حين يكتب، شاب موهوب، قصيدة، حلوة، ورائقة، وتستأهل الإطراء، فإنك تترك لنفسك، عادة، مساحة كبيرة، من المسامحة النقدية، وتغفر لكلماتك، مجازفاتها، في التعبير، ذلك لأنك، تعي، أو تشعر على الأقل، بأنك أمام مهمتين، تقوي كل منهما صاحبتها، الأولى: منح القصيدة، ما تستحق من إشادة، والثانية: ضرورة تشجيع، مثل هذه الموهبة الشابة، لكنك، حتما، سوف تكون أكثر حذرا، وانزلاقا، في تعابيرك، فيما لو قيل لك أن هذه القصيدة، لبدر بن عبد المحسن مثلا، في مثل هذه الحالة، تجد نفسك، مجبرا، على تناول الموضوع بصيغة أخرى، ومعطيات ذوقية، وأحكام جمالية مختلفة، أحكام أشد حسما، وصرامة، وأعمق بحثا، وتأملا، وسوف يكون أمرا، غير طبيعي، ولا منطقي، عدم أخذ المنجز الشعري السابق، المتفوق إبداعيا، في الحسبان، وما لم تكن القصيدة، طفرة في الإبداع، فأنت، وفي أعلى حالاتك إنصافا، سوف تقول، قريبا من هذا: «قصيدة جيدة لكنها ليست في مستوى البدر»، هذا بالضبط، ما ينطبق على فيلم «احكي يا شهرزاد»، الذي يمكنه أن يضيف لبطلته «منى زكي»، الشيء الكثير، كما يمكنه أن يضيف لمؤلفه «وحيد حامد» شيئا أيضا، لكنه في كل الأحوال، يعجز عن إضافة أي شيء لمخرجه «يسري نصر الله»، وشخصيا، يمكنني القول، إنني أعرف مشكلة «يسري نصر الله»، فهو منذ أول أفلامه «سرقات صيفية»، وحتى ما قبل هذا الفيلم «جنينة الأسماك»، مرورا ب «مرسيدس»، و «المدينة»، وغيرها، ظل متهما بالفوقية، والتعالي، على المشاهد العادي، وفي حين لقيت أفلامه، ما تستحق من جوائز معتبرة، ومدائح نقدية مستحقة، إلا أنه ظل بعيدا عن الجمهور العادي، الذي يريد من السينما، فرجة، وتسلية، دون أن يمانع، في وجود قيمة، في الفيلم، لكن لغة «يسري نصر الله»، ظلت عصية على الفهم، للدرجة التي لا أشك فيها، أن الجمهور، كلما تابع فيلما له، ترحم على أستاذه «يوسف شاهين»، الذي ومهما قلنا عنه، فإنه يظل أقرب إلى المشاهد العادي، من تلميذه، المتطرف، في لغته السينمائية، شديدة الخصوبة، هل أقول إن «يسري نصر الله»، أجبر على التنازل، أم أنه قرر تجريب الاقتراب من جمهور السينما بشكله العام، أم أن هناك أسبابا، تتعلق بالاحتياج المادي، لمثل هذا التراجع، المهم أنه فعل ذلك، وقرر التنازل عن سينما المخرج، لصالح سينما المؤلف، ولضبط معادلة كهذه، فليس أفضل من وحيد حامد، هل قلت ليس أفضل، نعم، لكنه في الحقيقة ليس أخطر أيضا !، ذلك أن وحيد حامد، تاريخ طويل، ومعتبر، في مجاله، وقد كنت أنتظر، مشاهدة هذا التزاوج العجيب، على جمر، لمعرفة النتيجة، من منهما سيقود الآخر إلى عالمه، وللأسف، تحققت شكوكي، في ميلان الكفة لصالح «وحيد حامد»، الذي أحترمه، لكنني بطبيعتي، كنت دائما، مع سينما المخرج، ليست طبيعتي فقط، لكنها قناعاتي، ومفهومي لفن السينما عموما أيضا، لذلك لا أدري ما الذي أقوله عن فيلم «احكي يا شهرزاد»، هو فيلم جيد نعم، لكنه، بالتأكيد، سقطة مدوية ل «يسري نصر الله»، الذي رثيت لحاله، و هو يحاول، عبثا، إنقاذ الصورة السينمائية، من السرد الورقي، دون جدوى.