«لخولة أطلال ببرقة ثهمد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد وقوفا بها صحبي علي مطيهم يقولون: لا تهلك أسى وتجلد» «قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل» «وتلفتت عيني فمذ خفيت عني الطلول، تلفت القلب» «هل بالطلول لسائل رد أم هل لها بتكلم عهد!» «وإذا مررت، وكم مررت، ببيتها تبكي الخطى مني، وترتعد الدموع» الارتباط بالأطلال والتشبث بصحبتها يكاد يكون سمة من السمات التي تميز الذهنية العربية. فمنذ الجاهلية وإلى اليوم وشعراء العرب يرنون إلى الأطلال يبثونها عشقا لا يفنى. يسيلون الدمع ويكثرون التحسر يبثونها ما يملأ صدورهم من حزن وألم وخواء بعد أن حل بهم البعد وفصلهم الفراق. يكثر الشعراء من التلفت إلى الوراء، معبرين عن عجزهم عن الانسلاخ من ماض كان يجمعهم بالحبيبة فيظل خيالها يتراءى لهم مرسوما فوق الآثار والدمن الباقية يترددون عليها يطوفون بها لا يقوون على الابتعاد. هنا يظهر التشبث بالأطلال قويا مسيطرا على الذهن العربي حيث تتجسد فيه خاصية الالتحام المتين بالماضي والخوف من الانفصام عنه، عشق الأطلال لا يدع في الذهن العربي احتمالا لإمكان محوها أو إبدالها بجديد مغاير. يتغير العالم من حوله ويمضي إلى الأمام وهو واقف مذهول أمام أطلاله يحتضنها بقلبه وفكره لا يرى جمالا في سواها، قد يستعيض عن راحلته بسيارة جديدة وعن خيمته بقصر مشيد لكنه لا يستطيع أن يستعيض بشيء عن أطلال ماضيه، فيظل قابضا عليها يحضنها إلى قلبه متوهما فيها عشقا خالدا يملأ حناياه. قد يرى البعض في ذلك وفاء وانتماء واعتزازا بماض حبيب، وقد يرى فيه آخرون الخوف من المجهول المرافق للاستقلال والانفصام، كما قد يرى فيه غيرهم مجرد قصور وعجزا عن النظر إلى الأمام. لا يهم التبرير ولا التفسير، لكن النتيجة هي التي تهم. فالتوق إلى الأطلال واستمرار التلفت نحوها والإصرار على الوقوف عندها والالتحام بها، لم يدع مجالا لمعايشة حاضرة ولا رؤية مستقبلية، فضاقت الدنيا حتى تكورت في أطلال ودمن. بعد هذا، هل نستغرب إن تعثرت الخطى؟ وضاعت خرائط الطريق وسط ذلك التنازع ما بين المحافظة والتحرر، والتقليدية والعلمية، والوهم والواقع؟. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة