للإمامة في بيوت الله شروط وأحكام حددها الشرع وقال بها الفقهاء، فالإمام الذي يصلي بالناس طالما أنه جمع كل الصفات والشروط المطلوبة من كونه رجلا عادلا قارئا فقيها سليم اللفظ من نقص أو لثغ جازت إمامته، فإن كان صبيا أو عبدا أو فاسقا صحت إمامته أيضا ولم تنعقد ولايته، لأن الصغر والرق والفسق يمنع من الولاية ولا يمنع من الإمامة. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن مسلمة أن يصلي بقومه وكان صغيرا، لأنه كان أقرأهم لكتاب الله. كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف مولى له وقال: (صلوا خلف كل بار وفاجر) أخرجه أبو داوود 1/398 والدار قطني 2/56 كما ورد في كتاب الأحكام السلطانية للماوردي صفحة 129 بأنه لا يجوز أن يكون الإمام امرأة ولا خنثى ولا أخرس ولا ألثغ، فالصلاة خلفهم باطلة ولا تجوز، موضحا الماوردي بأنه أقل ما يجب على الإمام من القراءة والفقه، أن يكون حافظا لأم القرآن عالما بأحكام الصلاة، لأنه القدر المستحق فيها وإن كان حافظا لجميع القرآن، عالما بجميع الأحكام كان أولى. ورد في الفواكه الدواني على رسالة القيرواني 1/514 باب بيان حكم الإمامة ومن يصلح لها، فذكر ثلاثة عشر، أولها: الذكورة المحققة فلا تصح إمامة المرأة ولا الخنثى المشكل. ثانيا: الإسلام فلا تصح إمامة الكافر. ثالثا: العقل فلا تصح إمامة المجنون ولو متقطعا. رابعا: بلوغه في صلاة الفرض وبغيره تصح وإن لم يجز. خامسا: عدم الفسق المتعلق بالصلاة، فالفاسق فسقا متعلقا بالصلاة كمن يقصد بإمامته الكبر أو يقرأ عمدا بالشاذ المخالف للرسم العثماني أو بالتوراة والإنجيل إمامته باطلة بخلاف فاسق الجارحة كمن يشرب الخمر أو يزني فتكره إمامته فقط وهي صحيحة. كما تصح خلف المبتدع المختلف في تكفيره ببدعته كالحروري والقدري على المعتمد وما في خليل من بطلانها بفاسق الجارحة، فهو خلاف المعتمد. إذا كيف تصح إمامة من اختلف في تكفيره وتبطل إمامة من لم يقل أحد بكفره. سادسا: علم الإمام بما تتوقف صحة الصلاة عليه من قراءة وفقه، أما الأمي الذي لم يقرأ فتصح عند فقد القارئ وعدم قبوله التعليم. سابعا: القدرة على الأركان فلا تصح إمامة العاجز عن بعضها إلا كالقاعد بمثله. ثامنا: موافقة مذهب المأموم للإمام في الواجبات، فلا يصح الاقتداء بمن يسقط القراءة في الأخيرتين أو يترك الرفع من الركوع أو السجود. تاسعا: الإقامة في الجمعة فلا تصح إمامة المسافر إلا الخليفة. عاشرا: الحرية في الجمعة فلا تصح إمامة العبد فيها. الحادي عشر: المساواة في الصلاة شخصا وصفا وزمانا، فلا تصح ظهر خلف عصر ولا عكسه ولا أداء خلف قضاء ولا عكسه. والثاني عشر: عمارة ذمته بصلاة المأموم فلا تصح إمامة المعيد. الثالث عشر: ألا يكون مأموما فلا يصح الاقتداء بالمسبوق الذي أدرك ركعة مع الإمام. هذه الشروط التي حددها الشرع الحنيف لمن تصح إمامته من المسلمين ولا يستطيع أحد أن يزايد على هذه الشروط أو يضيف من تلقاء نفسه شروطا جديدة عليها، فهو إن فعل ذلك فكأنه استدرك على المشرع. وفي فتح الباري أفرد ابن حجر 1/164 باب بأن أهل العلم والفضل أحق بالإمامة وفيها يتحدث عن إمامة رسول الله للمسلمين ومن بعده أبي بكر في مرضه وما مدى