ينشط 200 كرسي بحثي علمي في جامعات المملكة العربية السعودية، ضمن منظومة البحوث العلمية الجامعية بدعم وزارة التعليم العالي، تعمل على دراسة موضوعات متنوعة تركز على جوانب التنمية بالمملكة العلمية والتطبيقية والطبية والاقتصادية والاجتماعية والشرعية وغيرها سعيا نحو حلول عملية علمية مناسبة يقوم عليها علماء متميّزون، بتمويل شراكة مؤسسات القطاع الخاص والمواطنين مع الجامعة. وكراسي البحث العلمي في مفهومها العام، هي مرتبة بحثية تسند للعلماء والباحثين المتميزين عالمياً، الذين يزخر رصيدهم البحثي بمساهمات عالية النوعية والكمية في اختصاص معين، بهدف دفع المعرفة في الاختصاصات ذات العلاقة. وتعدّ مشاريع كراسي البحث العلمي، داعم لتنفيذ خطط التنمية المستدامة بالمملكة، تعزّز قدرات الاقتصاد الوطني القائم على المعرفة، وتهدف هذه المشاريع إلى إنشاء ثقافة الابتكار، والإبداع، وتطويع البحث العلمي في خدمة التنمية والاقتصاد الوطني، وتدعيم سبل التعاون بين كفاءات الجامعة، ومؤسسات المجتمع. ورغم أن بداية إنشاء كراسي البحث في جامعاتنا كانت حديث العهد، إلا أن المملكة كان لها سجل تاريخي ناصع في هذا الجانب منذ مطلع الثمانينات، حيث أنشأت كراسي بحثية في عدد من الجامعات العريقة بالعالم، وفق نظرة بعيدة المدى، تهدف إلى إيجاد قنوات اتصال ثقافية بين الحضارتين الغربية والإسلامية، والاطلاع على الفكر الإسلامي وإسهاماته في المجالات العلمية، انطلاقاً من رسالتها بأنها دولة راعية للإسلام، وعاملة بتعاليمه السمحة. وتم على أثرها إنشاء (كرسي الملك عبد العزيز بجامعة كاليفورنيا الأمريكية عام 1404ه) و(كرسي الملك عبدالعزيز في جامعة بلونيا بإيطاليا، عام 1418ه) و(كرسي الملك فهد للدراسات الإسلامية في جامعة لندن عام 1415ه) وكرسي الملك فهد بجامعة هارفارد الأمريكية، عام 1413ه)، كما تم إنشاء (كرسي خادم الحرمين الشريفين بجامعة الخليج عام 1419ه) و(كرسي الأمير سلطان للدراسات الإسلامية والعربية في جامعة بركلي بولاية كاليفورنيا الأمريكية، عام 1421ه) و(كرسي الأمير نايف لتعليم اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة موسكو، عام 1416ه). وكانت تجربة الكراسي السعودية في الخارج، خطوة مشجعة نحو تأسيس كراسي بحثية في المملكة، وفق نظرة علمية متقنة، عملت من خلالها الدولة ممثلة في وزارة التعليم العالي، على تهيئة جامعاتنا أكاديمياً قبل الدخول في هذا المضمار العلمي المتقدم، والسماح بتوفير مصادر التمويل المناسبة لإنشاء كراسي البحث، والتشجيع على تنويعها. وجعلت هذه التجربة، وتيرة العمل في جامعاتنا تزداد تألقاً وعنفواناً في هذا الاتجاه، عبر بوابة الشراكة الفاعلة بين الجامعات السعودية، وعدد من المؤسسات العامة والمجتمعية، ومن خلال جهود حثيثة لبناء منظومة بحثٍ علمي وإداري وفني عالي الجودة، قادر على إجراء الدراسات النظرية والتطبيقية بتقنية عالية، وتحقيق أفضل قيمة مضافة ممكنة في مجالات العلوم والمعرفة، بمختلف التخصصات التي تلامس احتياج المجتمع. ودعمت هذا الخطوة، استراتيجية وزارة التعليم العالي في التحوّل المنظم نحو بناء المجتمع المعرفي في المملكة والاستثمار في العقول البشرية، عبر إنشاء مراكز التميز البحثي، والحاضنات التقنية، وكراسي البحث، فضلاً عن دعم البحث العلمي الذي أصبح من الركائز الأساسية في جامعاتنا التي بلغ عددها حتى الآن (33 جامعة) منها (تسعة جامعات أهلية) إلى جانب (40 كلية متخصّصة)، سعياً للوصول بالمملكة نحو العالمية. وعدّ كثير من خبراء التعليم، مبادرة كراسي البحث العلمي في المملكة، خطوة مهمة ليست في الرقي بمستوى البحث العلمي في الجامعات السعودية، بل في تعزيز الشراكة المجتمعية الفاعلة لدور المؤسسات العلمية في المجتمع، لذا حظيت هذه المبادرة بدعم كبير من الحكومة الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني حفظهم الله. ومن منطلق ذلك، بدأت الجامعات التوجه نحو إنشاء كراسي بحثية، والتنافس فيما بينها في اختيار الموضوعات المناسبة للبحث، ليصل إجمالي عدد الكراسي المنشأة حتى الآن (200 كرسي)، في حين لازلنا نشهد من وقت لآخر على أزمان متقاربة إنشاء كراس جديدة في معظم الجامعات السعودية، خاصة الناشئة منها، يُعزّز باتفاقيات توأمة مع عدد من الجامعات العريقة في العالم، للاستفادة من خبراتها العلمية في ذلك المجال. ويعمل كل كرسي بحثي، ضمن خطة عمل تستمر تقريباً أربعة أعوام أو أكثر حسب نوعية الكرسي، يديره علماء ذوي خبرة علميّة من داخل المملكة أوخارجها، لإجراء بحوث تطبيقية رائدة في مجالات علميّة وإنسانية، تعود بالنفع على المواطن والوطن، وتسهم في استكمال منظومة البحث العلمي للجامعة. وتتعدد وتتنوع موضوعات كراسي البحث، فإنه يتم اختيارها من بين عشرات الأفكار التي تقدمتها الأقسام العلمية في كل جامعة، بهدف خدمة مجالات التنمية في البلاد، وخدمة رسالتها الجامعية، ودعم البحث العلمي، والاقتصاد الوطني القائم على المعرفة، بالإضافة إلى تلبية حاجات الجهات المموّلة للكراسي، في حين يتم اعتماد هذه المواضيع، بناءً على تصورات علميّة ومنهجيّة محدّدة تعدّها فرق بحثيّة، تخضع تصوراتها للتحكيم والمراجعة، ليتم تحقيق الفائدة العلمية والعملية من فكرة إنشاء الكرسي. وركزت كراسي البحث في جامعاتنا، على موضوعات الدراسات الإسلامية، بالإضافة إلى الدراسات الإنسانية الخاصة بالأمن الفكري، والمسؤولية الاجتماعية، وبحوث الإعلام التي دعمتها صحف (الجزيرة، والرياض، وعكاظ) علاوة على الجوانب العلمية المتعلقة بأبحاث المياه، والطاقة، والبترول، والغاز، والمعادن، والجوانب الاقتصادية ذات الصلة بالأبحاث المالية والصيرفة، والاستثمار، والتطوير العقاري، ومجالات الحاسب، والاتصالات، وتقنية المعلومات. كما ركزت على المجالات الصحيّة، من خلال دراسة الأمراض المستعصية، والوبائية، التي يتعرض لها نسبة عالية من السكان في المملكة، ومعرفة مسبباتها، وإيجاد الحلول المناسبة لها، مثل: أمراض العيون، والسمنة، والسرطان، وجراحات العظام، والعقم، والقلب، والبهاق، والربو، وكل ما يخص جوانب الرعاية الصحة المبنية على البراهين العملية، والتطبيق العملي للمعرفة. أما ما يتعلق بتمويل إنشاء الكراسي، فإنه يتم بطرق مختلفة حسب سياسة كل جامعة، فمنها مايتم عن طريق ميزانية الجامعة نفسها، والوقف المخصص لها، أو من خلال الدعم الذي يمكن أن يخصصه صندوق التعليم العالي لكراسي البحث، والتمويل الذاتي الذي تحققه أنشطة الكرسي، كما يمكن تمويل الكرسي من شراكة الفرد والمؤسسات الخدميّة، والتبرعات والوصايا والهبات، مثلما تفعل (اليابان، والولاياتالمتحدة، وكندا، ودول الاتحاد الأوروبي)، حيث شجعت مؤسساتها على الاستثمار في الكراسي البحثية، مخصّصة لبرامجها، مئات الملايين من الدولارات. ويختلف نظام تمويل كرسي البحث من جامعة إلى أخرى، كما