قد يرى البعض أن النضال الحق هو ما تدفع فيه روحك ويسيل معه دمك، أو على أضعف الإيمان هو ما تفقد بسببه حريتك أو تعيش تعاني بسببه من كبد الجوع والمرض والإهانات والذل، أما ما عدا ذلك فزيف لا يستحق أن يوصف بالنضال، فالبعض لا يتخيلون أن من النضال ما يمكن أن ينجز وصاحبه في عيش رغد وفي سلم هنيء. لذلك فإن الأستاذ صالح الطريقي يسخر من شعر المقاومة الذي يكتبه نزار قباني وهو مسترخ في منتجع هادئ ناعم في جنيف الفاتنة! لكن صالح الطريقي حين كتب يوم السبت الماضي مقاله المنتقد لشركة الكهرباء بعنوان «كان سيكتب من جنيف لولا شركة الكهرباء» لم يلحظ أنه كان يناضل عن سكان جنوبالرياض الذين تأبى شركة الكهرباء إلا أن تحرمهم حتى من ساعات نوم قليلة يحلمون خلالها بالسفر إلى جنيف، ولا أدري إن كان صالح خلال كتابته للمقال النضالي جالسا إلى جانب شاطئ البحيرة الجنيفية يغني مع لامارتين ويحتسي القهوة متذكرا بين رشفة وأخرى بؤساء سكان جنوبالرياض، أم أنه كتبه وهو في الرياض يشاركهم الحلم في السفر، إلا أني أكاد أجزم أنه في كلا الحالين كان يناضل من أجلهم وهو مستمتع (دونهم) بكهرباء غير منقطعة، أي أنه لم يكن محتاجا أن يشارك التعساء تعاستهم كي يشعر بالمعاناة التي يعيشونها، وليس بالضرورة أن ينغمس في البؤس ليكتب مذكرا بالبؤساء. رغم أن صالح كان ينعم بالكهرباء وسكان جنوبالرياض لا ينعمون بها، هو استطاع أن ينفعهم بمقاله المولود في ترف الكهرباء، أكثر مما لو أنه مضى إليهم بشخصه ليشاركهم عناء الحرمان من الكهرباء فيدفن لظلام قلمه فلا يرى الطريق، كما أنه استطاع رغم مقامه المترف بعيدا عن جنوبالرياض أن يمتاز على أمثاله من المترفين الآخرين الذين يغمرهم ترفهم فينسيهم وجود أشقياء يشاركونهم العيش في هذه الحياة، فهناك من المنعمين من يجهلون أن للرياض جنوبا، أو يخطر ببالهم أن الحياة يمكن أن تخلو لحظة من التيار الكهربائي! وقياسا على هذا، فإني لست مع الأستاذ صالح الطريقي في تهكمه بما كان يكتبه نزار قباني من شعر عن أطفال الحجارة، لمجرد أنه كان يكتبه وهو في النعيم لم يشارك المناضلين بؤسهم ولم يحترق بجحيم شقائهم. ولست معه في التهكم لأني أرى أن وجود نزار بجسده في قلب الشقاء ومشاركته الحسية في نضال المناضلين لن يضيف شيئا كثيرا لهم، قدر ما تفعله أشعاره عنهم الذائعة في العالم كله. ليس هذا فحسب وإنما أيضا اختلف مع الكاتب لأني أراه يعبر بالتهكم عن الاستخفاف بتأثير الكلمة على الناس، وهو ما يبدو لي فيه غمط لقيمة الكلمات التأثيرية ودورها الفعال في تحريك العواطف وتجييش الصدور للإبقاء على روح النضال متقدة، وكأني به يحصر النضال في صورة واحدة هي القتال فقط. هذا لا يعني أني لم أعجب بمقال الطريقي، بل إني قرأته باستمتاع بالغ وأعجبني، وتعجبني غالبا طريقته المتفردة في تناول المواضيع، خاصة ما تمده به أحاديث أصدقائه وقارئاته الكثر. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة