عبد المقصود محمد سعيد خوجة انتظمت حياته سلسلة صراعات ألقت بظلالها على مسيرته الحافلة بالعطاء، فمن حياة لصيقة بالطبيعة في «المكلا» إلى جذور امتدت على شواطئ البحر الأحمر في جدة كانت بدايات تكوين المزاج الأدبي والشعري لشاعرنا الكبير الأستاذ أحمد سالم باعطب (رحمه الله)، الذي أسعدني بالتعرف عليه معالي الأستاذ عبد العزيز الرفاعي «رحمه الله» مؤسس «الخميسية»، ومن ثم تواصل الأستاذ باعطب مع «الإثنينية» وأصبح من روادها المميزين وساهم في كثير من أمسياتها بقصائد رائعة تناول فيها الهم الإسلامي، وقضايا العرب المصيرية، بالإضافة إلى معالجة كثير من الشؤون الاجتماعية ومشكلات الشباب. ظلت «الإثنينية» الواحة التي وجد فيها الأستاذ باعطب (رحمه الله) متنفسا يلتقي فيه بمحبي شعره، ويبث شجونه وما تعتمل به نفسه المجبولة على الحب والخير والجمال، فانطلق في رحابها بانتظام، وتم تكريمه في أمسية 19/4/1409ه الموافق 28/11/1988م، كما قام مشكورا بتنقيح اثني عشر جزءا من إصدارات سلسلة أمسياتها، وقد كان عملا استطاع أن ينجزه بمهنية عالية، وباهتمام واكب انسياب عطائها الذي لم ينقطع منذ عام 1403ه /1982م عدا عام 1411ه /1991م، تضامنا مع الأشقاء في الكويت إبان محنة الاحتلال العراقي. هكذا عاش الأستاذ أحمد سالم باعطب (رحمه الله) بين دفاتر الإبداع وصرامة الالتزام بالعمل ومتطلبات الحياة إلى أن أقعده المرض عن المشاركة في الساحة الثقافية والأدبية، غير أن مؤلفاته العديدة شعرا ونثرا ستظل شاهدا على قامته الشعرية التي بوأته مكانا رفيعا على المستويين المحلي والإقليمي .. وقبل ذلك زانه خلق رفيع فلم أسمع منه قط كلمة تسيء إلى أحد، بل عرفه كل من اقترب منه بعفة اليد واللسان، والترفع عن الصغائر وعدم هدر الوقت فيما لا طائل من ورائه، فكانت مكتبته الخاصة مستودع سره، ومنارة أيامه ومسرى لياليه، ومن جنباتها ألف كتابه القيم «عبد العزيز الرفاعي من المهد إلى اللحد جزءان الصادر ضمن سلسلة «كتاب الإثنينية» عام 1416ه /1996م، فظهر من خلاله ارتباطه الوثيق بمعالي الأستاذ الرفاعي، حيث كان راويته، والمطلع على كثير من مشاريعه الثقافية والأدبية والشعرية (رحمهما الله). قبل خمس سنوات أثقل المرض حركة الأستاذ باعطب، فكفت صحافتنا الأدبية عن متابعة وهجه الذي لم يبخل به عن صفحاتها سواء في شكل رباعيات منتظمة، أو قصائد مبهرة في كثير من المناسبات الوطنية والإسلامية، ثم انتقل (رحمه الله) إلى رحاب بارئه .. إنه هزار رابه الدهر .. فيما استمرت صحافتنا الأدبية للأسف في صمتها إلا من مقال وانطباعات قليلة تناثرت هنا وهناك، وكأن الراحل المقيم في وجدان الحرف، والعيون التي تعشق السهر، لم يسهم في إثراء المكتبة بالعديد من الدواوين الشعرية والأعمال النثرية، ولم يصدح شعرا في كثير من منتدياتنا وأنديتنا الأدبية والثقافية على مدى عقود من الزمن!!. تغمده الله بواسع رحماته، وجعل الجنة مثواه، وألهم آله وذويه ومحبيه الصبر وحسن العزاء.