يختلف في حجمه من ناحية الفرد أو المؤسسات والشركات والبنوك، حيث يدفع المموّل الفرد نحو (مليوني ريال في السنة الأولى من إنشاء الكرسي، يليها مليون ريال سنوياً، وذلك لمدة ثلاثة سنوات)، وفق نوع ومصروف الكرسي، في حين تدفع المؤسسات (أربعة ملايين ريال في السنة الأولى، ثم مليوني ريال في العام لمدة ثلاثة سنوات)، ويتراوح إجمالي المدفوعات من (خمسة إلى عشرة ملايين ريال للكرسي)، على أنه لا يقف مجال الدعم إلى هنا بل يسمح في زيادة حجم التمويل. وتستخدم أموال دعم كرسي البحث في أوجه مختلفة من أهمها: دعم مشاريع البحث والدراسات التي يقوم بها الكرسي، وشراء واستكمال التجهيزات اللازمة لأنشطة البحوث التي ينفذها، فضلاً عن تمويل الندوات، وحلقات البحث، وورش العمل، والمؤتمرات الضرورية لأنشطة كرسي البحث، وتمويل أي أنشطة أخرى يحتاجها. وتمنح الجامعات السعودية، من يتقدم بتمويل أي كرسي من كراسي البحث العلمي سواء كان فرداً أم مؤسسة، امتيازات عديدة، منها: أن يحمل الكرسي أسمه، ويوضع كذلك على السجل الذهبي للجامعة، والمعمل والمختبر الخاص بالكرسي، بالإضافة إلى كتابة اسمه على الأبحاث المنشورة في الدوريات العلمية، وبراءات الاختراع والكتب العلمية التي ينتجها الكرسي، فضلاً عن الاستفادة من نتائج بحوث الكرسي، والخدمات الاستشارية الخاصة به. ومن أبرز الكراسي البحثية المنشأة في الجامعات السعودية، كراسي أبناء الملك عبدالعزيز، (كرسي الملك خالد للبحث العلمي في جامعة الملك خالد) و(كرسي الملك فهد لأبحاث التعليم والتعلم)، و(كرسي الملك عبدالله للحسبة وتطبيقاتها)، (وكرسيي مؤسسة الملك عبدالله لأبحاث الإسكان التنموي في الجانب المعماري والجانب الاجتماعي)، و(كرسي الملك عبدالله للأمن الغذائي) وجميعها في جامعة الملك سعود. كما برز منها أيضاً، (كراسي الأمير سلطان للبيئة والحياة الفطرية، والدراسات الإسلامية المعاصرة، وتقنية الاتصالات والمعلومات، وأبحاث المياه، ولذوي الاحتياجات الخاصة)، و(كرسي الأمير بنّدر لأبحاث المياه)، و(كرسي الأمير نايف في دراسات السنة النبوية)، و(كرسي الأمير سلمان للدراسات التاريخية)، و(كرسي الأمير سطّام في مجال الطب)، و(كرسي الأميرة صيته لأبحاث الأسرة)، ومقارها أيضاً جامعة الملك سعود. إضافة إلى ذلك، فقد أنشأت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن كرسي (الأمير سلطان بن عبدالعزيز في هندسة البيئة)، تبعها في ذلك جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث أنشأت (كرسيّان للأمير نايف بن عبدالعزيز، أحدهما لدراسات الوحدة الوطنية، والآخر للوقاية من المخدرات)، كما أنشأت الجامعة الإسلامية (كرسي الأمير نايف لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). ومؤخراً، أُنشأت جامعة أم القرى (كرسي الأمير سلمان بن عبدالعزيز لدراسات تاريخ مكة)، وهو أول كرسي تنشئه الجامعة، في حين لايزال عدد من أصحاب السمو الأمراء، والمعالي الوزراء، ورجال الأعمال، وكبار الشركات والمؤسسات الخاصة، والبنوك، يسهمون بمبادرتهم في إنشاء كراسي بحث علمية، لتشجيع المبادرين السعوديين على دعم مثل هذه البرامج العلمية، التي تعود فائدتها على الجميع. وبحسب تاريخ تأسيس كل جامعة، فقد وزعت كراسي البحث في جامعاتنا على النحو التالي: أم القرى (كرسي واحد)، الإمام محمد بن سعود الإسلامية (22 كرسي)، الإسلامية (أربعة كراسي)، الملك سعود (110 كرسي)، الملك