطوانة المشروخة (وش دخلك !) جاهزة وتردد كثيرا وكيفما اتفق لمجرد أن تنبه أحدهم عن خطأ ارتكبه في الحق العام، أو نصيحة تزجيها لآخر لثنيه عن سلوك ضار بالمجتمع. انتهت الرسالة بعد أن ذيلها بسؤال هام ومحوري، هل بمقدورنا مسح هذا المصطلح من قاموسنا؟. بادئ ذي بدء أشكر المرسل على الرسالة القيمة والتي بالتأكيد تعكس غيرته على مجتمعه. أما عن (مسح) هذا المصطلح فالمسألة ليست بهذه البساطة فلا توجد «ممحاة» سحرية، وإن وجدت لن نستطيع ذلك. فالإشكالية ليست في المصطلح أو المفردات، بل ما وراءها أو جذورها إن صح التعبير، فهذه المفردة أو ذاك المصطلح ما هو إلا استجابة تلقائية وتعبير لا إرادي عن مكنون الشخص وتنشئته. لن أتجنى وأجنح عن الحقيقة ورجاحة التفكير بالقول إن أفراد مجتمعنا أقل ولاء وإخلاصا من غيرهم قياسا على المصطلح أعلاه. لكنني في الوقت ذاته لن أتردد بالقول إن سبب ذلك هو التقصير حتى لا أقول الجهل بأصول التربية القويمة.. ومن تجلياتها أننا لم نغرس بعض المفاهيم لدى أبنائنا منذ الصغر.. فالولاء والإخلاص والتفاني إلخ.. لا تكرس كمفردات وشعارات بل يستوجب الأمر ترجمتها إلى سلوك عملي (حي) ليسهل استيعاب أبعادها ودلالاتها وفهم مراميها وتاليا ممارستها، فمثلا من منا شرح لأبنائه مفهوم الحرية الشخصية وأن هذا السلوك يضيق وينحسر متى ما خرج المرء من منزله. وأن أي سلوك أو تصرف يسيء للمجتمع وأفراده هو بمثابة سلوك عام ومن حق أي فرد أن يردعه ويقومه، واستطرادا فالجميع (أوصياء) ومتساوون في المسؤولية في هذا الشأن. وبمقتضاه يجب أن تتسع صدورنا (ونعير) آذاننا لتقبل نصح وإرشاد بل وتقويم أي اعوجاج أو خطأ يبدر منا إن عمدا أو سهوا، ومتى ما غرسنا ذلك في أبنائنا وكرسناه جيدا، مؤكد سوف يتقلص هذا المصطلح ويضمحل، صحيح أن ذلك سيأخذ وقتا لكن المؤكد أن هذه هي الآلية الفعالة والوحيدة. ليس للتخلص من هذا المصطلح فحسب بل ومن غيره الكثير. بالمناسبة ليت البعض يكتفون بالقول (وش دخلك) لهان الأمر ربما. بل قد يتبعها ببعض الكلمات المقذعة والتهكمية السافرة. وقد تصل للتشابك بالأيادي لدرجة أن البعض بدأوا فعلا يترددون في التوجيه أو ردع بعض السلوكيات السلبية خيفة أن يقابلوا بذلك المصطلح «وملحقاته» ونتيجة لذلك ظهر علينا ولنقل تمخض مصطلح آخر يجسد السلبية واللا مبالاة بأبشع صورها وهي (وش دخلني). وما يدرينا ماذا يخبئ لنا الزمن من مصطلحات ومفاهيم تكرس اللا مبالاة والسلبية في عصر نحن أحوج ما نكون للإخلاص والولاء بأعلى درجاتها. مجمل القول إن مثل هذه المصطلحات قد تتصاعد وتتضخم لما هو أبعد وأكثر ضررا من مجرد رمي عقب سيجارة أو حتى قطع إشارة.. أخشى ما خشاه أن يأتي يوم يوجه الآباء أبناءهم فيصعقوا بسماع كلمة (وش دخلك!!) [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 229 مسافة ثم الرسالة