سلاحهم الفراسة وصفاء الذهن تساندها خبرة طويلة في تتبع الأثر وتحديد اتجاهه ومكانه، إنها مهنة قصاصي الأثر الذين يبحثون عن الحقيقة بين الأتربة والرمال دون كلل أو ملل. ورغم التطور الذي يشهده العالم في مجال الاتصالات والتقنية الحديثة في هذا المجال، إلا أن قصاص الأثر ما زال يحتفظ بتقدير واحترام الأجهزة الأمنية التي تستعين به في معظم الأوقات في بحثها عن الفارين من وجه العدالة أو من تاهت بهم السبل، أو حتى في إسهامهم في البحث عن الإبل الضالة في الصحاري ويقابل بتقدير كبير من قبل أهل البادية والهجر البعيدة. وفي إحدى القرى الواقعة شرقي منطقة عسير التي تعد واحة خضراء في أطراف الصحراء، يتخذ القصاص فرج بن ظافر المشعلي البالغ من العمر 50 عاما من البادية سكنا له، ويعمل بمهنة قصاص أثر منذ أكثر من 30 عاما وهي مهنة ورثها عن آبائه وأجداده. وهنا قال المشعلي: «الصحراء منحة من الله للإنسان، ومنها تعلمنا منذ نعومة أظافرنا التعامل مع الإبل وكسبنا منها خبرة كبيرة في الممارسة ومعرفة الاتجاه، إلا أننا نواجه بعض الأوقات صعوبة في تحديد الأثر أثناء هطول الأمطار أو الرياح القوية التي تثير الرمال وتحركه، وكذلك في المناطق الجبلية وعندها نتسلح بالصبر ثم بالخبرة». ويستطرد في حديثه وهو يشير إلى موقع قدم عابر في الرمال: «بمشاهدتي موقع الأثر أول مرة في مكان الحادثة، يرتسم تماما المشهد في الذاكرة شكلا وحجما ويبقى هو العنصر الرئيس للمطابقة عند البحث وتمييزه عن بقية الآثار الأخرى»، مؤكدا أن تباعد المسافات لا يحد من العزم في تتبع الأثر وتحديد أثر القدم ومطابقتها تماما بما هو محفوظ في الذاكرة من الوهلة الأولى، وهنا يأتي دور الفراسة والذكاء». وبين المشعلي أن تنفيذ بعض المهمات تستغرق أحيانا يوما أو يومين، إلا أنه مكث عاما كاملا لتحديد نهاية الأثر الذي حدد نهايته على بعد 20 كيلو مترا، مشيرا إلى عدم تشابه الأقدام بصفة قطعية وهو ما يساعد على تحديد الأثر وهي أمور لا يدركها إلا قصاصو الأثر، ويمكن للقصاص أن يحدد مقاس القدم والجنس والعمر. وخلص إلى القول: «شاركت في عشرات المهمات وحقق نجاحات كبيرة نلت من خلالها خطابات شكر وتقدير من المسؤولين».