عبدالعزيز (21 كرسي)، الملك فيصل (كرسيان)، الملك فهد للبترول والمعادن (26 كرسي)، الملك خالد (كرسي واحد)، الأميرة نوره بنت عبدالرحمن للبنات(كرسيان)، طيبة (ثلاثة كراسي)، القصيم (كرسي واحد)، حائل (ثلاثة كراسي)، تبوك (كرسي واحد)، نجران (كرسي واحد)، الدمام (ثلاثة كراسي). من جهة أخرى، فإن الحديث عن تجربة المملكة في إنشاء كراسي البحث العلمي، يقودنا إلى الحديث عن التجارب العالمية التي سبقتنا في ذلك المجال، حيث استطاعت جامعاتنا الاستفادة من هذه الخبرات، لاسيّما في ظل ما يشهده العالم من تنافس دولي في ميدان البحث والتطوير، الذي بلغ أشدّه مع ظروف العولمة والحاجة إلى الإبقاء على القدرة التنافسية بين دول العالم المتقدم في المجال الاقتصادي. وعلى سبيل المثال، أنشأت كندا برنامجاً طموحاً لكراسي البحث ترمي من خلاله إلى بلوغ إحدى المراتب الخمس الأولى في العالم بحلول العام الجاري 2010م، في حين عدلت فرنسا برنامجها لكراسي البحث مستفيدة من التجربة الكندية، وأقرت اليابان برنامج كراسي البحث كإحدى الوسائل للمحافظة على مركزها الثاني خلف الولاياتالمتحدة في مجال البحث والتطوير. وفي سنوات قليلة بدأت الصين والهند وكوريا الجنوبية وماليزيا بإنشاء برامج كراسي بحوث، للمشاركة في الإنتاج البحثي العالمي، والإلمام بأدوات التقنية الحديثة، من أجل تحقيق أرضية مساندة لبرامجها الصناعيّة، ووضع مكانة لها في مضمار التنافس العلمي في العالم. وفي نظرة تفصيليّة، فقد كانت التجربة الكندية رائدة في برنامج كراسي البحث، حيث رصدت اعتمادات مادية من ميزانيتها، قدّرت عام 2000م، بنحو 900 مليون دولار، لإنشاء ما يقارب 2000 كرسي بحث، في جامعاتها، أي بمعدل 400 كرسي بحث في السنة، كما أعدت في العام ذاته، برنامج عمل خاص لإنشاء كراسي البحث يقوم على الشراكة بين الجامعات والمؤسسات البحثية واستقطاب الباحثين، وتوفير الدعم المادي لتأسيس إنشاء المزيد من الكراسي المجهزة بأفضل المعدات البحثية، بينما ينصب اهتمامها في الاستثمار بالبحوث الأساسية والتطبيقية. وفي سياق مختلف عن التجربة الكندية، دخلت اليابان ميدان الأبحاث العلمية المتخصصة، حين أقرت عام 1987م برنامج كراسي البحث، لتضع نشاطاتها وتنظيمها تحت إشراف الجامعات، أو مراكز البحوث (الممولة من المؤسسات الاقتصادية، والمتبرعين)، واختلفت عن سابقتها الكندية، في أنها لا تنشئ جامعاتها برامج بحوث إستراتيجية متماشية مع كراسي البحوث، وإنما لتحقيق أهداف المؤسسة الحاضنة، وبشكل أصبح فيه تمويل كراسي البحث العلمي، يعادل تقريباً التمويل الحكومي للمشاريع البحثية في الجامعات، والمراكز البحثية. وأسندت اليابان جزء هام من كراسي البحث، إلى مراكز بحثية تخدم عدداً من الجامعات، وتعمل على تعزيز التعاون البحثي فيما بينهما، بينما يصل الدعم المادي للكرسي الواحد إلى مليارين ين ياباني، أي (ثمانية ملايين دولار أمريكي)، تقدمه عدد كبير من شركات القطاع الخاص، أبرزها (هيتاشي، وتوشيبا، وميستوبيشي، وفوجي، وتويو، وتويوتا، وهوندا، ويازاكي). وعن الولاياتالمتحدةالأمريكية، فقد ظهرت تجربتها في ذلك المجال، بشكل مغاير لما سبق من التجارب الدولية، حيث فصلت برامج كراسي البحث العلمي لديها منذ تأسيسها عن خطط وإشراف الحكومة، على أنه يتراوح تمويل الكرسي الواحد في جامعاتها مابين (مليون وخمسة ملايين دولار إلى 50 مليون دولار في بعض الحالات الخاصة