أهمية الإمام في الصلاة وفضله وأنه جعل ليقتدى به. إن أغلب الأئمة هم من أهل القرآن وحملته، يقول صلى الله عليه وسلم من قرأ القرآن ثم رأى أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظمه الله تعالى ويقول عليه الصلاة والسلام أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن، وقال خيركم من تعلم القرآن وعلمه. ويقول عمرو بن العاص من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه. ويكفي أنه يقال يوم القيامة لصاحب القرآن كما روي عن رسول الله اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية، وقد علق ابن حجر على هذا الحديث أنه خاص بمن يحفظه عن ظهر قلب لا بمن يقرأ من المصحف. ويقول أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله أهلين من خلقه قالوا من هم يا رسول الله؟ قال أهل القرآن هم أهل الله وخاصته. ورد في كتاب المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد لابن مفلح أن الإمامة تصح حتى من الصبي في النافلة واختار الشيخ موفق الدين بأن الجمعة تصلى خلف الفاسق وذكر الإمام أحمد أنها لا تعاد وفي نفس المرجع ص 104 (وإن ائتم بفاسق من يعلم فسقه فعلى روايتين ومن أم قوما محدثا أعادوا إلا أن ينسى حدثه حتى يفرغ فيعيده وحده وقد اعتبر ابن عقيل أن القارئ أحق من الفقيه إذا كان يحفظ ما يحتاج إليه في الصلاة. فأما إن كان لا يحسن ذلك قدمنا الفقيه لحفظ الأركان والواجبات وسجود السهو وجبرانات الصلاة. إن إمامة الصلاة من خير الأعمال التي يتولاها خير الناس ذوو الصفات الفاضلة من العلم والقراءة والعدالة ولا تتم صلاة الجماعة إلا بإمام، وقد قال الحنفية والمالكية وفي مذهب أحمد الإمامة أفضل من الآذان والإقامة وفي كشاف القناع للبهوتي 1/475 وابن قدامة المغني 2/185 بعدم جواز إمامة الفاسق مثل الذي يشرب الخمر أو يزني أو يأكل الربا، ولكن ابن عابدين في حاشيته 1/376 ذهب إلى جواز إمامته مع الكراهة وفي صلاة الجمعة والعيدين جاز إمامة الفاسق بغير كراهة، وفي فتح القدير 1/303 أن اقرأ الناس أولى بالإمامة لقوله عليه الصلاة والسلام يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله. إن الإمامة قائمة على الفضيلة والكمال فكل من كان أكمل فهو أفضل وإن تقدم المفضول على الفاضل جاز وكره، وهذا التعدد في الأقوال مرده إلى سماحة الإسلام ويسره. لقد اختلف الصحابة في كثير من الأمور بعد وفاة رسول الله ولم يعيب أحدهم اجتهاد الآخر أو يتهمه في أخلاقه ويضفي عليه من النعوت والأوصاف التي لا تتفق وأخلاق العلماء، لقد اختلفوا في عدة الحامل المتوفي عنها زوجها، واختلفوا في وقت الطلاق في الايلاء وفي نفقة وسكنة المبتوتة وفي ميراث الجدة مع الإخوة وميراث الأخوات مع البنات والمشتركة في الميراث والعول في الميراث والطلاق في مرض الموت والزكاة في مال الصبي والمجنون وزكاة الحلي ووجوب المهر كاملا بالخلوة وغيرها. ومع ذلك كانوا أحبة لا يفسد اختلافهم ما بينهم من مودة، علموا أن مسائل الاجتهاد من قبل الصحابة ليس بحجة على صحابي مجتهد آخر فأين نقف اليوم من وسطية هذا الدين. فاكس: 6975040 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة