على الرغم من حداثة تجربة الجامعات السعودية في مجال كراسي البحث،إلا أنها تجربة طموحة عززت الرؤية الحكيمة لقادة الوطن نحو الارتقاء بالبحث العلمي، والتحول لتطوير المعرفة وتوطينها، بدلا من استيرادها. وقد تجسدت فكرة كراسي البحث بداية في جامعة الملك سعود التي أطلقت برنامجا لكراسي البحث بهدف تحقيق التميز في مجال البحث والتطوير، واقتصاديات المعرفة Knowledge Economy وتعزيز الشراكة المجتمعية. كما تبنت جامعات الملك عبد العزيز، والملك خالد، والإمام محمد بن سعود، وأم القرى إنشاء عدد من الكراسي العلمية في مختلف المجالات البحثية. ويصل مجموع كراسي البحث القائمة في الجامعات وفقا لأحدث التقارير، إلى التسعين تقريبا؛ فضلا عن الكراسي التي يجري إنشاؤها، أو المتاحة للتمويل من الشركات وكبار رجال الأعمال. وتتنوع مجالات كراسي البحث في الجامعات السعودية،لكنها تهتم عموما بالدراسات الإسلامية، والأمن الفكري، ودراسات الوحدة الوطنية، وحقوق الإنسان، والحسبة، والطب، والحاسب وتقنية المعلومات، والقضاء، والاقتصاد.. وغيرها من المجالات. ويشهد المجتمع حاليا جدلا صحيا حول الجدوى من كراسي البحث؛ ففي الوقت الذي تؤكد فيه الجامعات على أهميتها لتنمية جيل من الباحثين وطلاب الدراسات العليا، والمشاركة في الإنتاج البحثي محليا وعالميا؛ يرى آخرون أنها مجرد محاكاة للجامعات الغربية، وفكرة أخذت كما هي دون تطوير. إن من الموضوعية عدم التسرع في الحكم على مدى نجاح أو فشل كراسي البحث، وتعجل النتائج المرجوة منها، خاصة أن الكراسي القائمة حاليا مرتبطة بمدة زمنية محددة لتمويلها، تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات، وبالتالي فهي تسعى لتحقيق أهدافها خلال مدة التمويل، ويدفع القائمون عليها لحسن استثمار مواردها، وتوجيهها لخدمة مشاريع البحث العلمي، وتحسين مهارات أعضاء هيئة التدريس، وتهيئة الطلاب لسوق العمل، والاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال، وخاصة تجربة الجامعات الكندية،التي تمول فرص عمل لخريجيها من إيرادات كراسي البحث، والتجربة اليابانية التي تفرض على الشركات تخصيص نسبة من إيراداتها لدعمها. والأخذ بعين الاعتبار أن تمويل الكراسي غير مستمر، ومواردها غير ثابتة، مما يفرض البحث عن موارد ثابتة كالأوقاف. وإذا ما تحقق ذلك، فإنه يمكن الجزم بأن كراسي البحث ضرورة ملحة للجامعات، وعامل مؤثر لنقل وتوطين التكنولوجيا Technology Transfer والتحول بالمجتمع لاقتصاد المعرفة. أما لو اقتصر إنشاء الكراسي على التسويق والاستهلاك الإعلامي، والتركيز على المجالات النظرية، وعقد ندوات لاتخدم برامج البحث العلمي والباحثين؛ فيمكن القول إنها مجرد ترف، وتحول عن الغايات السامية التي أسست من أجلها، وقد يؤول مصيرها كما آلت إليه الجمعيات العلمية، التي اقتصر نشاطها الفعلي على عدد محدود منها، رغم وجودها في معظم الجامعات السعودية!!. * جامعة الملك سعود كلية التربية [email protected]