من المؤكد أن الارتفاعات الحادة في أسواق السلع والمعادن لم تكن نتيجة لأسس العرض والطلب، وأن شح المعروض منها أدى إلى زيادة الطلب عليها، وإن كان تم تصوير الأمر كذلك، لكن الأمور تحمل في ثناياها أوضاعا أخطر من محاولة البعض من تقليل الأخطار التي تحيط بها. ولاكتمال الصورة المرعبة التي تتكون قبل حدوث الأزمات الكبرى نشاهد اكتمال أضلاع المثلث المرعب، فارتفاع أسعار النفط وربما وصوله لمستويات أعلى مما نشاهده حاليا، نتيجة الاستمرار في حمى المضاربات، وكذلك الارتفاع الصارخ في أسعار الذهب لمستويات قياسية، وظهور ما يسمى بحرب العملات التي أصبحت أحد أهم المواضيع التي تناولتها اجتماعات وزراء المالية التحضيرية لقمة العشرين، التي ستعقد في كوريا الجنوبية في شهر نوفمبر المقبل، وتدهور سعر صرف الدولار، الذي بدا أن المزيد من التدهور تجاه العملات الأخرى سيعتريه. إن حرب أسعار العملات هي ردة فعل للتنافس الحاد بين الولاياتالمتحدة والصين، التي لا زالت تصر على سعر عادل يعكس حقيقة القيمة التي تستحقها عملتها «اليوان»، وليس كما تريد الولاياتالمتحدة التي لا زالت تضغط على الصين من أجل رفع قيمة عملتها تجاه العملات الرئيسة الأخرى، وخصوصا الدولار واليورو للحد من نمو الصادرات الصينية. أحد أساليب الضغط التي تمارسها أمريكا هو الضغط على قيمة الدولار، الذي لا يزال يشهد أحد أسوأ انخفاضاته وتسجيله لقيم منحدرة رغم التصريحات المؤكدة بانتهاء الركود الاقتصادي في أمريكا، والصين مقابل ذلك، تحملت مثل هذا الضغط حتى لو أدى إلى انخفاض استثمارها الضخم في الدولار من خلال تملكها كأكبر مستثمر في العالم بالسندات الأمريكية. وصمود الصين لا يعني عدم تأثرها بذلك بل إن أول الآثار هو مستويات التضخم المرتفعة التي أصبحت تهدد نمو اقتصاها. لكن أكثر من اكتوى بنار هذه الحرب بين العملاقين الاقتصاديين أوروبا التي بدأت تطلق تصريحات تحفيزية لإنهاء حرب أسعار العملات من أجل تجنب الحروب التجارية، إن لم يتم التوصل لاتفاق يكون معززا بالتزام سياسي واضح لتقديم حلول تعاونية ودائمة للتوترات، خصوصا فيما يجري في أسواق العملات، ومن ضمن تلك الحلول تجنب تحديد أسعار صرف لا تتماشى مع أسعار السوق وأسس العرض والطلب الصحيحة. هذه التمنيات لا تزال حلما ينتظر التحقيق، والأمور ستتطور إلى أخطر مما نراه وسيعاني العالم بأسره من أزمة اقتصادية تتجاوز آثارها ما حدث في الأزمة المالية التي أحرقت جلد العالم. إن الصراع بين أكبر اقتصادين عالميين حول أسعار الصرف، سيؤدي إلى تراجع مؤلم لجهود عمليات الإصلاح الاقتصادي التي تبذلها الدول ال 20 من أجل إنهاء آثار الركود الاقتصادي، الذي لا يزال يخيم على العالم بأسره. كذلك سيعوق عمليات الإصلاح المطلوبة بقوة لصندوق النقد الدولي، والذي أصبح خارج حسابات الكثير من الدول المؤسسة الغارقة في المشكلات المالية.