أمسيات القاهرة غالبا ما تكون عامرة بالوجوه العربية، ومنها الخليجية وهي الغالبة، وفي مثل هذه الأمسيات يحلو تجاذب أطراف الحديث، وهي أحاديث استعراضية في محاولة للفت الانتباه فحيثما تواجدت الجميلات يكثر العرض والاستعراض والفضفضة المصطنعة، وكأنما قدر الرجل اللهاث خلف المرأة، وقدر المرأة أن تحظى بإعجاب المحيطين بها. أمكنة كثيرة تعيش هذا السيناريو بكل طقوسه ومتناقضاته، ومنها القرية النوبية في أحد الفنادق الكبرى. كنت فيها مع مجموعة من الإعلاميين الخليجيين بدعوة من وزارة السياحة المصرية. الأحاديث من حولنا متنوعة فعلى الطاولة التي أمامنا شباب يبدو من أحاديثهم أن لهم علاقة بالصحافة الفنية، فهذا يبوح بأمور شخصية جدا عن إحدى نجمات الغناء ومن يساندها متباهيا بمعلوماته التي يرى أنها مهمة جدا ولا أدري مهمة لمن؟!. وذاك يزعم أن بإمكانه أن يدخل كواليس برامج جماهيرية تلفزيونية تقدمها فنانات من فئة نص كم! وثالث يستعرض معلومات تافهة عن منتج وممثل من فصيلة الدلوخ. كل هذا يحدث ويدور بأصوات مرتفعة، وكأنما الحديث جرى أصلا للفت الأنظار ليس إلا رغم تفاهته! وفي طاولة أخرى شباب يقلبون البلوتوث بحثا عن صيد جميل، ولأن بعض الناس جعل من نفسه تاكسي أجرة، فإن البحث غالبا ينتهي نهاية إيجابية فتختفي وجوه، وتحضر أخرى في نوبات ليس لها من آخر. هناك قبالة تخت موسيقي يرتدي فرسانه الطربوش الأحمر، يجلس عواجيز هاربين كما يبدو من مواجهة مصير ينتظرهم، يرددون مع التخت مقطعا من أغنية أم كلثوم «فكروني»، دون أن يتأثروا بما يجري حولهم من تناقضات. ولعل القاسم المشترك لكل هؤلاء دخان المعسل الذي يعبق به المكان وهو يختصر الحكاية التي لا تعدو أن تكون أنفاسا تسحب أنفاسا. [email protected]