عفوا عزيزي القارئ، حسب اعتقادي أن زاويتي لهذا اليوم سيكون دمها خفيفا، إلا أنني مضطر في بداياتها أن أدخل بك إلى بعض المتاهات اللغوية التي فرضتها كلمتا العنوان ابتداء من الكلمة الثانية «رم»، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز : «وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم»، ومن كلمة «رميم» جاءت كلمة «رِمُّ» وهي مفردة استطيع أن أقول إنها فصيحة عامية وهي بمعنى قديم جدا أو مهترئ.. أما الكلمة الأولى «امحبل» فقد ذكرتني بذلك الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله: أمن امبر امصيام في امسفر؟ فيجيبه عليه الصلاة والسلام : «ليس من امبرا امصيام في امسفر».. وتذكرت أيضا حكاية أشعب الطماع عندما تجمع حوله مجموعة من الصبيان يهزأون به ويسخرون منه فأراد التخلص منهم وقال لهم: هناك في المكان الفلاني وليمة ولما تركوه وذهبوا إلى المكان الذي وصفه لهم حدثته نفسه بأنه ربما كان الكلام الذي كذب به عليهم صحيحا وسرعان ما لحق بهم ليتجمعوا حوله ويسخرون منه مرة أخرى. تذكرت هذه اللهجة الفصيحة الباقية إلى الآن وعلى نطاق واسع في بلاد اليمن وفي جنوب وطننا «المملكة العربية السعودية» والذي أوحى لي بهذا التذكر هو ذلك الرجل المجنون الهائم على وجهه في الشوارع والأزقة في مدينة جيزان حيث وجد ذات مرة مجموعة من الصبية يلعبون في مدريحة «أرجوحة» من الحبال مشنوقة على جذعين منصوبين من جذوع الدوم وهم يتعاقبون عليها واحدا تلو الآخر ويدره «يؤرجح» بعضهم ببعض وهو ينظر إليهم بين الحين والآخر ويصيح فيهم «امحبل رم يا جهله» أي الحبل قديم وضعيف يا أولاد ولما لم يستجيبوا لنصيحته اقترب منهم بجسمه الضخم وهيئته المخيفة الأمر الذي جعلهم يهربون خوفا منه ويراقبونه من بعيد وعندئذ لجأ إلى طريقة أشعب واعتلى حبل المدريحة وراح يحركها بكل قوته وبسبب ضخامة جثته وثقل وزنه انقطع به الحبل وقذفه في إحدى زوايا المكان على أرض صلبة وبقايا مخلفات مما يلقي به المارة ونتيجة لشدة الارتطام بالأرض وقطع البقايا المتناثرة من الزجاج والمعلبات أخذ يئن ويتألم وعندما بدأ يستعيد وضعه الطبيعي ورأى الصبية يضحكون ويشمتون به نظر إليهم بغيظ شديد وقال لهم : «مشقلت لكم امحبل رم لكنكن ماطاوأتوني» (1). رحمك الله أيها المجنون الراحل فلقد افتقدتك الشوارع الضيقة وبكت عليك الأزقة وزوايا المنعطفات. (1) لكنكم ما أطعتموني. للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 101 مسافة ثم الرسالة