رغم تجاعيد الزمن والأكف المرتعشة مازال عبد الغفور ينادي بصوت خافت على المناديل ويعرضها للبيع، لفت نظرنا ونحن نخرج من محطة قطار المشاعر «منى1» وهو يقدم بضاعته مزجاة لحجاج بيت الله الحرام. العمر لا يساعد عبدالغفور البنغلاديشي والسنوات فعلت فيه فعلها، حركته أصبحت ثقيلة وهمه كبير قدماه لاتستطيعان حمله كما السابق، ويداه ترتجفان وهو يقبض ثمن مناديله، يتعفف عن الصدقة ويأبى أن يأخذ مالا دون أن تأخذ منه منديلا فهذا معناه أنك تتصدق عليه وهو لا يقبل بذلك. قضى 38 عاما من عمره الطويل فوق هذا التراب الطاهر، في مكة يتنقل مع الحجاج من مشعر لآخر تارة حاجا وتارة بائعا، وعندما تنظر لوجهه تشعر بأنك أمام شاهد على أحداث وأحداث مرت بنا منذ السبعينيات الميلادية حين قدومه للمملكة وكان شابا ليعمل في مكةالمكرمة، وما أن وطئت قدماه هذا التراب الطاهر إلا واشتعل قلبه حبا في الحج، يأبى أن يعود لبلاده ويقول: «هذه أرض مباركة من يصلها لا يخرج منها لن أعود لأني أتمنى أن أموت هنا وأدفن في هذه الأرض الطاهرة». حينما تسأله عن القطار وهو يقف أمامه يشاهد جموع الحجيج الذاهبين لرمي الجمرات، يصمت برهة من الزمن وهو يسترجع السنوات، قائلا: كان الناس في الماضي لا يصلون إلى الجمرات إلا بعد ساعات من المسير، ثم أتت سنوات وجاءت السيارات، وكنا نراها شيئا عجيبا تصل بسرعة في الجمرات، واعتقدت أن الأمر انتهى على ذلك، مستطردا: لكنهم اليوم يمرون بي يقولون إنهم ذاهبون لرمي الجمرات، وبعد لحظات يعودون يقولون إنهم انتهوا من الرمي، هذا شيء لا يصدق اليوم، وأنا لا أصدق أنهم يذهبون لرمي الجمرات وينتهون من ذلك ويعودون قبل أن انتهي من بيع مناديلي «هذا ما يمكن ومستحيل».