بعيدا عن شخصية الوزير المثقل بهموم المعلمات والمعلمين والطالبات والطلاب، وقريبا من عدسة الفنان المولع بالتقاط الجمال، ومحاكاة تراثنا وحضارتنا بوعي المثقف المدرك، اخترنا أن يكون لقاؤنا مع وزير التربية والتعليم رئيس اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد. الأمير فيصل قال في حوار مع «عكاظ» إن اهتمامه بالمواقع التاريخية والأثرية «ينطلق من رسالة وطن يعيش فوق كنز يحوي تاريخ حضارة عريقة». وأكد وزير التربية والتعليم أن جدة بمكانتها وتاريخها الإنساني والفني والمعماري، مؤهلة لدخول لائحة التراث العالمي، بيد أنه اعتبر أن الاهتمام بجدة القديمة والمحافظة عليها «أهم بكثير لنا كسعوديين من دخولها اللائحة العالمية». وثمن الأمير فيصل جهود الهيئة العليا للسياحة والآثار ومجهودات رئيسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، داعيا إلى التنسيق بين الجهات المعنية كافة والعمل على توحيد الجهود للمحافظة على تراث وتاريخ المملكة. ولفت وزير التربية والتعليم رئيس اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم إلى أن إقامة المناسبات في المواقع التاريخية والأثرية يمنح المناسبة عمقا ثقافيا، كاشفا عن أن وزارته تنوي تنظيم احتفال كبير للكشافة بمناسبة اليوم الوطني في مدينة الأخدود الأثرية في منطقة نجران. إلى تفاصيل الحوار: • انضمام مدائن صالح والدرعية إلى لائحة التراث العالمي التابعة لليونسكو مكسب كبير، لكن ألا ترى أن الاستفادة من هذا الفوز ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا، ما زالت محدودة قياسا بالدول الأخرى؟ ليس باستطاعتي المقارنة، كون المعلومة الصحيحة والخبرة في هذا المجال تنقصني، لكن ما أستطيع أن أقوله هو أن مملكتنا غنية بالمواقع الأثرية، لكن استغلالها محدود مقارنة بالدول الأخرى، سواء اقتصاديا أو إعلاميا أو ثقافيا أو اجتماعيا. • وأين تقف وزارة التربية من هذين المنجزين؟ الوزارة تقف حاملة مسؤولية تقديم المملكة عبر المنظمة العالمية «اليونسكو» بما يليق بمكانتها وإمكاناتها، وبما أن وزارة التربية والتعليم هي المناطة بتمثيل المملكة فهناك الكثير من التنسيق بين الجهات الحكومية المعنية الذي كان سببا في تحقيق المنجزين، ونحن جميعا نتطلع إلى إنجازات أخرى ستتحقق متى ما تكاتفت الجهود، ونحن عملنا على إبراز تاريخنا وحضارتنا وثقافتنا وساهمنا في الحفاظ عليها وحمايتها من الدمار والاندثار. • تخصيص المناطق التاريخية والأثرية للاحتفالات والمناسبات سنة ثقافية سننتها أنت شخصيا عبر دعوتك للإفطار في بيت نصيف التاريخي في جدة، فكيف بدأت الفكرة؟ أعتز أن هناك مجموعة من الإخوة الأصدقاء يهتمون ويقدرون ويحافظون على تراثنا وثقافتنا وحضارتنا التي أساسها ديننا وعاداتنا وتقاليدنا، لهذه الأسباب نرى أن المناسبات والاحتفاءات إذا ارتبطت بمكان تاريخي وأثري، فإنها تصبح أعمق وأوثق في النفوس. أما بيت نصيف فهي قصة طويلة، ولن أكون منصفا إذا اختصرتها، لكنني ملزم بذلك، فهي تحمل الكثير من الشجون والآمال والآلام، وسأبدأ من الاحتفاء بالمئوية في 1419ه الموافق 1999م حينما تعذر عرض «مجموعة التوحيد» في قصر المصمك في الرياض، وتكرم الأمير ماجد بن عبدالعزيز - تغمده الله بواسع رحمته حين وجهني باختيار المكان المناسب، وكانت البداية مع «أبرق الرغامة» الذي لم يكن جاهزا آنذاك، وبتوفيق الله تم اختيار «بيت نصيف» ليحتوي على «معرض التوحيد»، وعملنا ما يمكن لتجهيزه «كمجموعة أصدقاء التراث»، وأقيم المعرض بحمد الله، ومنذ ذلك الحين ونحن كأصدقاء ومحبين للتراث، يجمعنا رمضان كل عام للإفطار، وسماع أصوات المؤذنين في جدة القديمة التاريخية، متذكرين ومؤملين في إلزامية الحفاظ عليها وحمايتها. • وهل ترى أن جدة التاريخية مهيأة بوضعها الراهن، لدخول قائمة التراث العالمي؟ جدة أكثر من مؤهلة كتاريخ وفن معماري وموقع ومكانة، وهذا ما يدعم الاهتمام بتهيئتها للتوافق مع المتطلبات العالمية. فما بين المأهول من مباني جدة التاريخية والمهجور، يكمن التحدي للمرحلة المقبلة التي عايشتها عندما كنت أزورها، خصوصا في رمضان، ونأكل «كبدة الجزور» إلى أن شرفت بتحمل المسؤولية لأخدم في القطاع الغربي للحرس الوطني، وأسكنها في عام 1412ه (1992م)، فمنذ ذلك الوقت رأينا محاولات، وأحسسنا بالاهتمام، وسمعنا عن دراسات، لكن هناك الكثير يجب أن يفعل وتتخذ إجراءات حاسمة للحفاظ على كنز من كنوز الوطن. والأمل بعد الله في المشاريع شمال غرب جدة التاريخية وجنوب شرقها لتعيد الحياة إليها. • أين وصلت المساعي الرامية لضم تاريخية جدة إلى لائحة التراث، وما هو ملامح اللقاء الذي جمعكم مع خبير التراث ومدير المركز الدولي لدراسة وحماية الآثار في اليونسكو منير بوشناق ؟. المساعي قائمة والإخوة في الهيئة العامة للسياحة والآثار وعلى رأسهم الأمير سلطان بن سلمان، هم الجهة المسؤولة عن الملف، وهم يعملون ما يمكن بالرغم من التحديات التي تواجه السياحة والآثار، كذلك الأمل كبير في صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة، الذي أعلم عن متابعته واهتمامه النابع من إيمانه بأهمية المكان ومكانته. كذلك نتطلع جميعا إلى دور الأمانة وأمينها الجديد، ونأمل الدعم من الأمير منصور بن متعب وزير الشؤون البلدية والقروية. وهنا أود أن أؤكد أن التنسيق بين الجهات المعنية والعمل على توحيد الجهود، ليس فقط للعمل على ضم جدة التاريخية إلى القائمة العالمية، لكن هناك ما هو أهم، وهو الحفاظ على جدة لنا كسعوديين، وأكثر من ذلك فهي المدينة المتكاملة ذات الطابع الإسلامي الذي يعكس حضارتنا وثقافتنا كأمة تحمل رسالة سامية يجب أن تحيا وتدوم. وفيما يخص لقائي أخيرا بالسيد منير بوشناق، فقد سعدت بمعرفته ومقابلته والاستفادة مما لديه من معلومات وتجربة ثرية. وعلاقة بوشناق بالمملكة منذ زمن طويل، ومما زادني احتراما لشخصيته صدق وأهمية مقترحاته، ومنها أن تعقد ورشة عمل في جدة التاريخية تحضرها المؤسسات والمنظمات العالمية التي تهتم بالثقافة والتاريخ والتراث، وستوجه الممثلية في باريس للتنسيق والدعوة لتنظيم مثل هذه اللقاءات وورش العمل في جدة. • دعمت وزارة التربية المؤتمر الدولي للتراث العمراني الذي نظمته الهيئة العامة للسياحة والآثار في الرياض أخيرا، من خلال أسبوع التراث في المدارس وتنظيم المسابقات.. فهل نرى دعما مماثلا لجدة التاريخية؟. هناك الكثير من الأدوار المناطة بالتربية والتعليم لدعم كل ما يتعلق بتاريخنا وتراثنا وثقافتنا، وعلى رأسها حضارتنا والتي أساسها ديننا الحنيف، وهذا ما نؤمن به كمسؤولين حملنا الأمانة تجاه الرب ثم ولي الأمر والمواطن لترسيخ هذه الثوابت وزرعها في عقول وأفئدة بناتنا وأبنائنا ليؤمنوا بعظمة حضارتنا التي أسست لما يعيشه العالم المتطور اليوم، فكل ما يتعلق بهذا المفهوم هدف من أهداف إثراء العملية التعليمية، خصوصا لشعب المملكة الذي أمن على تاريخ أمة عظيمة نفتخر بانتمائها إلينا وانتمائنا لها. • نعلم أن وزارة التربية والتعليم عازمة على تنظيم احتفال وطني كبير في مدينة الأخدود الأثرية في منطقة نجران.. هل لنا أن نتعرف على ملامح وأهداف هذه التظاهرة الوطنية؟ في الواقع، الاحتفالية تخص الكشافة السعودية التي أفتخر بتحمل مسؤوليتها كوزير للتربية والتعليم، وهي قريبة إلى قلبي، حيث كانت أولى مسؤولياتي في الوزارة داخليا وخارجيا تتعلق بالحركة الكشفية وأهدافها التطوعية لمساعدة الإنسان. فالفكرة بدأت في الطائرة، ونحن في طريقنا مع الزملاء من بوسطن في الولاياتالمتحدةالأمريكية بعدما حملنا تبرع خادم الحرمين الشريفين مقرونا برسالته إلى بناته وأبنائه في الحركة الكشفية العالمية، كما سماهم «رسل السلام» ليكون التبرع «وقف رسل السلام الكشفي العالمي» الذي أحياه الملك، فبهذه الرسالة التي نحملها إلى العالم وموجهة من خادم الحرمين الشريفين، أحسسنا بعظمة الوطن الذي نحمل رسالته، ومكانة القيادة التي تحمل هذا الفكر والتوجه السامي، ووفقنا الله إلى تبني مفهوم «أنا الوطن» ليعكس رسالة الكشافة في اليوم الوطني، وتنظم احتفالية في موقع أثري يحمل تاريخ هذه الأرض يحضرها كشافة من جميع مناطق المملكة، وكانت البداية من الدرعية العام الماضي، وهذا العام في منطقة نجران في موقع الأخدود الأثري، والهدف هو التعارف والالتقاء، وليكتشف ويتعرف الكشافة على حضارتهم وثقافتهم وتاريخهم والمساهمة في إثراء العمل التطوعي، ولمس إنسان المنطقة بتقديم المساعدة في تلبية ما أمكن من احتياجاته. ونتطلع إلى إقامة هذا الحدث كل عام في منطقة من مناطق الوطن الغالي. وأتمنى أن يكون للكشافة دور تطوعي، في نظافة جدة التاريخية والحفاظ عليها. • كيف تستثمرون دور وزارة التربية والتعليم وتأثيرها في النشء لزيادة الوعي السياحي وتوعية الطالبات والطلاب بأهمية مثل هذه الكنوز في صناعة الحضارات؟ كما ذكرت سابقا لدينا «رسالة وطن» يعيش فوق كنز يحوي تاريخ حضارة عريقة، ونحن مؤتمنون على نشر هذه الثقافة للحفاظ على تاريخنا وحضارتنا لإثراء الحضارة الإنسانية، وأساسها نشر الوعي في النشء للحفاظ والافتخار بما كرمنا المولى به من نعمة وثروة يجب استغلالها واستثمارها والحفاظ عليها بما يعود بالمنفعة على مستقبل الأجيال. فالسياحة بدون منازع هي أكبر صناعة وأكبر موظف للقوى العاملة، وهي أمل لمستقبلنا بما تكتنزه أرضنا من ثروة أثرية وبشرية ومادية. • لماذا لا نرى في مقرراتنا الدراسية ما يعرف بحضارتنا الأثرية والتاريخية، ويستحضر تجارب الدول الأخرى في هذا الجانب ؟. نحن نطور استراتيجيات واتفاقيات لبناء مؤسساتي قوامها علمي، ويرتكز على القيمة المضافة والتنمية المستدامة للاستثمار في إنسان هذا البلد الكريم. وسنرى ما هو مؤسس على عظمة ديننا وحضارتنا وثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا مستثمرا في مقرراتنا الدراسية بما فيه مصلحة أجيالنا لبناء مناهج تتسم بعظمة رسالتنا وعالميتها ومسؤوليتنا التي حملناها تجاه الإنسانية عامة. • الترويج السياحي وتنظيمه لا يقتصر على الهيئة العامة للسياحة والآثار، بل تشترك فيه العديد من الوزارات والقطاعات.. فما هي خطط وزارتكم للمشاركة الفاعلة مع الهيئة في إنعاش هذا القطاع الحيوي؟ الترويج السياحي من مسؤولية الهيئة العامة للسياحة والآثار، ووقعنا اتفاقية بين الوزارة والهيئة، ونحن في الوزارة بصدد تقييم جميع الاتفاقيات لتتماشى مع المنظور الجديد، والتوجهات المستقبلية للوزارة. وسنعمل على تعزيز هذه الاتفاقية للقيام بما هو في نطاق مسؤوليتنا لدعم المفهوم السياحي، خصوصا الداخلي. فالوطن كبير وغني وعظيم يحمل جميع المقومات التي يتمناها مسؤول تناط به إدارة ودعم مفهوم التنمية السياحية.