للأبحاث)، وتميّزت تجربة الكراسي البحثية الأمريكية، في تنويعها لمصادر تمويل كراسي الأبحاث، إذ يأتي الدعم المادي لها من بعض الدول مثل اليابان، ومن المؤسسات الاقتصادية لديها، ومن التبرعات، إضافة إلى ميزانيات الجامعات نفسها التي ترصدها من خدماتها الذاتية. أما ما يتعلق بالدولة الأوروبية، فإن تجاربها في مجال كراسي البحث العلمي، تمتد إلى أكثر من 40 عام، وهي في الغالب لا تختلف عن التجربة الأمريكية، سواء من حيث إدارة كراسي البحث، أو من حيث قيمة الدعم المادي لها، كما أن تمويلها يأتي اعتماداً على العلاقات الشخصية بين الممول والجامعة أو المركز البحثي، دون تدخل الدولة، مثل ما يتم في (بريطانيا وألمانيا). وخرجت فرنسا، عن نهج نظرائها الأوروبيين، إذ مزجت ما بين التجربتين الكندية والأمريكية في إنشاء كراسي البحث، وتمثل ذلك في إنشائها عام 1991م، مركزاً بحثياً يسمى (المعهد الجامعي الفرنسي)، ليدعم سنوياً (40 كرسي بحث) في مجال العلوم الأساسية، كالرياضيات، والفيزياء، والحاسب الآلي، والطب، ويعمل فيه (273 عالم وباحث)، ينقسمون إلى صنفين، الأول: علماء مشهورين ولديهم تجارب بحثية علميّة طويلة، والآخر باحثين متميزين لا تتجاوز أعمارهم الأربعين عام، وذلك لتكوين أجيال بحثية متنوعة. وقادت هذه التجارب العالمية، جامعاتنا السعودية في الأخذ على عاتقها، هذا التوجه الحديث، لتصنع لنفسها تميّزاً علمي فيما تقدمه كراسي البحث لديها، إما عن طريق المزج بين هذه التجارب، أو الخروج بطريقة جديدة تنفرد بها الجامعة، كما في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي طبقت في عمل كراسيها معايير ومؤشرات الجودة الخاصة بالبرنامج التي اعتمدها مجلس كراسي البحث لديها، في خطوة وصفت بأنها الأولى كمؤسسة أكاديمية خارج كندا، تمتلك نظاماً مستقلاً للجودة، ومؤشرات للقياس. وفيما يتعلق بجامعة الملك سعود، التي تتفوق على نظيراتها السعودية بعدد الكراسي البحثية، فقد شكلت لبرنامجها الوطني الخاص بإنشاء كراسي البحث الذي تأسّس عام 1428ه، مجلس أمناء إشرافي يتكون أعضاؤه من المتبرعين بالتمويل، وخبراء عالميين مرموقين، ورجال أعمال، وأعضاء هيئة تدريس متميزين من الجامعة، للتأكد من ضمان جودة البرنامج، والتوظيف الأمثل لتمويله، ومدى تحقيقه لأهدافه، إضافة إلى تقويم مساره عند الحاجة، وحققت خلال هذه الفترة الزمنية البسيطة العديد من الانجازات العلمية في هذا المجال من داخل المملكة وخارجها. وبشكل عام، فإن سياسة عمل كراسي البحث في جامعاتنا، تقوم على متابعة مراحل إنجاز كل كرسي بحث، من خلال تطبيق معايير دقيقة، تقيس حجم العمل الذي قام بها فريق العمل في الكرسي، عبر تقرير يرفعه المشرف على كل كرسي متضمناً الإنتاج العلمي للكرسي، وانجازاته في مجال تخصصه، وآخر عن تطبيق معايير تدريب الكفاءات العالية الوطنية، علاوة على توضيح أنشطة الكرسي الإعلامية، بما في ذلك المحاضرات، والندوات، والمؤتمرات العلمية التي نفذها. ويمكن القول في ختام تقريرنا، إنَّ تعزيز بنية ومخرجات كراسي البحث في المملكة، سوف يسهم "بإذن الله" في بناء قاعدة صلبة من الدراسات النظرية والتطبيقية والإحصائية المتكاملة والدقيقة، تنعكس إيجاباً على أهداف التخطيط وبرامجه وتطبيقاته، على المستويين القطاعي والكلي، وعلى تحقيق تقدم ملموس في معالجة قضايا التنمية المستدامة، ومتطلبات الاستغلال الأكفأ للموارد والإمكانات المتاحة.