جدة التاريخ... بوابة الحرمين الشريفين، وكنز العمارة الإسلامية. لقد آن لنا أن نقدر هذه الثروة.. بل نحمل أمانة حسن استغلالها والحفاظ عليها لتبقى وتدوم للأجيال. جدة ذكرى دائمة جميلة ورائعة في أفئدة من تعرف عليها.. جدة نغم شرقي ناعم، يسري في عروق من عاشها.. جدة فريدة لمن أراد أن يمتع عقله بحضارة وثقافة وفن.. جدة التاريخ هي قصتي كمغرم بها، ساقني قدري أن أعيش فيها أيام الطفولة، وأتربى في كنفها، وأن أعود للعيش بها كمسؤول في خدمتها، إلى أن جاء ذلك اليوم في عام 1419ه/1999م وعدت إلى جدة التاريخية (القديمة) كما كنا نعرفها، فما أجمل قدمها، وما أروع عبق تاريخها. كانت المناسبة احتفاء المملكة العربية السعودية بمئوية التوحيد، وكان من حسن حظي أن تتاح لي فرصة المشاركة في هذا الحدث التاريخي بمعرض «مجموعة التوحيد» وأن أتعرف على غنى جدة التاريخية من خلال «بيت نصيف» حيث أقيم المعرض، وأحسست أنا ومجموعة الإخوان المشاركين في تقديم هذا العمل، بألم الوضع الذي تعيشه جدة التاريخية. وبالرغم من المحاولات العديدة وتقديم ما أمكننا من خلال مجموعة «أصدقاء التراث» وهم المحبون لهذه الأرض الطيبة وتاريخها؛ إلا أننا لم ننجح في تغيير وضعها حتى أنه في يوم من الأيام أمر خادم الحرمين الشريفين من كيسه الخاص تأمين طفايات حريق في كل بيت بناء على طلب المهندس سامي نوار، ولكنها لم تتحقق ولا أدري من المسؤول، وكان آخر تلك المحاولات في اليوم الوطني الماضي؛ حيث تجمع الكثير من الكشافة السعوديين؛ للتعرف والمشاركة في تقديم ما يمكن؛ لنشر الوعي بالحاجة إلى عمل كبير يرتقي إلى مكانة جدة التاريخية في تاريخ أمتنا وحضارتنا وثقافتنا. المسؤولية أصبحت أكبر؛ خصوصا عندما شرفت بتمثيل المملكة العربية السعودية في منظمة «اليونسكو» وعايشت تقديم ملف «جدة التاريخية» إلى لجنة التراث العالمي، وما وصلنا إليه من سحب الملف قبل التصويت، مضطرين على أساس التوصية بعدم القبول لو طرح للتصويت. لماذا لم تتأهل جدة وهناك أماكن أقل أهمية بكثير اعتمدت، والسبب أنه استثمر في تطويرها والحفاظ عليها. بدون شك فنحن السبب في إهمال تاريخنا وعدم اهتمامنا به، وعدم الاستثمار الحقيقي من دعم حكومي أو استثمار تجاري؛ لإحياء مناطقنا التاريخية وإيجاد المردود في القيمة المضافة والتنمية المستدامة. فلا بد أن نستثمر بحكمة لكي نحقق العائد. جدة التاريخية تستحق الكثير من كل سعودي، بل من كل مسلم. فهي المدينة المتكاملة والتي بنيت على مر السنين، وبها لمسات حضارتنا الإسلامية بتركيباتها المختلفة من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال. جدة احتضنت أهلها الأكارم المقيمين، وأهلها احتضنوا الكثير ممن قدموا من عالمنا الإسلامي؛ تلبية لدعوة الحق، وتركوا لمساتهم على فنها المعماري الجميل، وعلى ثقافتها وبيئتها وعاداتها. إنها دعوة من صديق للتراث بمناسبة ملتقى التراث العمراني الوطني لكل مواطن ومحب لهذا الوطن أن يساهم لتلقى جدة ما تستحقه من رعاية وإحياء؛ وخصوصا من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل رجل الثقافة والإبداع وأمير منطقتها، ومن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان راعي التراث، ومن استؤمن على الحفاظ عليه حتى نرى الحياة التي تليق بمكانة جدة تعود لتدوم كبوابة للحرمين الشريفين ومدخل للعالم الإسلامي. * وزير التربية والتعليم